الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسألوا الشعب ماذا يريد: اشتراكية.. أم دمقراطية – (1)

وديع العبيدي

2013 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الاشتراكية والدمقراطية.. فكرتان من بنات الفكر الغربي السياسي الحديث. وهما مرتبطتان ببعضهما ومتداخلتان من حيث الجذور والتطبيق والفائدة. كلاهما يتصلان بمفهوم الشعب- كقاعدة اجتماعية صانعة للحياة والتاريخ والحضارة. تلبي الاشتراكية كافة متطلبات الانسان الأساسية وحاجاته المادية والاجتماعية ، على أسس من التكافؤ والمساواة والعدالة العامة. ومن خلال التطبيقات الاشتراكية، يمكن معالجة الفوارق المادية والاجتماعية والثقافية داخل المجتمع، والعمل على رفع مستوى الحياة العامة إلى معدل عام لائق [standard]، يساعد في الانطلاق نحو مزيد من التقدم والرفعة والحياة المستقرة الكريمة.
ومن غير تلبية الحاجات الأساسية والمتطلبات المعيشية والمادية لكلّ المجتمع، لا يكون المجتمع مؤهلا للدخول في برنامج تنمية اجتماعية، أو مشروع اقتصادي حضاري، أو دولة جديرة بالنظام والقانون والأمن والاستقرار. وقد استعاضت المدنية الأوربية عن مفهوم الاشتراكية وجذورها الاجتماعية، بمفهوم البنية التحتية [infrastructure] الممثلة في توفير خدمات الماء والكهرباء والغاز والمجاري والأمن وخطوط الاتصال والمواصلات على طول البلاد لقاء أجور وضرائب رمزية [الخدمات البلدية]. وقد أضيفت إليها خدمة التغطية الالكترونية والفضائية، وكلّ ما تتفتق عنه الحضارة والمدنية الحديثة.
ان الدولة، عبر مؤسساتها البلدية المحلية، ساهرة على توفير كل الخدمات الأساسية اللازمة، بحكم المعيشة أو المدنية، أو التطورات اللاحقة، وبشكل يساوي بين الأفراد، ودون أية أفضليات أو تمايز اجتماعي أو طبقي. ولولا تحقيق هذا المبدأ، لما نجحت الدولة/ المجتمع الغربي في تجاوز عقبة التخلف، والتمكن من ارتياد منصة الأمم. – ما زالت مجتمعات الشرق والجنوب ودولها دون ذلك وعيا وواقعا، في سبيل المقارنة، أو التطلع نحو مستقبل يكافئ بين الشرق والغرب حضاريا!-.
إذا كانت هذه هي الاشتراكية، في حقيقتها، فما هي الدمقراطية؟!..
ان الدمقراطية بدون تحقيق الواقع الاشتراكي، هي دمقراطية الجياع!..
الدمقراطية التي يبيع أحدهم فيها صوته لقاء ثمن وجبة أكل!!..
هذه هي دمقراطية أربكان وأدروغان والأخوان المسلمين في مصر، دمقراطية العمدة وشيخ الغفر..
دمقراطية الطبقات الفقيرة والمسحوقة التي يمكن شراؤها والمتاجرة بأصواتها، بواسطة فتوى زغل أو نصف كليو لحم أو وليمة إفطار، والانتظار حتى الموسم التالي!..
الدمقراطية ليست للعبيد والجياع والجهلة والمتخلفين وقطيع الفتاوي والشيوخ والاقطاع.. الدمقراطية لا تكون إلا في مجتمع استكفى حاجاته الأساسية، وتجاوز أزمات المعيشة وعوامل الضعف والتخلف وبلغ مستوى الفرد الحر والمجتمع المسئول.. ولا يتحقق ذلك بدون استكفاء استحقاقات البنى التحتية الأساسية والحاجات الاجتماعية وبلوغ المساواة والتكافؤ وتجاز التكافلية..
إذا كانت الاشتراكية، تعنى باستحقاقات الجسد والنفس والكرامة..
فأن الدمقراطية تلبي استحقاقات الفكر والرأي والحرية..
بدون قيام الاستحقاقات الاشتراكية تبقى المجتمعات في مرحلة بدائية، لا تتجاوز غاياتها الطعام والثياب والأمن..
أما دمقراطية العراق وايران فقد كانت تأكيدا لسلطة الفقيه وفتاوي المراجع الدينية.. إلى جانب العبوديات القومية والحزبية.. أما الفرد الحرّ المسئول والمستقل بقراره، فهو يحتاج إلى مجتمع حر مستقل يحترم حرية الرأي والفكر والتعبير!..
في 2005، 2009 جرت الانتخابات في العراق في جوّ محفوف بالارهاب والاضطرابات الأمنية، والناس يذهبون إلى الصناديق مرغمين بتهديدات دينية وحزبية، فاقتصرت المشاركة في الانتخابات على أتباع الأحزاب والجماعات الطائفية والحزبية المتنافسة. فهل لهذه التعبئات الحزبية والطائفية الدينية علاقة بالممارسة الدمقراطية (الحرّة)؟.. وهل يصح اعتماد نتائجها كتعبير حرّ عن إرادة الشعب.. هذا هو السؤال. وما يعيشه العراق اليوم وفي أعقاب تلك الممارسات غير الدمقراطية وغير الحرّة.. هو الجواب!.
أما دمقراطية مصر وتركيا.. فهي تستند إلى تعبئة الطبقة العريضة الفقيرة في البلدين، وشراء أصواتها بلقمة الخبز والتغرير الديني. والنتيجة هو تفريغ الممارسة الدمقراطية ومفهومها من المعنى الحقيقي، وتسخيرها لخدمة اقتناص السلطة وانتاج دكتاتوريات دينية أيديولوجية شمولية، تلجأ إلى تكفير من يعارضها أو تحليل دمه أو اغتياله (قضاء وقدرا)!.
كيف تنسجم الدمقراطية والارهاب الديني [اللفظي أو العملي] المندلق من أفواه الشيوخ وعصابات التكفير و-النهي عن المنكر-!؟.. إذا كانت الدمقراطية تستحيل مع العنف (الثوري)، فهي أكثر استحالة مع العنف (الديني)!!.. – وهل يغيب هذا عن بصيرة الدمقراطي باراك حسين أوباما؟!-.
هل يمتلك (الجاهل) أو (الجائع) أو (العبد) حرية إرادته أو حرية التعبير عنها بمسؤولية ووعي؟!!.
*
ما هو الوعي؟..
انّه الشعور بالذات، والشعور بقيمة الذات!..
ويترتب عليه الحاجة إلى تجسيد -هذه- الذات، أو تجسيد -القيمة- النابعة عنها!.
هذا الوعي هو المسئول عن الحركة التاريخية، والتحولات الاجتماعية في تاريخ البشرية. وفي اللحظة التي بدأ فيها الانسان باستخدام فكره ويده، لتغيير حياته والبيئة التي تحيط به، كان الوعي يحقق أولى وأكبر تجلياته.
ويمكن القول.. نظريا.. أن كلّ انسان له وعي، وعليه فهو بحاجة لترجمة وعيه على أرض الواقع. وهو ما يمكن لحظه في مسيرة/ مشهد الحياة اليومية، عبر مظاهر السلوك والمعاملات والأحاديث اليومية. ومجمل تلك المعاملات والأحاديث ، ينتج في المحصلة الزمنية خلاصة من التراكم الاجتماعي [مادي/ ثقافي] ينعكس على البيئة والحياة سلبا أو ايجابا [مدخلات- مخرجات]!.
ولكن البشر ليسوا - جميعا- على قدر واحد من الوعي والذكاء والمقدرة. فهناك أشخاص مميزون في كلّ مكان وفي كلّ وقت. وبالتالي، فأن المساهمة الاجتماعية لهؤلاء المتميزين، تختلف عن سواهم بالنوع والحجم. ويكون الاثر المنعكس من نشاط - المتميزين- بقدراتهم، أكبر على المشهد الاجتماعي، بما يمكن تشبيهه بالقفزات أو التحولات الكبرى، الدورية.
وهنا يمكن إضافة أمرين لهما تأثير مباشر، على الوعي ومنتجاته..
1- طبيعة الوعي: بنائي، أو تخريبي [شخص سويّ، شخص منحرف الوعي].
2- توفر الفرصة الاجتماعية لتعبير الأفراد عن إراداتهم وآرائهم وتطلعاتهم.
وعليه.. فأن الجماعة/ المجتمع.. هو المسئول –بأفراده وهيئاته- عن الوضع العام للجماعة من نواحي [تقدم/ تخلف، قوّة/ ضعف، بناء/ تخريب.. الخ]!. والمجتمع الذي يقمع فرص التعبير والقدرات الفردية ويحارب المختلف والمتجدد، انما ينتحر تدريجيا ويندفع في مهاوي الانحطاط. ومن المؤسف أن تكون مجتمعاتنا المحكومة بالجمود والسكونية، عبر القرون، ما تزال تسودها نفس العقليات الرجعية والثقافات القمعية؛ وما تزال تعيش أسيرة في عبودية الماضي وتبالغ في تقديس رموزه.
تطبيق معاصر..
والغريب حقا، مما يجدر ذكره، بالمناسبة، أن العرب عندما أتيحت لهم فرصة التحديث في القرن العشرين، قاموا بصياغة خطابهم تحت عنوان [البعث] كمبدأ يتجاوز السياسة والدين إلى كلّ مظاهر الماضي (المجيد) ورموزه التاريخية. وفي الخطاب القومي السالف، كان التراث وكلّ ما يتعلق به يوصف بالتاريخي والمجيد والعظيم. وعندما فشلت الحركة القومية وبرامج التنمية الوطنية، عاد الخطاب العربي لاعادة انتاج نفسه تحت عنوان [السلفيّة] الذي لا يختلف – معناها- عن العنوان السابق، إلا في مباشرته ومرجعيته الدينية المقيتة، والمبالغة الصريحة في رجعيته.
وما كان لمصطلح [السلفية] أن يلقى قبولا في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، لولا تدني الوعي الثقافي والاجتماعي العربي إلى درجة من الانحطاط، هو ذروة منجزات الخطاب القومي المتخلف بنيويا. فالسلفية ليست مذهبا دينيا أو نهجا عقائديا بقدر ما هي خطاب رجعي يشمل كلّ مناحي الحياة وكلّ المجتمع، في مصادرة مجانية للانسان والحياة والحاضر العربي، إلى هاوية البداوة والهمجية الأولى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري


.. 166-An-Nisa




.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام