الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الوراثي.. من الدين إلى السياسة

عبد الكريم بدرخان

2013 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما أصبح واضحاً للعالم أنّ النظام الوراثي يوصل إلى السلطة أشخاصاً ليسوا أهلاً لها، لكن النظام الوراثي نفسه، لا يزال متأصّلاً بقوة في الثقافة الجمعية العربية.

غالباً ما يكون أبناء العظماء أشخاصاً انعزاليين ومهزوزين، فهم يعيشون على اسم والدهم، ويستمدّون وجودهم منه، فلا يجدون سبباً ليدفعهم إلى التفوّق والتميّز. وفي مرحلة صراع الأجيال بين الأب وابنه، كلما كانت شخصية الأب قوية، تأتي شخصية الابن ضعيفة، والعكس بالعكس، دون أن ننسى أن لكل قاعدة شواذ.

إذا ما نظرنا إلى الديمقراطية اللبنانية على سبيل المثال، ربما جاز لنا أن نصفها بديمقراطية الطوائف، فهي ديمقراطية بين ملوك الطوائف، وكلُّ ملكٍ منهم ديكتاتور في طائفته أباً عن جدّ. وقد ساهم النظام الوراثي بإيصال ملوك طوائف أقلَّ كفاءةً من أسلافهم، والأمثلة كثيرة على ذلك. كذلك فقد حاول العديد من الرؤساء العرب توريث أبنائهم منصب رئيس الجمهورية، في مفارقة تاريخية تدلُّ على مدى تأصُّل النظام الوراثي في الثقافة العربية، إلّا أنّ رياح الربيع العربي قد سبقتهم إلى ذلك. باستثناء أسوأ نموذج أنجبه الحكم الوراثي العربي، ألَا وهو الوريث القاصر لعرش الجمهورية العربية السورية، بشار الأسد.

وعندما ننظر إلى الثورة السورية ضد بشار الأسد، وضدّ توريثه عرش الجمهوية، نجد أن ثوار سوريا قد أعادوا إنتاج النظام الوراثي دون أن ينتبهوا إلى ذلك. فمنذ بداية الثورة.. راح الثوار يعوّلون على العائلات السياسية السورية، التي كانت تلعب دوراً محورياً في الأنظمة السياسية الحاكمة قبل انقلاب الأسد الأب. كما عوّل الثوّار على أبناء الرموز السياسية السورية، التي شغلت مناصب رئاسية ووزارية وعسكرية منذ الاستقلال وحتى انقلاب الأسد الأب. ونظروا إلى هؤلاء الأبناء كرموز للثورة والمعارضة، باعتبارهم يحملون شيئاً من رائحة الزمن الجميل. ومن هنا تتّضح لنا سلطة النظام الوراثي على العقل العربي، حيث أن الثورة السورية ضد الحكم الوراثي، لم تستطع أن تتخلّص من سلطته الفكرية، بل أعادت إنتاجه بشكل غير مقصود.

قلنا إن النظام الوراثي متأصّل في الثقافة العربية، ولكل ثقافة حاملان رئيسان، ألَا وهما التاريخ والأسطورة، وأعني هنا الأسطورة باعتبارها مكوّناً رئيسياً من مكونات الدين. إذا ما نظرنا إلى الموروث الديني العربي الممتد من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام، نجده موروثاً مُشرعِناً للنظام الوراثي. فالأنبياء الكبار الذين تقدّسمهم هذه الديانات الثلاث، يمتدون بخطّ عمودي من النبي ابراهيم عليه السلام إلى النبي يوسف عليه السلام، وكانت النبوءة تنتقل بالبيعة أو المباركة من الأب إلى الابن. وعندما جاءت المسيحية أكّدت أن السيد المسيح عليه السلام ينحدر من نسل النبي داوود عليه السلام، كما أكد العرب المسلمون أنهم ينحدرون من نسل النبي اسماعيل عليه السلام.

كان للنظام الوراثي في القبيلة العربية، أن ينتقل بسهولة، ويصبح نظاماً وراثياً للدولة العربية، وكان الخليفة معاوية بن أبي سفيان أول من أقرّ به نظاماً لدولته. ثم جاء الخليفة عبد الملك بن مروان وأكّد على نظام نقل السلطة من الأب إلى الابن مرةً أخرى، بعد أن قطع رأس ابن عمه عمرو بن العاص. وفي مقابل حكم الأمويين، كان النظام الوراثي يتأصّل عند آل البيت بنفس الوقت، ويمتدّ عندهم إلى يومنا هذا. وقد استمر النظام الوراثي في الدولتين الأموية والعباسية، ثم في الدول المتتابعة، وأخيراً في الدولة العثمانية، إلى أن ألغى مصطفى كمال أتاتورك نظام الخلافة عام 1924.

من خلال هذه النظرة السريعة إلى تاريخ المنطقة، يتضح لنا مدى ارتباط الحكم بالنظام الوراثي. والأهمّ من ذلك، هو ارتباط النظام الوراثي بالدين، مما يفضي عليه نوعاً من القداسة، ويُشرعِن نقل السلطة من الأب إلى الابن. بينما نجد أن الغرب قد تخلّص من الأنظمة الوراثية مع تخلّصه من نظام الإقطاع ونشوء الدول الأوروبية الحديثة، رغم أنه أبقى عليه بشكل رمزي في بعض الدول، كما هو الحال في المملكة المتحدة.

لن تتخلّص الثقافة العربية من سلطة النظام الوراثي، إلا بإعادة قراءة التاريخ العربي قراءةً صحيحة، لا قراءة تبجيل وتقديس. وكذلك إعادة قراءة الموروث الديني قراءةً صحيحة، وربطه بظروف الزمان والمكان التي نشأ فيهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط