الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خارج أسوار الحياة

مفيد بدر عبدالله

2013 / 8 / 18
المجتمع المدني


اذكر أني قبل اعوام وأنا أتصفح أحدى الصحف المحلية ، توقفت عند احد الأخبار وهو ان شركة تركية تعاقدت لجمع نفايات محافظة البصرة ففرحت كثيرا وبدأت ارسم في مخيلتي تصورا لما سيحصل ، افتح باب منزلي في الصباح فأجد المنظفين الأتراك يكنسوا شارعنا وذهبت بعيدا بمخيلتي لأتعلم منهم اللغة التركية من خلال تماسي اليومي معهم ، حينها سأشاهد مسلسلاتهم من قنواتهم ولا انتظر حتى تدبلج للقنوات العربية ، لكني تذكرت منظرا أصبح معتادا عندنا في العراق قد لا يألفه المنظفون الأتراك وهو منظر النساء اللواتي ينبشن المزابل ويجمعن منها ( القواطي الفارغة ) والبلاستك وقشور الفواكه وأشياء أخرى كبيرة بحجمها قليلة بثمنها ليسد بعضا من جوع المتعففات من أرامل ومطلقات فليس لهن مصدر رزق اخر ومنهم جارتي (حليمة ) وهي اسم على مسمى و تستحق بجدارة ان تكون خير من تمثل ممتهني هذه المهنة لحلمها و صبرها على عمل لاتطيقه حتى الرجال ونذرت نفسها لهذا العمل الشاق فهي لا ترضى التسول واخذ العطايا .تخرج ( حليمة ) الساعة الثالثة فجرا بعد ان ترتدي حذاء من النايلون ( جوبلس ) وتلف عباءتها على منتصفها لتتحزم بعدما تضع على رأسها ( الجرغد ) لتبدو قطعة سوداء حاملة لأكياس كبيرة جدا وأطفالها حفاة من خلفها يتراكضون متجهة للمزابل لتغربلها الواحدة تلو الأخرى وتأخذ منها ما يمكن ان يباع قبل قدوم عمال التنظيف في الصباح ، ويزداد كيسها ثقلا والذي تطوي فيه المسافات محمولا على الرأس ، وبعدما تقلب أي مزبلة تستعين بالمارين لرفع الكيس الكبير ( الشليف ) وسط دعواتهم لها بعبارة ( الله يساعدج ) .
حكاية عمل ( حليمة ) بالمزابل تبدأ منذ ارتباطها ولظروف قاهرة بزوج متعجرف لا ينظر الى المرأة سوى أنها مشروع استثماري ، تزوج بأربع نساء وفرض عليهن أعمال شاقه فيما يقضي اغلب نهاره في المقهى يشرب الشاي والناركيله مع من على شاكلته من اشباه الرجال ، ولا يعنيه تعب ( حليمة ) في النهار ولا أنينها من التعب في الليل ، ومن ثم طلقها لسبب تافه ، ولم تجد ( حليمة ) عملا غير هذا العمل لتسد رمق أطفالها قبل رمقها . من ينظر الى حالة هذه المرأة وحالة الأخريات ممن يعملن بالنفايات يستنتج بان المرائين كثر في مجتمعنا و تتنافى اقوالهم مع الافعال ، ففي ولائم حفلات الزواج والمناسبات الأخرى ما يرمى في المزابل أكثر مما يوكل حتى يقال ( فلان الفلاني ) ، هذا كل ما يعني الكثيرين للأسف الشديد فلم ترق قلوبهم على (حليمة) وأمثالها مثلما لم تعمل الحكومة لهولاء حلولا جذريه وتنهي الى الأبد تقارير الفضائيات المتكررة عنهم بين الحين والآخر والتي تعطي انطباعا للعالم بان المرأة في بلدنا تهان على خلاف ما نومن به ، ورغم أننا من البلدان الغنية الا ان توزيع الثروة لم يحقق العدالة للعموم واذكر ان احد الفلاسفة (برناردشو) والذي كان أصلع الرأس وله لحية كثيفة ذات مرة قال ( العالم بين راسي ولحيتي غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع ) وهذا ما نراه للأسف الشديد فالبعض يعاني التخمة ويمنع من تناول اللحوم لإصابته بداء الملوك وآخرون يتضورون جوعا وينبشون المزابل ليكسبوا لقمة العيش في بلد محط أنظار ومطامع البلدان لما فيه من خيرات . وأنا انظر ( حليمة ) ذات مرة وهي تقلب أحدى المزابل حمدت الله ان شركة التنظيف التركية كادرها البسيط من العراقيين فلو أنهم من الاتراك لدونوا على صفحات مذكراتهم بأنهم وجدوا نساء وأطفال تعتاش على نبش المزابل في بلد فيه من النفط ما يكفي لمعيشة أضعاف شعبه، وقلت في نفسي أن هؤلاء يحتاجون ولو( لبتروسنت ) من حصة النفط على غرار البترو دولار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار