الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقلية الزفت

حمودة إسماعيلي

2013 / 8 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نعم هو موجود فى كل مكان وزمان، يعرفه الجميع واختبروا وجوده جيدا
كلامى ليس عن الله بل عن الألم
¤ نيتشه

من المتداول في الثقافة الشعبية والدينية للمجتمعات أنه :

عندما يمرض المؤمنون أو يعانون ويتألمون فإن الله يطهرهم بذلك من الذنوب ويختبر إيمانهم به. مقبولة ! . لكن عندما يمرض غير المؤمنين أو يعانون فذلك عقاب لهم من عند الله، فكل المتألمين من المخالفين عقائديا يلقون جزاءهم نتيجة جحودهم، لدى يلزمهم أن يعودوا لله ويعتنقوا نفس العقيدة حتى يخلصهم الله من آلامهم، لكن أليس مستبعدا أن يعانون كذلك باعتبار أن الله سيختبر إيمانهم بعد إيمانهم ؟!
نجد الكثير من التفاسير الغريبة التي تحاول فك هذا التناقض الفكري، منها أن الله يختبر الناس حتى يكشف حجم وقوة إيمانهم به (للتأكد)، ونظرا لأن الملتحقين الجدد يجب العمل على صقل إيمانهم، فإن تعرضهم لماساة كافي بأن يحدد وجودهم إما بخانة المؤمنين الواثقين أو المرتدين الذي يبرهنون عن ضعف إيمانهم وعدم استحقاقهم لرحمة الرب؛ لدى فإذا انتهت معاناتهم فقد خَلَصَ بذلك الاختبار. فإذا تم ذلك وهم لا زالوا متشبتين بإيمانهم، فهذا الأخير هو من انقذهم من مآسيهم. وإذا لم تنتهي معاناتهم ومع ذلك لازالوا متشبتين بإيمانهم، فالله يزيد من درجة الاختبار حتى يرفعهم لدرجة القديسين والمقربين إليه، وهو ما تتم الإشارة إليه بأن الأنبياء هم أشد الناس بلاء (لذلك رُفعوا لمقامات اجتماعية عالية).
نلتف لنعيد رؤية الموقف من جانب آخر، وهو جانب الأشخاص الذين يفقدون إيمانهم بالله أو يلجؤون لمعتقدات مغايرة عند انتهاء الاختبار (المأساة)، فمن يتخلى عن إيمانه قبل أو بعد الاختبار، فإن الله قد تأكد من إيمانه لدى وبذلك خلصه من معاناته لأنه لم يصبر ويظهر تشبته بالاعتقاد، لدى فإن الله لن يهتم أو يلتفت إليه. أما إذا استمرت المعاناة رغم فقدانه لإيمانه، فإنه الله يعاقبه على شكّه فلو كان إيمانه كاملا لخلصه الله من ألمه ! .

ولا تقف هذه المتاهة الفكرية عند هذا الحد، فعندما يعيش مؤمنون في نعيم ورفاهية كمظاهر للثروة، فالله يمنح ويزيد من عطاءه لمن يشكروا نعمته. أما إذا كان الأمر ينطبق على منكرين له، فالثروة والمزايا ليست إلى إلهاء من الله للجاحدين ليستمروا على موقفهم، فالمتعة والرفاهية ليست ممنوحة إلا كفخ حتى يأتي يوم ينقلب الأمر عليهم ويتلقوا معاناة وألما كجزاء على عدم شكرهم واعترافهم بنعم الرب.
فالإنسان في ظل هذه الثقافة والمعتقدات غير محدد الموقف. فهو يعاني، قد يكون سبب ذلك حبا من الرب وفي نفس الوقت قد يعني عقاب، وفي كلتا الحالتين فموقف الرب ناجم عن حب حتى أن الجحيم مظهر من مظاهر حب الله للبشر، برأي نيتشه.

وبالرجوع لما يهمنا وهو تذبذب الإنسان، وكما قلنا بأن المعاناة قد تعني الرضى أو العقاب، فإن الرفاهية قد تعني كذلك العطاء الناجم عن الحب وبنفس الوقت الكره ! . لكن بالنسبة لمن يفسرون الأمر على أن هذه الشطحات يفهمها المؤمنون فقط. فنحن نقول أن هذا نتاج فكر عسكري (حربي) مُعادي : إن لم تكن معنا فأنت ضدنا. فالعسكري دائما يرى (كاعتقاد) أنه يمثل الحق (الخير) والعدو (الآخر أو المختلف) يمثل الشر. لهذا نجد النوعية التي تلبّسها الفكر السابق ذكره، ترى في المواقف المتشابة بينها وبين الآخرين، أن موقفها موقف خير، والآخرين موقف شر. رغم أنه قد يكون نفسه ! .

من هنا يتمزق البعض فكريا فيجدون موقفهم مشابه لما وصفه وديع الصافي في اغنيته : "بدي اعرف حالي وين، نايم على أيا مخدة"(1). مخدة التخلف طبعاً !! .

عندما يشعر الإنسان بالملل، فإنه يتزوج ! رغم أن الأمر بدأ يصعب مؤخرا بالنسبة لذوي الدخل المحدود أو البطاليّين، إلا أن الأهل غالبا بالمرصاد ليساعدونه، نظرا لاعتقاد شائع أن الزرق يزيد ويأتي من حيث لا يدري الإنسان عندما يتزوج. ولكان رائعا لو قام المتحمسون لهذه الأفكار بشرح الأمر بطريقة مفهومة وليس بتعابير غامضة كما تفعل العرّافات عندما تخبر الزبائن بتحقق غرض ما بعد ثلاث ازمنة، وهي للتحديد تمتد من 3 أيام إلى 3 قرون (المهم ثلاثة !!) بالنسبة للغة العرافة المبهمة ! .
فالإنسان سيتزوج وهو لا يملك شيئا والله سيتكفل بذلك، مع العلم أن الطرف الآخر لايمتلك ثروة وبوضع اقتصادي اسوأ.. أمر لا يتقبّله إلا كسول أو مُغفل حتى يُقدِم عليه. ويا ليت الأمر انتهى هنا، بل تستمر الاعتقادات الدينية والشعبية لحد قول أن الثروة(الرزق الوفير) تأتي عند الإنجاب (ويستحسن أن ينجب بكثرة)، وهذا أمر مفيد لو كان الإنسان يمتلك أرضا زراعية لأنهم سيساعدونه، وهذا ماكان عليه الأمر في المجتمعات والأسر الزراعية. أما في المجتمع الرأسمالي والصناعي وتحت ضغط الاستهلاك وغلاء المعيشة، فهذا .. "أجهشنا بالبكاء ولا نقدر على المتابعة" !! .

والغريب هو أن الإنسان لا يستفيد من التجارب الواقعية حوله وكأنه مُحشّش، يساهم في التكاثر الزائد عن اللزوم وصناعة الزحام وزيادة الفقر وتثبيت الجهل ثم يعيب على الدولة والقانون والبرلمان والولايات المتحدة وإسرائيل والإعلام ويرفض اقامة المهرجانات (التي يملأها أبناءه بالشغب) والعري، وهو وأمثاله أكثر من عرّى المجتمع ! . وهذا نتيجة امتلاكه لتلفاز وقراءته أحيانا للجريدة ! ، فتخيل(ي) لو كان يقرأ مؤلفات ماركس وإنجلز وروزا !! .

ما يجعل الناس متشابهين في التصرفات وحتى في الحديث (المواضيع المتداولة) هي الأنماط الفكرية. والنمط الفكري مثله مثل مسار فأر مرسوم بوضوح في متاهة معينة، يذهب فيه الفأر ذهابا وإيابا للحصول على الجبنة وإذا ما تم و انحرف عنه فقد يظل أو يتوه. نفس الأمر ينطبق علي المجتمع فالمسار هو النمط الفكري (المولد للسلوكات والمبرر لها) لدى الناس لذلك يسلكون تصرفات مشابهة (وهذا ما يحصل في الطبقات المعينة والعائلات والجماعات كذلك بأوضح صورة) ويعيدون تشكيل نفس المفاهيم الثقافية والمعتقدات كدورة استهلاكية. لدى يظل السير على نفس المسار(النمط) تجنبا للانحراف أو الضياع ! المسار الذي لا يتغير إلا إذا حدث انقلاب اجتماعي نتيجة ثورة فكرية أو صدمة ثقافية (تغييرا طفيفا حتى).

_ عندما يموت طفلك الصغير، فهذا اختبار من الرب ان كنت مؤمنا، وهو دعوة للعودة إليه إن كنت مستهترا أو منكرا ! .
_ طريقة الموت تحدد موقف الرب اتجاهك، فإن سقطت من سطح عمارة (دون حاجة أن تكون سكرانا)، فأنت ذاهب للجحيم نظرا لسوء خاتمتك، لكنك تعتبر شهيدا وتذهب للجنة إذا كنت مؤمنا ! .
_عندما تقع في ورطة أو حادثة، فهي كانت ستأتيك ستأتيك ! .. لدى قم بهدم منازل البشر أو اكسر عظامهم وإلقي بالمسؤولية على القدر، فذلك قدرهم "المكتوب ع الجبين لازم تشوفو العين" ! . عالم مُزفَّتْ ! .
_كبت الغرائز لا يعني أنه تم التحكم فيها، فهي لا تطيع سوى المعرفة، المعرفة التي خففّت من وجع الضرس الذي يقف الدين والدعاء والإيمان وكتب التطوير والبرمجة والإيحاء و"الزعت البلدي" أمامه عاجزين .. رغم بساطته.
_صوت الأغاني المسموع يعتبر إزعاجا للناس وتعدي علي حرياتهم، أما الترانيم والأناشيد الدينية فليست كذلك ! .. إن كانت الهالالويا مقدسة عند المسيحي فلما يسمعها المسلم رغما عنه ؟! والعكس كذلك.
_ الدين يعلم الآداب، لكن هذا لا يعني أن المتدينين مؤدبين.
_الدين يحث على الرحمة، هناك رحماء وغير متدينين.
_من ليس معنا قد لا يكون ضدنا، وقد يكون ضدنا من هم معنا.

التناقض الفكري والحماقة الثقافية تستمر باستمرار اعتماد الإنسان على الأنماط الفكرية والمعتقدات المتوارثة (حتى لو تمت زخرفتها) بدل الاستماع لصوت العقل، لأنه و"منذ القدم كان صوت الجهل هو الأعلى يقود الشعوب ويجبرها على الانصياع" كما قال دان براون.
حتى الخوف والألم لا قد ينتجان إلا عن جهل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : وديع الصافي - أغنية الليلة مش بكرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مداخلة
ميسر ( 2013 / 8 / 21 - 21:19 )
جاءت النصوص الشرعية وأقوال الصحابة تؤكد أن النكاح من أسباب حصول الرزق والغنى .

1- قال الله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32 .

وقال السعدي رحمه الله :

-قوله تعالى : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) أي : الأزواج والمتزوجين . (يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فلا يمنعكم ما تتوهمون من أنه إذا تزوج افتقر بسبب كثرة العائلة ونحوه .

وفيه حث على التزوج ، ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر .

(وَاللَّهُ وَاسِعٌ) كثير الخير ، عظيم الفضل . (عَلِيمٌ) بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما ممن لا يستحق ، فيعطي كلا ما علمه واقتضاه حكمه - انتهى .

-تيسير الكريم الرحمن- (ص/567) .

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) رواه الترمذي (1655)

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah