الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة الهلال

احمد عبدول

2013 / 8 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ورثنا فيما ورثناه من عقد وهموم ومواجع وملفات شائكة من اسلافنا الغابرين وأجدادنا الأقدمين ممن صنعوا لنا تاريخا يعج بالاختلاف ويضج بالتنافر ويفوح برائحة التباعد والتدابر والتباين ذلك التاريخ الذي صنعته لنا المؤسسة السياسية الحاكمة التي دست انفها وألقت بأحابيلها ودافت سمومها وسط محيط الدين والمجتمع لتضر فيهما اكبر الضرر وتسيء إليهما بالغ الإساءة ولتقدمهما بعد ذلك على شكل مواد قابلة للانفجار والتشظي حتى لقد تحول تاريخنا إلى إسفين يهدد كيان الفرد والمجتمع بالموت والضياع في أي وقت من الأوقات كما تحول ديننا إلى مجرد نصوص مكثفة للاختلاف قابلة للتأويل طيعة للتجير لحساب هذا الطرف أو ذاك أما مذاهبنا فإنها قد باتت أشبه بالأحزاب السياسية منها إلى المذاهب الإسلامية وما يجب ان تكون عليه على اعتبار إنها مجرد طرق للوصول إلى فهم واستنباط الاحكام الشرعية والفقهية من الكتاب والسنة .
ولعل من جملة ما ورثناه من عقد ومعوقات ومنغصات عبر تاريخنا المتداخل مع مختلف التأثيرات الأخرى هو عقدة الهلال وما أدراك ما الهلال وكأننا لم نكتف بكل ما يقع بين ظهرانينا على وجه البسيطة من اختلاف لكي ننقل ملفات اختلافنا إلى السماء الدنيا حيث يستقر الهلال هناك والذي كان يعتقد مخطئا ان لا تشوبه شائبة الاختلاف وتدنسه خطايا المجادلة والمماحكة والإسفاف لقد توهم الهلال ان لا تتسرب إليه عدوى التجاذب الإنساني الضيق الملتحف ببردة الدين والمتستر بجلباب اليقين إلا ان شيئا من هذا لم يحصل عندما تحول الهلال من مجرد رمز لإعلان العيد وشعار لدق طبول الألفة والمودة والاجتماع والتسامح إلى مادة دسمة وتربة خصبة وبضاعة مرغوبة للأخذ والرد والتقديم والتأخير والتصديق والتكذيب والإقبال والإحجام واليقين ونقيضه .
لم يكن المجتمع الإسلامي على عهد الرسول ومن حكم من بعده من الخلفاء وتابعيهم يعاني من مشكلة اسمها الهلال فقد كان الحديث النبوي الشهير (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته )كفيلا بان يغلق أبواب أي اختلاف وعدم توافق بهذا المورد إلا ان اتساع رقعة الدولة الإسلامية والذي رافقه اختلاف وتطور في المدارس الفقهية والفكرية والتي من شانها تناول كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة مما جاءت به الشريعة وما أوصى به الدين بالإضافة إلى دراسة وتبيان الأوجه المختلفة لما استحدث على الساحة الفكرية الإسلامية فضلا عن تلك الانعكاسات السياسية التي كانت تروج لها الأنظمة الحاكمة والتي كان لها التأثير البالغ في صناعة الفتوى التي يروج لها وعاظ السلاطين كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من لوحة الهلال المرسوم بدقة جمالية متناهية إلى لوحة تبعث في النفس الحيرة والوجوم والتساؤل .على حد علم كاتب تلك السطور ان هنالك فكرتان فقهيتان قديمتان كانتا قد تبلورتا حول مسالة الهلال ، الفكرتان باختصار ان ثبوت روية الهلال من قبل أبناء أي بلدة من بلاد المسلمين توجب الصوم لعامتهم أما الفكرة الأخرى فأنها توجب الصوم على عامة المسلمين عند ثبوت روية الهلال لكل بلد على حدة .
بعد مضي أكثر من أربعة عشر قرنا على اتساع وتطور وتباعد بلاد المسلمين فان مسالة الهلال أخذت تنحى منحى أخر يستوجب ضرورة التوحد في مسألة روية الهلال وإعلان العيد فيما بعد لما في ذلك من معطيات تصب في الصالح الإسلامي الاجتماعي العام .لقد أصبحت مسالة الهلال تستبطن الكثير من الدلالات المهمة والعميقة التي تنعكس على واقع الأمة وتسير بها في طريق الوحدة المنشودة التي بتنا أحوج ما نكون إليها اليوم من أي وقت أخر,ولعل هذا ما يفسر تطلع الجماهير إلى ضرورة إيجاد آلية فقهية متفق عليها لقضية إعلان العيد في يوم وتوقيت محدد ، قد يقول قائل إننا اليوم ليس بصدد مشكلة الهلال فما الضير من ان يتأخر إعلان العيد ليوم أو أخر لاسيما ونحن نواجه أزمات سياسية واجتماعية جعلت أبناء الأمة طرائق قددا يضرب بعضهم بعضا ويكفر بعضهم بعضا ويخون بعضهم بعضا .ولا شك ان مثل ذلك الكلام لا غبار عليه حيث تبقى مسالة الهلال مسالة ثانوية قبالة ما نقف إزاءه من قضايا جوهرية عامة مثل قضايا التشرذم والانقسام العربي على أسس طائفية وعرقية وأثنية إضافة إلى استفحال داء الفساد المالي والإداري وتفشي الامراض والأوبئة الاجتماعية والنفسية فضلا عن تردي واقع الأمة الاقتصادي وتبعيتها وتأخرها في مجال التنمية البشرية .
إلا ان مثل هذا الطرح لا ينفي ضرورة تناول عقدة الهلال والعمل على وضع الحلول اللازمة لحلها بعد ان استعصت على عقول الفقهاء وجهود المتشرعة كما يقال على الرغم من كونها لا تحتمل كل ذلك القدر من الاستعصاء أمام وضع الحلول والمعالجات التي تيسر لأبناء الأمة السير في طريق اقل تعثرا واقصر مسافة إلى ساحة الاعتصام والاجتماع . يمكن القول ان مشكلة الهلال لا تكمن في مدى صعوبة إيجاد تلك الآليات التي تمهد لتوحيدها على مستوى البلاد العربية والإسلامية بقدر ما تشير المسالة إلى اعتقاد كل طرف من جانب الفقهاء المسلمين بما يراه هو وما يعتمده من أدوات ونصوص وروايات تحدد بدورها أول أيام شهر الصيام لتبقى مطالب الجماهير معلقة لا يستطيع احد من الفقهاء الالتفات إليها بسهولة .
يبدو ان رجال الدين عموما لا يلتفتون إلى مطالب العامة في هكذا موارد حيث تبقى القضية في جوهرها بالنسبة إليهم مسألة حدود ونصوص وروايات لا يمكن لهم بحال من الأحوال ان يتجاوزوا عليها ولو قيد شعرة ولا شك إنهم محقون فيما يذهبون إليه بذلك الصدد ليبقى اللوم على الجمهور ذاته لسبب واضح ودليل بين وهو ان مطالبة الجماهير سوف لن تغير من الأمر شيئا يذكر ما دامت هي تخاطب رجال دين وعقول فقهاء، لذلك ينبغي على أولئك المطالبين بمسالة التوحيد ان يتطلعوا إلى بلورة مجتمع يعيش في كنف دولة مدنية تأخذ على عاتقها جمع كل المستويات والآراء الفقهية على فهم واحد وتاريخ معلوم لتحديد سائر أعيادها ومناسباتها ، دولة يدور فيها الدين مدار مصالح البلاد والعباد لا ان يكون العكس هو السائد لكي يتسنى للجميع ان يصوموا وينهوا صومهم بافراح العيد بعد ذلك ، في آن واحد وتاريخ محدد بعد ان اشتد بينهم الاختلاف وتعاظم الافتراق واستفحل الشقاق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa