الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفهوم الفلسفي

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2013 / 8 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



***
ماهو المفهوم الفلسفي؟

يقول جيل دولوز: ”إن مهنة الفيلسوف هي صناعة المفاهيم، أما مهنة الفنان فهي صناعة المدركات الحسية“
تبين مقارنة الفلسفة بالفن ارتباط المفهوم بالفلسفة بل اعتباره موضوعها الأساسي وكون المفهوم نتيجة خلق وإبداع.

***
ليس المفهوم الفلسفي:
- فكرة عامة: لأن الفكرة العامة هي تمثل ذهني، مثل فكرة الإنسان، أو فكرة الشجرة، أي أنها نتيجة تجريد يشمل العديد من العناصر/ العديد من الناس بالنسبة للإنسان، والعديد من الأشجار بالنسبة للشجرة
- ولا تصورا: لأن التصور هو موضوع مجرد أو فكرة
ولا صورة: لأن الصورة هي إعادة إنتاج بصري لموضوع واقعي
ولا خيالا: لأن الخيال هو تمثل الصور أو استحضار صور لأشياء تمت رؤيتها أو تكوين صور لموضوعات لم تتم رؤيتها من قبل.

***
من ينافس الفلاسفة في استعمال المفهوم اليوم؟
نلاحظ وجود استعمال مبسط وجد منتشر لكلمة مفهوم في الحياة الاجتماعية والتجارية والمقصود هنا استعمال كلمة في المجالات التالية:
- التزيين
- الفكرة التجارية الجديدة
- الشكل الجمالي الخارجي أو الديزاين
- وظيفة شيء ما
- إطلاق كلمة مفهوم ألبوم: على مجموعة أعمال موسيقية ترتبط فيما بينها بموضوعة ما
- مفهوم سيارة بمعنى تصميم جديد لنموذج جديد بهدف اختبار وإبراز فكرة دون وجود نية الإنتاج والتسويق بالضرورة.

***
ولهذا السبب نجد جيل دولوز يتطرق لهؤلاء المنافسين للفلسفة كما يتضح ذلك في النص التالي: ”من امتحان لآخر، واجهت الفلسفة منافسين وقحين ومشؤومين أكثر فأكثر، والذين لم يكن في إمكان أفلاطون أن يتخيلهم حتى في لحظاته الأكثر هزلية. لقد تم بلوغ قمة المهانة حينما استولت الإعلاميات والإشهار والماركيتينغ والديزاين على كلمة المفهوم ذاته، وتدعي هذه التخصصات أن المفهوم شأن من شؤونها، وأنها هي المجالات المبدعة والمصممة له، وأن الصداقة تجمعها به، بل وأنها ملأت به وظيفيا كمبيوتراتها“ (جيل دولوز، مجلة شيمير، عدد 8، ماي1990)

***
تشبيه:
إذا بحثنا في الإعلاميات عن السيرورة المشابهة لسيرورة المفاهيم، فإن الأمر سيتعلق بعملية الضغط أو الانضغاط بمعنى أن المفهوم هو تركيز وتكثيف وضغط لمعطيات مع ما يصاحب هذه العملية من فقدان عناصر معينة ومن خسائر.
من الناحية التاريخية:
- ( 1404) تمت استعارة كلمة مفهوم من الكلمة اللاتينية conceptusوالتي تعني فعل الاحتواء، والاستقبال، والتجميع والولادة والإنجاب.
- ( 1606) سيمنح ديكارت المعنى الفلسفي للمفهوم
- ( 1724-1804) سيجعل كانط من المفهوم خطاطة ديناميكية للفكر وليس مجرد عنصر أو شكل ثابت.

***
تساؤلات انطلاقا من المعطيات الأولية:
هل يمكن أن نعرف المفهوم انطلاقا من ذاته؟
هل هناك مفهوم أول، مفهوم-أصل أو مفهوم-جذر؟
أليس كل مفهوم في حاجة إلى مفاهيم أخرى لتعريفه؟
حسب نيتشه: فإن الاستعارات هي التي توجد في بداية كل فكر وكل علم... وأن هذه الاستعارات تتحول إلى مفاهيم، ومن هنا السؤال التالي: ألا يتكون المفهوم من الصور والمجازات والأحاسيس؟، أي ألا يمتلئ المفهوم بالحياة والمعيش والمفترضات الذاتية والمجازية؟ حتى وإن اتخذ طابعا تجريديا ومغرقا في التجريد أحيانا؟

***
المفهوم بصفة عامة: هو نتاج ذهني أو عقلي، يختصر أو يلخص مجموعة من المواضيع والأشياء التجريبية أو الذهنية بواسطة التجريد والتعميم: أي تجريد وتعميم الخصائص المشتركة القابلة للتعرف عليها.

المفهوم في بعض التخصصات:
في الرياضيات: المفهوم تصور محدد بشكل صارم يستعمل كأساس وكمبدأ، مثل مفهوم الدائرة والمثلث والعدد...
في العلوم التجريبية: المفهوم هو فكرة شارحة ومفسرة ناتجة عن نظرية عامة، ويتم التأكد من صحتها عبر التجربة (مفهوم الثقل والجاذبية والطاقة والكتلة والكثافة...)

***
لحظات تعريف المفهوم:
- المفهوم إبداع عقلي، نتاج ملازم للذهن، ليس مفهوما لشيء مادي.
- المفهوم إبداع، وهو إبداع من أجل مشروع ما.
- المفهوم إبداع ذهني ويتم إما قبليا أو بعديا. ذلك أن العقل يدرك موضوعاته بطريقة خالصة أو عبر عملية تجميع كنتيجة للتجربة.
- المفهوم هو نتاج معرف تعريفا صارما، وتحيل الصرامة إلى دقة وثبات التعريف. فالتعريف يرسم حدودا لا يمكن للمفهوم أن يظل إجرائيا خارجها.

***
عودة لجيل دولوز:
إذا كانت الفلسفة حسب دولوز هي ” فن تشكيل وإبداع وصناعة المفاهيم“، فما هو تعريفه للمفهوم؟
”يعرف المفهوم بارتباط عدد من المكونات غير المتجانسة فيما بينها وعدم قدرتها على الانفصال عن بعضها البعض“
سيتضح هذا التعريف من خلال النص التالي لجيل دولوز:
”لا يحيل المفهوم الفلسفي على المعيش كتعويض، وإنما يتطلب بقدرته الإبداعية إنشاء حدث يلامس كل معيش... كل مفهوم ينحت حدثا ويعيد نحته بطريقته الخاصة. وتقيم عظمة فلسفة ما بطبيعة الأحداث التي تدعونا مفاهيمها للتعرف عليها، أو بجعلنا قادرين على استخراج تلك الأحداث من المفاهيم، كما يجب أن نختبر في جزئياتها الدقيقة الرابط الفريد والاستثنائي الذي يربط المفاهيم بالفلسفة كمجال إبداعي“.

***
المفهوم والحياة:
نختم بنص لميشيل فوكو حول علاقة المفهوم بالحياة. يقول ميشيل فوكو:
” إن تكوين المفاهيم هو طريقة لممارسة الحياة، وليس لقتلها. إنه كيفية للعيش في حركية نسبية، وليس محاولة لتجميد الحياة. إنه الإعلان عن التجديد الذي نمتلك حرية إيجاده كما نشاء، ويتم هذا الإعلان وسط هذا العدد الذي لا يحصى من الأحياء...“
إذن: ليس من الإنصاف جعل المفهوم تجريدا عقليا بدون حياة ولا جمال حقيقيين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد محمد الهلالي
علي عباس خفيف ( 2013 / 8 / 14 - 13:25 )
سلمت ، شكراً لتفصيلك الجميل والموجز للمفهوم .. مع أني في بعض الفقرات ظننتك ظاهراتياً ، خصوصاً وأن أغلب من استعرت منهم تبنوا المفهوم بصورته النقية ، لكن وضع اهاب الحياة الواقعية على المفهوم أكسبه حضور وهوية .. شكراً مرة أخرى


2 - المرجو ادراج المصدر او المرجع وشكرا
مجاهد ( 2014 / 3 / 19 - 22:47 )
المرجو ادراج المصدر او المرجع وشكرا

اخر الافلام

.. لحظة إنقاذ الطفل السوري #عسكر_دياب بعد سقوطه في #بئر ارتوازي


.. لماذا باركت أمريكا عملية النصيرات رغم المجزرة التي ارتكبها ا




.. لماذا حظرت تركيا تطبيق تيك توك على أفراد القوات المسلحة؟


.. وقفة لمحامين مغاربة أمام المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء د




.. سرايا القدس تنفذ عملية مركبة جنوبي شرق تل الهوا