الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي فُضَّ فماذا بقي؟

محمد الحمّار

2013 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نلاحظ أنّ تدخل الجيش في الشقيقة مصر وخاصة في يوم 14 أوت/آب/أغسطس بفض اعتصامَي "رابعة" و"النهضة" ترك بصمة قوية جدا في تونس لا فقط لدى المجتمع السياسي وإنما لدى الشارع بأكمله. وهي بصمة تتراوح بين التبعية للفكرة المصرية والرغبة في توخي المنهج المصري من جهة وبين الحيرة بشأن شكل النضال الذي يتلاءم مع الواقع التونسي من جهة ثانية. ونعتقد أنّ الموقف الثاني هو المتسم بأكثر رصانة لذا نراه مدخلا مناسبا للاتعاظ مما حدث في البلد الشقيق. فلماذا لن يكون الجيش هو الذي سينقذ تونس، وكيف ستنقذ بعد أن تم فض المنظومة الإخوانية ، وما هي آفاق المشهد السياسي في المستقبل القريب؟

بادئ ذي بدء، ليس جيش تونس مثل جيش مصر. فلا هو يتحكم بزهاء الـ30 بالمائة من الاقتصاد المحلي ولا هو الذي خلع السلطة المستبدة النوفمبرية البائدة مثلما فعل نظيره المصري بنظام مبارك في ثورة 25 يناير عام 2011. لهذا السبب، من بين أسباب أخرى، نعتقد أنّ الجيش التونسي لن يتدخل لا في إبعاد حزب حركة النهضة الإخواني من الحكم ولا في فض اعتصامات ستقام افتراضا لموالاة هذا الحزب.

ثم إنّ الفرع الإخواني بتونس، نظريا، سقط مع سقوط أصله في مصر. وعمليا فالفصيل التونسي للإسلام السياسي سيكون مُنتهي الصلوحية (والصلاحية) طالما أنه منتهٍ في البلد الشقيق (ربما سيظهر من جديد لو ظهر في مصر وإذا بم يحصل التوقي منه). لكن اقتصارا على اللحظة الراهنة يمكن القول إنّ الإسلام السياسي قد انتهى كمؤسسة إيديولوجية ودعوية مع أنه لم ينتهِ كفكرة دعوية و إيديولوجية بعدُ وإنّ هذا لكافٍ لنقض فكرة أيّ تدخل للجيش أو الأمن في إبعاد حزب حركة النهضة عن الحكم استجابة لجانبٍ عريض من الشعب. فماذا يريد هؤلاء غير تنحي هذا الحزب من السلطة كحزب ديني، أي تنحيه من الحياة السياسية الحزبية، وهل ينفع التفكير في اضمحلاله كفكرة دعوية إيديولوجية وتربوية من عدمه، علما وأنه لا ضير في أن تتزاوج هذه الأخيرة مع أشكال جديدة تكون أكثر اتساقا مع منطق العصر ومع حاجيات المجتمع؟

إنّ الراغبين في ابتعاد حزب حركة النهضة عن السلطة ليسوا واعين بعدُ بالسهولة التي فقد بها هذا الحزب كل مستنداته الإيديولوجية الأصلية دفعة واحدة ليلفظها خارج الوعاء الحزبي المؤسساتي، و لو أنّ الوعاء مازال قائما. وهذا مما يجعلنا نشك في أنّ كوادر هذا الحزب من باب أولى من جهة والطبقة السياسية من جهة ثانية مدركون لهذا المعطى وبالتالي في أنهم بصدد سلك النهج الصحيح الذي فتحه معطى انحسار المؤسسة الإخوانية المركزية بمصر.

إنّ الذي يتوجب على كل مكونات المجتمع السياسي التونسي فِعله من هذا المنظور هو التعامل من هنا فصاعدا مع حزب حركة النهضة كحزب مدني كما كانت تتمناه أن يكون منذ أن تحصل على تأشيرة العمل العلني وكما زعمَه هو بنفسه. كما أنه يتوجب على الحزب نفسه أن ينفتح على الواقع وعلى هذه النظرة إلى الأمور لكي يهيئ لنفسه ولسائر الأحزاب وللمجتمع بأسره سبل الوفاق الحقيقي والوحدة الوطنية.

لكن لا يمكن أن يحصل تبديلٌ للهوية السياسية لحزب حركة النهضة على هاته الشاكلة، و لا تبديلٌ لرؤية سائر المجتمع السياسي لهذا الحزب، من دون تفعيل دور الفكر التنويري والمفكرين حتى يكونوا هُم المؤسسون للمشروع التحرري الديمقراطي الشامل والمشرفون على اكتماله، وحتى تكون الأحزاب فقط آليات تنفيذية لمضمون هذا المشروع. حيث إنّ الانتماء الحزبي في بلدان "الربيع العربي" سبق الانتماء إلى الحرية. وكان على المجتمع أن يغتذي من فكر ومفكري الحرية ويتشبع بهذا الفكر ثم يختار الانتماء الحزبي. ولمّا لم يحصل هذا ها نحن نعيش أسوأ ما يمكن أن ينجرّ عن القفز على مرحلة الحرية.

إنّ حركات التحرر لا يؤطرها لا رئيس دولة ولا رئيس حكومة ولا وزير ولا أمين عام اتحاد الشغل ولا العسكر ولا المؤسسة الأمنية ولا حتى حزب سياسي . بل يؤطرها، في المجتمع العربي الإسلامي، مفكرون دارُون بأنّ الصراع الفلسفي الراهن، بالرغم من أنه ليس ذي طبيعة دينية، إلا أنه يعطي انطباعا بأنه كذلك (وهو انطباع ذو عواقب وخيمة مثل استشراء العنف والإرهاب) وبالتالي يشترط تعريفا متجددا للحرية يكون تأليفا أصيلا من الكونية ومن الإسلام، ونتاجا للعقل وللنقل في الآن ذاته، أي تجسيدا لحرية توافقية تضع حدا للفرز الإيديولوجي المتسبب في الكوارث.

إذن فالمفكرون الذين تتطلبهم المرحلة هم أولئك القادرون على توجيه الجهود نحو تجسيد المشروع التحرري الديمقراطي الأصيل. وهو مشروع يتنافى مع اضطلاع الأحزاب بمهمة تأسيسه واكتماله. فلا يمكن مثلا أن يكون المواطن منخرطا في حزب النهضة، أو في حزب كذا أو كذا على حدٍّ سواء، وأن يؤسس للديمقراطية في الوقت ذاته. ينبغي أن يكون المواطن مواطنا حرا قبل انتمائه إلى أي واحد من الأحزاب.

في المحصلة، لو حدث هذا التصحيح سيكون المجتمع التونسي قد تدارك المرحلة التي كان قفز عليها لمّا سمح لثورة الشعب (17 ديسمبر/14 جانفي) بأن يُركب عليها بواسطة شرعية صندوق الاقتراع. وهذا الركوب الشرعي، إن جاز التعبير، هو الذي شكل المفارقة التي نعيش تبعاتها الخطيرة الآن، في مصر وفي تونس كل بطريقته، والتي جعلت فريقا يتمسك بالشرعية وآخر يتمسك بتفنيد الشرعية.

فهل من وفاق سياسي يلوح في الأفق من دون تقريب طرَفَي النقيض كلاهما من الآخر؟ وهل يتحقق التقريب بواسطة النهج السياسي الصِّرف وبغض البصر عن المنحى الفكري والتوعوي والتربوي، وهل سينجح المجتمع في التحرر يهيأ نفسه لمرحلة الانغماس في مناخ من الحرية يسمح بالالتزام ثم بالانتقال السياسي السلمي والثابت، بالتعويل على الساسة والسياسيين فقط؟

طبعا ليس الوفاق سلعة تقتنى من سوق السياسة ولا هو تعبير إنشائي يتقاذفه نواب المجلس الوطني التأسيسي والطبقة السياسية ويزايدون عليه ويقايضونه مقابل المال والجاه والشهرة. إنما الوفاق نتاج لعمل لم تعِ بعدُ مؤسسات الدولة ولا الإعلام ولا المجتمع السياسي ولا حتى المجتمع المدني بضرورته الملحة.

من هذا المنطلق نتمنى أن تفضي المداولات والمشاورات بشأن التوصل إلى حلول وفاقية إلى نتائج ملموسة ومتضمنة لروح الوفاق في الآن ذاته. من هذه النتائج المأمولة التزام حزب حركة النهضة إزاء فرقائها السياسيين وإزاء المجتمع بأسره بعقد أخلاقي يضفي مشروعية على "شرعية" أضحت بقانون الواقع مريبة ومشبوهة.

ومن النتائج المنشودة أيضا التزام المعارضة غير الإسلامية (نرفض استعمال عبارة "علمانية" لتلافي الشبهات) إزاء المجتمع بأسره بعقد غير مكتوب بشأن الفكرة الإسلامية الأصلية أي تلك التي تتعادل في وظيفتها وفي أهدافها وغاياتها مع الفكرة الحرياتية و الحقوقية الكونية مع تميّزها بالمنهج النسبي للثقافة المحلية ومع حرصها على تبديل العالم نحو الأفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في