الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قصور الخطاب العلماني العربي ج 1/2

حمزة رستناوي

2013 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



إن آراء المجتمع حول أي فكرة ليست إلا وليدة خبرته الشخصية في تطبيقها و انعكاسها على حياة أفراده . و في مقالي هذا سأعرض لأسباب قصور الخطاب العلماني العربي في استقطاب شرائح واسعة في هذه المجتمعات , حتّى أن غالبيّة الأحزاب و السياسيين و المثقّفين العرب العلمانيين أصبحوا يتحرّجون من نسبتهم أو التصريح بعلمانيتهم ؟!

و مقالي يمكن اعتباره كنقد ذاتي للتجربة العلمانيّة , حيث أن كاتب السطور هو من الذين يزعمون ليس فقط فائدة العلمانيّة , لا بل ضرورتها في تحقيق دولة مستقرّة عادلة , تقوم على المساواة في الحقوق و الواجبات بين مواطنيها.

و قبل الاجابة على التساؤل الذي طرحته بصدد قصور الخطاب العلماني العربي في بداية المقال سأعرض لأفكار أساسيّة و تأملات حول العلمانية قد تكون مفيدة للقارئ.

و في الجزء الثاني من مقالي سأعرض لأسباب قصور الخطاب العلماني العربي و ذلك بغية تجاوز قصور التجربة العلمانية في المجتمعات العربية الاسلامية.

*

العلمانيّة – التي أقصدها - هي الفصل بين الدين و السياسة , أي حياديّة الدولة تجاه عقائد مواطنيها , و عدم التميز بينهم و تصنيفهم على أساس الدين , فهي آلية لمنع استغلال السياسيين للدين بغية الوصول إلى السلطة و التشبّث بها .

*

العلمانيّة – التي أقصدها - تحترم عقائد المواطنين , وتصون الحرّيات الدينية لمواطنيها بقوة الدولة و القانون , و ليست علمانيّة تناصب الدين العداء و البغضاء.

*

عمليّا و نظريا العلمانيّة هي جزء من منظومة الدولة الحديثة الديمقراطيّة التي تحترم حقوق الانسان لمواطنيها , و أي حديث عن العلمانية بعيدا عن الديمقراطية و احترام حقوق الانسان سيُفقد العلمانية المغزى الايجابي لها , و سيحيلها إلى مجرّد دمية أو واجهة يستخدمها النظام الاستبدادي لتبرير استبداده و اقصاء خصومه السياسيين من تيارات الاسلام السياسي و الهيمنة على المجتمع , و هذا النموذج المنقوص و القاصر للعلمانية نجده في تجارب : سوريا و نظام البعث , تونس و نظام بورقيبة , مصر ونظام جمال عبد الناصر و ما بعده ..الخ.

*

العلمانيّة – التي أقصدُها - ليست عقيدة أو دين , بل هي طريقة في النظر الى الدولة و ادارتها كشأن دنيوي , و من الظلم المقارنة بين الاسلام و العلمانية , فتستطيع أن تكون علمانيا و مسلما متديّنا في الوقت نفسه , العلمانيّة لا تتدخّل في قضايا الايمان الشخصي و عقائد الناس , بل انّها تحفظ حريّة الاعتقاد للناس من خلال سلطة القانون و عبر آليات الدولة. فالعلمانية ما هي إلا أداة مفيدة يمكننا استخدامها لتجنّب الصراعات الطائفي و العقائدية في المجتمع , و ما تسبّبه هذه الصراعات من شلل لمفاصل الدولة و تعثّر لها. و العلمانية ليست غاية بحد ذاتها

*

لنقل العلمانية هي بوط ايطالي أصلي من ينتعله يستطيع العبور فوق أشواك و مستنقعات الطائفية و الحروب الاهلية و الاستبداد المتوسّل بالدين , أو الاستبداد المعادي للدين , و الحكم الجائر للأئمة و الموالي ..الخ.

*

لا يوجد علمانيّة واحدة , و نسخة مُدَشّنة نهائية لها في التجربة السياسية للمجتمعات الانسانيّة , فهي ليست أكثر من اجتهاد بشري , أثبتت التجربة التاريخية فائدته في حل عدد من الاشكاليات المتعلّقة بالحكم و طريقة إدارة الناس لشؤونهم , و كل مجتمع يستطيع تطوير نموذجه , فالنموذج الفرنسي للعلمانية أكثر تطرّفاً مقارنة بالنموذج الالماني أو الانكليزي حيث أن الأخيرين أكثر تقبّلا للدين كسلطة اجتماعية ذات حضور , فملكة بريطانيا تعد رسميا رئيسة الكنيسة البريطانية مثلا , و الحكومة الألمانية تقدّم مساعدات للمؤسسات الدينية المسيحية و اليهودية و الاسلامية.

*

إن لفظة العلمانية ذاتها إنما هي ترجمة خاطئة لكلمة ( Secularism ) في الإنجليزية ، أو( Secularite) بالفرنسية ، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ "العلم " ومشتقاته . فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي (Scientism) والنسبة إلى العلم هي ( Scientific ) أو (Scientifique ) في الفرنسية. والترجمة الصحيحة لمفهوم العلمانية هي (الدنيوية). العلمانية (بفتح العين)، نسبة إلى العالم (بفتح اللام) و ليس نسبة إلى العلم , و هذا التعريف للعلمانية هو الذي صاغه محمد عبده في قولته الشهيرة " لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين " وهو الذي صاغه سعد زغلول في قولته الشهيرة أيضاً : "الدين لله والوطن للجميع ".

*

إنّ نظم الحكم الديمقراطية العلمانية عند تطبيقها في المجتمعات العربية الاسلامية أو غيرها من المجتمعات , لن تأتي بجديد عموما على الصعيد الاجتماعي و الثقافي , سوى إطلاق حرّية الفكر و تنمية ثقافة الاختلاف و المحاسبة.

و سأثبت مثالاً قد يكون متطرّفا و لكنّي أظنّه مناسبا لتوضيح فكرتي.

عادة تُتّهم العلمانيّة – في بعض الأوساط المتعصِّبة و المنغلقة - بأنّها تحرّض على الرذيلة و الانحلال الأخلاقي و الادمان على الكحول و المخدرات لا بل "الشذوذ الجنسي"..الخ.

أكرر القول أن العلمانية كنظام حكم لا تتجاوز كونها آلية اجرائية لمنع استغلال الدين لأهداف سياسية ,مع احترام عقائد المواطنين و ثقافتهم و عاداتهم و تقاليدهم..الخ

و استنادا إلى دستور ديمقراطي علماني في بلد ذو ثقافته عربية اسلامية مثل سوريا , كيف سينعكس ذلك على قضيّة مثل " الشذوذ الجنسي " و لا حياء في العلم و الدين.

و فقاً لما يُسمّى عرفا و اصطلاحا ب : " الشريعة الاسلامية " ممارسة هذا السلوك حرام , ممنوع بقوة القانون , و يخضع لعقوبة اختلف الفقهاء في تحديدها.

و في دولة ذات دستور علماني ديمقراطي لن نجد حكما قانونيا مُسبقا حول هذه الممارسة "الشذوذ الجنسي " فالأمر يحال إلى المجتمع و هيئاته التشريعية كالبرلمان مثلا.

في بلد مثل سوريا , و في مجتمع مثل المجتمع السوري ذو الثقافة العربية الاسلامية المحافظة عموما , عند عرض قضية مثل "الشذوذ الجنسي " لإبداء الرأي بين الناس و الاعلام و من ثمّ التصويت عليها في البرلمان . أقول و بكل تأكيد ستكون الغالبية الساحقة من الأصوات مؤيدة لمنع هذه الممارسة , وضع لوائح خاصّة بها و بأمثالها من القضايا.

فالنظام العلماني الديمقراطي لن يلزم السوريين بتبنّي عادات و تقاليد و ممارسات قد تكون غريبة عنهم , و لا يوافقون عليها هم بأغلبيتهم .

*

النظام العلماني الديمقراطي يعيد الثقة بالإنسان - موضوع التكليف و الامانة الالهية - و يحترم خياراته , و يعطيه الفرصة لتصحيح هذه الخيارات . هو نظام يسحب البساط من تحت أرجل الأوصياء على حياة البشر و مستقبل الناس , سواء كانت هذه الوصاية و الاستغلال تتم بحجج دينية أو دنيوية , هو نظام إن أحسن تطبيقه يعزّز قدرة الناس على الاختيار و تقويمه بدالة التجربة.

*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يجب أن نشكر عبدالناصر وبورقيبه!
Saudi Anti-Myth ( 2013 / 8 / 16 - 06:28 )
السيد الكاتب/ حمزة رستناوي.
مقالك جميل، رغم طوباويته المفرطة، إلا أنه يحمل
المبادئ الأساسية للمناخ العلماني المطلوب للنهوض
بدولنا ومجتمعاتنا.
لكن اسمح لي ان ابدي اعتراضي على وضعك
لعبدالناصر وبورقيبة في خانة المستبدين، لو عدنا
للوراء للثورة الفرنسية والتي هي اول انفجار
صريح نتجت عنه العلمانية والدولة الحديثة، ستجد
أنه تم إقصاء الجبهات الدينية تماما، وذلك لأن تيارات
اليمين الديني المتطرف بطبيعتها إقصائية والإقصائي
لن يفيد معه إلا الإقصاء واستغلال فترة الإقصاء لتطوير
البنى الفكرية والتعليمية والثقافية قدر المستطاع، وأظن
أنه لولا أبو رقيبة لما أصبحت تونس- نسبيًا-أكثر دول منطقتنا
انفتاحا للعالم، ولولا عبدالناصر لما أصبحت مصر اليوم
تتقيأ رجعية جماعة الإخوان.
ما أقصده أنه قبل بدء مرحلة الديمقراطية يجب أن تكون
هناك مرحلة ديكتاتورية إيجابية مؤقتة لإبعاد التيارات الإقصائية
والتي لا تقبل إلا ذاتها للحكم، كما فعل مصطفى أتاتورك على
سبيل المثال، لولاه لما أصبح في العالم دولة تركيا الحديثة،وحاليا
أردوغان يحاول-نسبيًا-استرجاع العقلية العثمانية الدينية من
الماضي للحاضر، لكنه سيفشل في ظل ثقافة الأتراك.

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت