الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التاريخ و التراث و الدين...ثلاث نماذج من التراث

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

2013 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(في التاريخ و التراث و الدين) نشر في مجلة الحقيقة التي كان يصدرها الحزب الشيوعي الاردني.
العدد 2, 1992

الجزء الخامس.. ثلاث نماذج من التراث:
1- اجتهاد عمر بن الخطاب: و عمر هو الخليفة الثاني الذي استمرت خلافته بين عامي 13-23هجري, و شهدت ذروة الفتح بداية إرساء أركان الإمبراطورية العربية.
و الاجتهاد هو إعمال الرأي في تصريف الأمور و إطلاق الفكر في البحث عن حلول للقضايا المستجدة, و عمر كان مجتهدا, لم يمنعه إيمانه من إطلاق عقله في تلمس حلول للمسائل الجديدة التي تعرض لها, و أبدع في الاجتهاد الى حد مخافة النص القرآني الصريح الذي يرتب أحكاما قطعية و ملزمة, و كان اجتهاده نهجا متصلا, ومدرسة راسخة, و لم يكن حالة استثنائية أو منعزلة:
أ- للمؤلفة قلوبهم نصيب في الصدقات مقرر في القران "إنما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم" سورة التوبة. هذه فريضة الزكاة طبقها الرسول طبقها من بعده ابوبكر و المؤلفة قلوبهم وهم بعض زعماء القبائل و السادة و الفرسان ممن لم يسلموا أو أسلموا في إسلامهم ضعف فتقرر لهم المساهمة في الأعطيات تجنبا لأذاهم وتأليفا لقلوبهم, و استمالة لهم الى الإسلام و المسلمين, و كان الرسول يجزل لبعضهم في العطاء.
عندما ولي عمر الخلافة, تفحص الأمر, فوجد ان الإسلام أصبح قويا ولم يعد به حاجة الى استمالة البعض بالعطاء مثلما لم يعد خشية منهم فقد قرر قطع نصيبهم من الصدقات وألغى هذا السهم في هذه الفريضة على الرغم من انه نص ثابت في القران.
ب- و الغنائم لها حكم محدد في القران: (واعلموا ان ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول و لذي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل)سورة الأنفال. و أحكام هذه الآية ظلت نافذة على عهد الرسول وابوبكر, حيث كانت غنائم الحرب تخمس أي تقسم على أخماس, أربعة منها توزع على الفاتحين و الخمس الباقي يذهب للوجوه المذكورة في الآية, و كان التخميس يشمل الأرض و المال و الحلال, وعندما استولى العرب على العراق, طالب الفاتحون عمر بتقسيم السواد عليهم, والسواد هي الأرض الزراعية الخصبة في جنوب العراق, أي ان عمر تمهل في الجواب وراح يستشير أصحابه في المدينة, فأشاروا عليه جميعا بتخميسها نزولا عند حكم القران, لكن عمر لم يفعل و ظل يفكر ويحاور أياما, حتى اهتدى الى حل أكثر عدلا من التقسيم, فحكم بعدم انتزاع سواد العراق من أصحابه وأمر بإبقائه في أيديهم وأخذ الخراج عنه, أي (استيفاء ضريبة) لصالح بيت المال.
وكانت حجة عمر أن تقسيم الأرض على الفاتحين يجعلها حكرا عليهم, وعلى ذرياتهم ويحرم منها بقية المسلمين, أما الخراج فانه يذهب الى بيت المال و يستفيد منه الجميع, وقد أنفذ هذا الحكم رغم احتجاج المقاتلين بوضوح النص في القران.
ج- وللسرقة حكم في القران: وقد راجع الصحابة الرسول في شأن هذا الحد ذات مرة, والتمسوا العفو عن متهم في السرقة, فرد عليهم بحزم : (والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها), لكن عمر عطل هذا الحد في عام الرمادة ولم يطبقه رغم ثبوت السرقة على البعض, وقد استند عمر في اجتهاده هذا على ما أصاب الناس من عسر شديد في عامهم ذاك الذي عمه القحط فالتمس بالجوع عذرا للفقراء يخفف عنهم جرم السرقة, فرفع عنهم الحد, وتوعد على إقامة الحد على من يتسبب في تجويع الناس, وقال قولته المشهورة (إذا سرق المولى قطعت يد سيده).
وعمر في مواقفه هذه عطل أحكاما منصوصا عليها في القران, وأنشأ أحكاما جديدة لأنه لم يقف عند حرفية النص بل تحرى في اجتهاداته مقتضيات العدالة, وضرورات الحياة, وقد سار على هذا النهج في الكثير من المسائل, فهو لم يتردد في اقتباس الدواوين من النظام الإداري البيزنطي والفارسي, وفي الاستفادة من تقاليدهم في إدارة الدولة, ولو ان هذا النهج العمري في الاجتهاد و إعمال الرأي قد استقر في الحياة العربية فربما كان الصراع بين أهل النص وأهل العقل الذي نشب لاحقا وانتهى الى حملة كاسحة ضد العقل و العلم, لم ينشب أصلا, وربما كان مسار التاريخ مختلفا.
2- عائشة في حرب الجمل: ما ان قتل الخليفة الثالث عثمان حتى انفجر الوضع في المدينة, وفي أرجاء الدولة العربية: في الحجاز برز حزب علي بن أبي طالب من جهة, و حزب عائشة من جهة أخرى, و التقى الجمعان في معركة الجمل, فركبت عائشة جملها ووقفت في قلب المعركة واستبسل أصحابها في القتال حتى أدرك علي بأن الحرب لن تقف حتى تخرج عائشة من المعركة, فأمر أصحابه بنحر الجمل ففعلوا, وخرجت عائشة وتوقف القتال.
لا نتحدث هنا عن أسباب معركة الجمل, ولا عن سياق عملياتها الحربية, وما يعنينا هنا أن نطل من حرب الجمل على ظاهرة عائشة وعلى دور المرأة في المجتمع في أول الإسلام. لقد حاء الاتجاه العام في الإسلام لصالح المرأة, فانتصر لها, وحرم وأد البنات الذي كان يمارسه بعض الناس في بعض القبائل, ونظم الحياة الأسرية من زواج ومعاشرة وطلاق, ورتب للمرأة حقوقا ارثيه ونهى عن ظلمها أو هضم حقوقها, و أوصى بها الرسول خيرا في خطبة الوداع, بالرغم من كثير من الأحاديث التي تتناقض مع ذلك, وروى عنه مالك بن انس حديثا يقول: (النساء شقائق الرجال). وهذه كلها مكاسب للمرأة مقياسا على ما كان عليه العرب قبل الإسلام.
وفي المجتمع الجديد كانت المرأة تعيش الحياة الاجتماعية على نحو طبيعي وينسجم مع روح ذلك العصر, فقد كانت تطوف في الأسواق, وتجالس الناس في البيوت و المساجد, وتمارس تجارة وتقرض الشعر عندما تؤتى منه حظا, و تشارك في الحروب.
لقد أرسى الإسلام قواعد أخلاقية للحياة الاجتماعية, فحرم الزنا والقتل و السرقة وشرع أحكاما للحياة الأسرية وهذه القواعد و الأحكام لا تختص بالمرأة فقط, وإنما بالمجتمع ككل. وقد درجت كل الشرائع و الأديان والدعوات الإصلاحية على الدعوة لمكارم الأخلاق في السلوك الفردي و الاجتماعي على مر العصور.
ولم تصبح المرأة بذاتها محل جدل, و لم تتحول الى هاجس يؤرق بعض المتدينين إلا في وقت لاحق وعلى الأخص في الزمن المتأخر للعباسيين حين أصبحت الدور و القصور تعج بالجواري و الغلمان العبيد, وصارت مجالس الأنس و الشراب ظاهرة اجتماعية شائعة, وصار للرجل دارين, واحدة للتسري, وأخرى للأسرة, ومن هنا تأسس عالم (الحريم) من كلا ما استتبعه من قيم متخلفة وتقاليد بالية, والتمست لها في بعض الأحاديث النبوية الموضوعة شرعية دينية.
لم تعرف العرب قبل الإسلام وفي أوله ظاهرة الحجاب, ولم يكن الاختلاط محرما في كلا المرحلتين, ولم يبتدع الإسلام زيا خاصا بالمرأة, فالعربية في الإسلام ظلت تلبس ما كانت تلبسه قبله, وكانت نساء الشعوب الأخرى, التي دخلت الإسلام ولم يطالب المرأة بعزل المرأة عن الحياة العامة, ولم ينسب إليها الرذيلة.
أما التشنج تجاه المرأة و الإلحاح الذي تفشى في الخطاب الديني لإخفاء وجه المرأة عن عيون الناس وربطها بالشيطان و الفتنة فقد جاء متأخرا وليس له علاقة بالإسلام بل بالانحطاط السياسي و الاجتماعي, وانعدام الأمن و استباحة الحريات و الحرمات الذي صار شائعا فيما بعد. وله علاقة كذلك في تقاليد الشعوب الأخرى التي كانت تعرف الحجاب وخاصة الفرس, ولهذا فان أول من كتب عن الحجاب ونادي به هو (ابن المقفع) حيث قال: ان شدة الحجاب خير لك من الارتياب و ان استطعت إلا يعرفن غيرك فافعل, وهو يتحدث كفارسي لا كمسلم, ونعود الى عائشة, فنقول ان امرأة تبني حلفا سياسيا وتحرض الناس و تقود جيشا على رأسه بعض كبار الصحابة لم تكن امرأة معزولة عن الحياة العامة ولم تقود الناس من وراء حجاب.
3-ظاهرة الحديث النبوي: تجمع المصادر الدينية و التاريخية على ان الرسول نهى عن تدوين أحاديثه, وانه أمر بمحو ما كتب عنه غير القران, وعلى هذا, درج الخلفاء الراشدون وسار الأمر على مثله في عهد الأمويين, ثم انقضى القانون الهجري الأول والحديث لم يدون بعد, غير ان الحديث النبوي احتل دورا مهما بعد وفاة الرسول, واشتد الميل الى روايته والاحتجاج به مع بروز الخلافات وخصوصا بعد مقتل عثمان, وصارت رواية الأحاديث وتناقلها ظاهرة شائعة.
في مطلع المائة الثانية للهجرة, بدأت محاولات تدوين الأحاديث, وعند منتصف هذا القرن, تأسس (علم الحديث) وبرز نفر من العلماء الذين وقفوا جهودهم على جمع الحديث وتدوينه وتصنيفه, و اجتهدوا في وضع الشروط التي تساعدهم على التحقق من صحته ودقة روايته, وبرز في هذا المجال علماء كبار وتم وضع عدة مؤلفات في الحديث كان أهمها صحيح بخاري ومسلم.
وقد كانت عملية جمع الحديث جد شاقة, فالرسول عاش 23 عاما من عمر الدعوة منها 13 في مكة وعشرة أعوام في المدينة وقد عاش معه ورافقه واستمع إليه عدد لا يحصى من الناس, وفي ظروف ومواقف شتى, وبعد موت الرسول, شارك معظم الصحابة في الحروب, وتفرقوا في مختلف الأمصار, وكانوا في ذمة الله عند تدوين الحديث, والى جانب هذا فان اختلاق الأحاديث على لسان الرسول كان ظاهرة متفشية ومعروفة في ذلك العصر.
لقد جمع البخاري حوالي 600 ألف حديث يتناقلها الناس و الرواة ولم يثبت منها في صحيحة قرابة 4000 حديث.
وجمع مسلم حوالي 400 ألف حديث يتناقلها الناس و الرواة و لم يثبت منها في صحيحة إلا قرابة 3700 حديث.
اما في الجانب الفقهي, فقد اختلف الفقهاء في حكم الحديث النبوي, فالإمام مالك قد الحديث على الرأي, وأبو حنيفة قدم الرأي على الحديث, وبعضهم اخذ بالحديث بشروط وبعضهم رفض الأخذ به مطلقا.
وما يعنينا في المسألة التراثية هو فيض الأحاديث الموضوعة التي رفضها أئمة الحديث و الفقهاء, فهذه الأحاديث المزورة لم تسحب من التداول, ولم تكن هناك سلطة تملك قرارا في هذا الشأن وظلت تسري بين الناس وأخذت طريقها الى الكثير من المؤلفات و الكتب الدينية, وهذه الأحاديث تعرض لشتى المسائل في الدنيا و الآخرة, وأحكاما في الخلافة و السياسة و الاقتصاد و الشؤون الاجتماعية و المرأة, و تسرف في رسم صور حسية تفصيلية عن عذاب القبر وحياة أهل الجنة و أهل النار, وقد لعبت دورا مهما في صياغة الوجدان الشعبي و القيم الاجتماعية, و تشكيل التراث الذي آل إلينا.
وهذه الأحاديث المزورة, لا زالت مثبتة في الكتب حتى اليوم, وتتلى في المدارس و المجالس و المساجد, و تشكل مصدرا أساسيا للكثير من الكتب و الكتيبات المبسطة المنتشرة على المكتبات و على الأرصفة و تؤلف لب الفقه الشعبي و الثقافة السياسية للشارع الإسلامي.
ولأن هذه الأحاديث وضعت على الأغلب في ظل الخلافات العاصفة للعصر الإسلامي الأول, وبسببا فإنها تتسم على الأغلب أيضا بالحدة و التعصب و الانغلاق, وان القاسم المشترك الأعظم بين هذه النماذج الثلاث, يتمثل في سطوة الحياة و ضروراتها, فهؤلاء بشر, واجهتهم القضايا و اعترضتهم مشاكل فسعوا لحلها وقد عكسوا في سعيهم ذاك مصالحهم ومعتقداتهم و أنماط حياتهم وهم في ذلك, لم يكونوا نوابا عمن سبقهم أو لحقهم من البشر.

يتبع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah