الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التاريخ و التراث و الدين...ليست دولة اسلامية

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

2013 / 8 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تابع موضوع (في التاريخ و التراث و الدين) الذي نشر في مجلة الحقيقة التي كان يصدرها الحزب الشيوعي الاردني.
العدد 2, 1992

الجزء السادس: ليست دولة اسلامية..

لم يقرر الاسلام قواعد لنظام الحكم, فليس هناك نظام حكم اسلامي, أو نظرية اسلامية للحكم, فقد مات الرسول ولم يستخلف احدا, وكان ال بيت النبي وبعض الصحابة منصرفين غالى ترتيب امور الدفن, حين تناهى الى سمعهم اجتماع الأنصار في الركن الاخر من المدينة, فأسرع اليهم ابوبكر وعمر فألفوا زعماء الأنصار مجتمعين في سقيفة بني ساعدة, وقد هموا بمبايعة سعد بن عبادة الأنصاري أميرا على المدينة, فاعترض ابوبكر وصحبه من المهاجرين, ودار بين المهاجرين و ألأنصار حوار شهير حول المسألة:
احتج الأنصار بنصرتهم للرسول وايوائهم له من دون العرب أجمعين.
واحتج المهاجرين بسبقهم للاسلام, وانتسابهم الى قريش قوم الرسول, فعرض الأنصار على اخوانهم, منا أمير ومنكم وزير, فلم يقبلوا.
ثم عرض الأنصار على المهاجرين: منا امير ومنكم امير يا معشر قريش.
فنهض أبوبكر, فتحدث, وأثنى على الأنصار, وأشاد بنصرتهم للرسول وفضلهم على الصحاية, وذكر ثناء الرسول عليهم ودعاءه لهم, ثم ذكر بأن العرب لا تعرف هذا الأمر (الحكم و الامارة) الا في قريش.
واستمر الحوار بين الفريقين, ما قدر له ان يستمر, حتى نهض عبيدة بن الجراح من سادة الأنصار فبايع أبوبكر ولحقه عمر, وتبعه اكثر الأنصار وحسم الأمر.
هكذا صار ابوبكر اول خليفة للرسول.
لم يكن لدى الفرقين قاعدة دينية يحتكمون اليها, ولم يحتج اي منهم على الاخر باية من القران ولم يكن لهم من الحكم تجربة يهتدون بها, وكل ما كان بينهمفي سقيفة بني ساعدة, حوار حر هو الذي اوصلهم الى الحل.
وعندما توفي ابوبكر اوصى لعمر بن الخطاب, وعندما اغتيل عمر شكل لجنة قوامها ستة من الصحابة, فيهم عثمان وعلي, وأوصاهم باختيار واحد منهم خليفة له, فال الأمر الى عثمان بن عفان, بايع فريق من القوم علي بن ابي طالب, وخرج عليه فريق اخر, وعندما اغتيل علي, سأله اصحابه فيمن يستخلف عليهم فقال لهم ( لا امركم ولا انهاكم, انتم ابصر)
وفيما بعد صارت مسأله الحكم موضع جدل, ثم ظهرت ابحاص فقهية ودراسات تضح احكام لاختيار الحاكم, وهناك قاعدتين اساسيتين, الشورى, و البيعة, وهما تفضيان غالى اختيار الحاكم عن طريق التشاور بين (اهل الحل و العقد) ثم مبايعته من قبل الناس, و ايات الشورى في سورة الشورى الاية 38 و الاية 159 من سورة ال عمران تتصفان بالعمومية, ولا تختصان بتقرير حكم معين و الاستناد اليهما يخضع للاجتهاد.
ثم ان القائلين بالشورى لا يتفقون على اطار محدد لها ولا على كيفية تطبيقها, فالقول الشائع بالتشاور بين (اهل الحل و العقد) هذا المصطلح نفسه يخضع للاجتهاد وكذلك الأمر بالبيعة, فليس هناك اي اتفاق بين القائلين بها, فمنهم من يرى انه يجب ان تقوم من (اهل العاصمة) ومنهم من يقول ان الأمصار يجب ان تشارك, ومنهم من يقول ان (الرعية) يجب ان تشارك.
وفي عهد الامويين صار الحكم وراثيا, و بعد ان استقر الأمر لمعاوية بن ابي سفيان طلب البيعة لابنه يزيد خليفة من بعده وتحققت له البيعة بالترهيب و الترغيب وبذلك استحدثت منصب (ولاية العهد) وباستحداثه سقطت الشورى. وبعد موت معاوية واعلان ابنه يزيد خليفة, خرج عليه الحسين بن علي وبعد كربلاء خرج عبدالله بن الزبير في مكة و الحجاز, وانتهى الأمر بمقتل الزبير, و صلبه على ابواب البيت الحرام وبذلك سقطت البيعة ايضا, واستبدلت بواجب الدعاء للحاكم.
وعلى هذا النحو سار الأمر بالنسبة لحكم في عهد الامويين و العباسيين, فاتخذ طابع الملك الوراثي وبتحكم العسكر و الأرقاء وحراس القصر لاحقا صار الحكم حقا لمن يعتلي الكرسي بالوراثة او بالقهر والتامر, وهكذا فلا التخريج النظري يعطي قاعدة واضحة للحكم, ولا التجربة التاريخية على امتداد 14 قرن.
فالشورى قاعدة توجيهية عامة ينقصها التحديد و التأطير, و التجربة التاريخية اسقطت الشورى و البيعة معا, و أبقت لرعية واجب الطاعة و الدعاء.
ومنذ عهد الخلفاء الراشدين حتى الزمن الحاضر ظهر في البلاد الاسلامية أكثر من 100 دولة تعاقب على حكمها أكثر من 1200 حاكم فيهم الخلفاء و الأئمة و الملوك, و السلاطين و الامراء و الأتابك.
وهؤلاء جميعا وصلوا الى الحكم عن طريق الوراثة أو حد السيف, او الصدفة, وكل منهم أخذ (البيعة) على طريقته الخاصة, و أخذ نصيبه من الدعاء له في المساجد.
وهذا الخليط, و المتناقض من تجربة الحكم, لا يؤسس قاعدة ولا ينجب نظرية.
فاذا ما انتقلنا من نظام الحكم و السلطة الى وظائف الدولة و تنظيماتها الادارية, فاننا لا نجد في الدين الاسلامي احكاما تقرر الشكل الاداريأو التنظيم الهيكلي للدولة فهذا أمر يختص به الناس, و تقرره ظروفهم و مصالحهم.
ان اول عهد العرب المسلمين بالتنظيم الاداري كان في زمن عمر بن الخطاب عندما توطدت الدولة و تسوعت و برزت الحاجة الى تأسيس (ادارات) حكومية, و قد اقتبس عمر الادارات من الدولتين الفارسية و البيزنطية, و أنشأ الدواوين, و ظلت باللغتين الفارسية و الرومية الى عهد الامويين, و ظل القائمين على الدواوين في عهود الامويين و العباسيين من غير المسلمين, و استخدمت العملتين الفارسية و البيزنطية في التداول بقيمها طوال عهد الخلفاء الراشدين وأول الحكم الأموي, و بدأ تعريبها, و بالتدريج في عهد الملك بن مروان, و اهتمت الدولتين الاموية و العباسية بتحسين وانشاء السدود وأقنية الري, و في رعاية و حماية طرق التجارة بانشاء القلاع و تنظيم الحراسات, و برزت ظاهرة اقطاع الأراضي للامراء وأفراد الاسر الحاكمة, و المتنفذين بدء من عهد عثمان بن عفان لكنهم في سياق ذلك كله لم يفرضوا تبدلا في الأنماط الاقتصادية التي كانت سائدة, وكان جهد الدولة منصبا على جباية الخراج و الجزية, و حتى في مجال الجباية فانه لم تكن هناك قاعدة ثابتة من نسبة الجباية او سقفها الأعلى او طرق تحصيلها فقد كانت تتغير من حاكم الى اخر حتى انتهى الأمر في زمن العباسيين وما بعده الى بيع الوظائف و الولايات وسلطة تحصيل الواردات, و منح المشترين امتيازات غير محدودة في ادارة وظائفهم و التصرف في شؤون البلاد.
أما عن التنظيم الهيكلي للدولة, من وزارات وادارات وأجهزة فقد ظهرت وتطورت في الاختصاص, وفق الظروف, و تحقيق مصالح الحكم, و قد ظل جهاز الدولة ينمو حتى اصبح عبئا ثقيلا يرقد على صدر المجتمع, وحتى باتت (البيروقراطية) مرض الدولة, ولا احد يمكن ان يقول ان (هناك بيروقراطية ارضية و بيروقراطية سماوية)!
فاذا كانت العبادات ( حق اله على عباده), و اذا كانت المعاملات (نشاط البشر في شؤون حياتهم), و اذا كانت الدولة (نتاج تطور المجتمع عند مستوى معين), فمن اين تأتي المسحة الدينية على الدولة؟
ان الأساس الوحيد الذي انطلق منه القول بالدولة الدينية, هو نشوء قوى متحكمة في المجتمع, فرغبة هذه القوى في اخفاء الطابع الديني على وجودها وتحكمها, فتلك هي النظرية الوحيدة التي تسمح باتصال الدولة بالسماء, و تمتع الحاكم بالتفويض الالهي.
فقد حرض الحكام بالتمسك بالشريعة الدينية منذ عهد معاوية, واشتد هذا الحس طرديا مع تدهور الوضع الاقتصادي, و انهيار الدولة العربية الاسلامية, وتوزعها الى دويلات وممالك ودويلات متناحرة, واشتداد الظلم على الناس, و ظغيان الارهاب الفكري و الجسدي, ففي هذه المرحلة بالذات, اشتد الالحاح على اضفاء الطابع الديني على الحكام و الدولة, فصارت الدولة, اي دولة (حصن المسلمين) , و صار الحاكم, اي حاكم (حارس الدنيا و الدين), وتحددت واجبات الرعية بامداد الدولة بالمال و الدعاء لحاكم في المساجد.
وعلى امتداد القورن التي سلفت, تجذرت نظرية (الطاعة لأولي الأمر), واقترنت اطاعة الحاكم باطاعة الله, واعتبار الطاعتين معا حكما الهيا بحكم الاية (وأطيعوا الله و الرسول واولي الأمر منكم), وذهب الأمر الى اكثؤ من ذلك, فقد ظهرت نظرية تلزم اطاعة ولي الأمر وان خالف الشرع, لأن حسابه على الله و ليس على الرعية, و بذلك تأسس قانونين لعقوبات: 1- دنيوي يمارسه الحاكم على الرعية. 2- ديني يختص به الله, و يتولى محاسبة الحاكم يوم القيامة, و أفضى ذلك الى مبادلة طريفة في الاختصاصات, حيث يختص الحاكم بمحاسبة الرعية على تفريطهم بحقوق اله, فيما يختص الله بمحاسبة الحاكم لتفريطه بحقوق الرعية. و حيث ان الحاكم هو القائم الموجود بين الناس, فان اختصاصه في التجربة التاريخية قد تقدم.
ان اضفاء الطابع الديني على الحكم و الدولة شكل الأساس النظري للحكم المطلق في تراثنا العربي الاسلامي, ونجم عنه تمتع الحاكم بالدولة وتحصنه بالدين.

يتبع....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah