الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسودان يُخرجان أبيض واحدًا

أحمد سعد عتيق

2013 / 8 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كنت استيقظ على قبلة أشعة شمس الشروق على وجنتي ، كان بيني وبينها غزل يدوم حتى الظهيرة ، فأفارقها ملتهيًا بعملي في المستشفى الجامعي . فشغلتي هي إيهام المريض بأنه ليس مريض ، ومرضه ليس بمرض ، وعقله سليم ، وما يراه ما هو إلا أوهام قلق تراوده عن نفسه ؛ وعليه أن لا يهم بها ، ويتجنبها ، ويهرب منها موليًا إلى أبواب الصفاء ، فتقد قميصه من دبر ؛ فيظهر الحق ، وتتركه باحثة عن ضعيف غيره . أظل على هذه الحال من الحادية عشرًا إلى الرابعة عشرًا - أي قرابة الثلاث ساعات – ، أتلذذ بإيهام مريض تلو الآخر ، وأغازل أوهامهم وهواجسهم ؛ لتهجر هؤلاء الضعاف الذين لا حمل لهم على مجاراتها ؛ لتلهث راكضة على أحضان عشقي ، فتجد الغدر من نصيبها ، فتموت منتحرة . نعم شغلتي أن أمنع منتحرًا من الانتحار ؛ بأن تنتحر أوهامه ، فهذا هو حال العدالة ، إذا وقع أذى ، يجب أن يدفع ثمنه أذى مقابل ، ولا يقع هذا التعويض إلا على كاهل الجاني ؛ والجاني هنا هو الأوهام . ولما كان العقاب من جنس العمل ؛ فكان حري بي أن أعاقبها بأن أجعلها تنتحر . حتى أنا فأأذي ذلك المريض الضعيف ؛ أعطيه جرعة من الوهم ؛ لأنتشله من عشق أوهامه - التي جاءني ليتخلص منها - ، فأخلصه منها بجرعة أوهام أخرى ، يجد معها السعادة المنشودة ، وتوقد رغبته في الحياة من جديد . لا تمر أيام حتى أجده يعود لي شاكيًا منها ، طالبًا التخلص منها ، فأعطيه جرعة مختلفة من الأوهام ، وهكذا تدور الدائرة دون انقطاع . ولكن لأن الخلاص بيدي وحدي ، ولأنه لن يجد العشق المنشود إلا عندي أنا وحدي ؛ فأذاي هو رحمة توجب المغفرة ، وسيئة توجب الإحسان والشكر .

حتى جاء ذلك اليوم الذي أسودت فيه الدنيا من حولي ، والأفق ضاق خنقي ، وصارت الأرض تدور بما قربي . أصبح الحزن عندي مناخ وطقس مديد في الصيف والشتاء ، وما الفرحة إلا نسمة تمر على خاطري في المنام . في المنام تداعبني الذكريات ؛ ذكريات الماضي السعيد ، أيام الصبى والتغريد ، أراني أرقص وأغني وأنا سعيد ، لكن فجأة تتلاشى الذكريات ، ويعكر صفو الفرحة آلام الحاضر التعيس ، وتمضي الرقصة ومن ورائها التغريد ، وتمضي الفرحة ويتلاشى الماضي السعيد ، ويسود الحزن ، وينتشر الحاضر التعيس . أصحو من ذكرياتي على أنغام أحزاني ، تعلو وتسود الأركان ، وتدق أبواب الآذان ؛ لتسمح لها باختراق الأذهان ، فيسود الحزن القلوب ، وتظلل هالة الظلام الجفون ، وتنسكب دمعة من العيون ، فتغمر بشاشة همت بالرحيل - رحيلًا بلا عودة - ، لتحل محلها قتامة أزمان . حتى أشعة شمس الشروق قد هجرتني ، سألتها : لما ؟ قالت : قد خنتني مع الأوهام . حقًا ، لا أدري ما الذي أوصلني إلى ما أنا به الآن من ألم في عمري ، هل هو عدوى انتقال الأوهام !؟ ألم اتخذ التدابير الصحية اللازمة لتجنب انتقال أوهام أحد المرضى لي !؟ هل استطاعت أحدى تلك الأوهام من خداعي ونالت من عشقي دون إرادتي !؟ هل حقًا خنت أشعة الشمس – عشق حياتي – مع أحدى تلك الأوهام !؟ والآن ليس بيدي حيلة إلا أن ابحث عن طبيب ؛ ليعطني جرعة جديدة من الأوهام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامرَ إجلاءٍ من رفح ويقصف شمال القطا


.. قصف متبادل بين مليشيات موالية لإيران وقوات سوريا الديمقراطية




.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة


.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة




.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|