الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفارقليط وختم الأنبياء

نافذ الشاعر

2013 / 8 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد كان الأنبياء في القديم هم عزاء الأمم، يعني يأتون ليجلبون العزاء الإلهي إلى قلوب الناس، لأن قلوب الناس كانت متعطشة للوحي الإلهي، ومتطلعة للاتصال بعالم الغيب، وكان هؤلاء الأنبياء بمثابة عزاء للناس ليبصرونهم ويهدونهم إلى الحق ويوضحون لهم ما غمض من النصوص الدينية المقدسة، ويشرحون لهم بعض النبؤات الغامضة، وتلك هي وظيفة الأنبياء يعني هم بمثابة "عزاء للبشر"، وهذا ما جاء في نص صريح في الإنجيل عن المسيح عليه السلام، بقوله: (وأنا اطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق)

واعتقد كثير من الباحثين المسلمين، الذين يبحثون عن اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس- اعتقدوا أن المعزي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن المتأمل في معنى "المعزي" يظهر له بما لا يدع مجالا للشك بان المعزي هو القرآن الكريم؛ لأنه هو الذي سيجلب العزاء إلى نفوس الأمم؛ لأن القرآن عبارة عن كائن عضوي حي يشعر بحزن صاحبه المؤمن عندما يقرأه، وبالتالي فهو يريد تعزيته وتسليته في مصائبه وأحزانه؛ لأن القرآن ليس كتابا كسائر كتب البشر، إنما هو كائن حي حساس له شعور وإحساس.
والنصوص الواردة في الكتاب المقدس بشان المعزي تنطبق كلها على القرآن الكريم وهذا لعدة أسباب منها:
1-أن المسلم يتخذ من القرآن الكريم عزاء عند المصائب والكربات، وهو من أكثر الأشياء التي تخفف على المسلم مصابه وحزنه وما نزل به..
2- أن القرآن الكريم يجيب عن الأسئلة التي كانت تدور في الصدور الحائرة، ولا تجد لها جوابا شافيا، مثل الأسئلة التي كان يطرحها كثير من الفلاسفة والشعراء، كسؤالهم: من أين جئت، ولماذا جئت , وأين سأذهب بعد الموت.. فأشفى القرآن صدور الناس بإجابته عن تلك الأسئلة الحائرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) (يونس:57)
3- كذلك تشير كلمة المعزي بأن المعزي سيكون (روح الحق)، ولا شك بأن القرآن هو روح: (وأنا اطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق..) وهذا ما جاء في وصف القرآن به بأنه روح، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) (الشورى:52) 4- وتشير كلمة (معزي) بأن المعزي سيمكث معهم إلى الأبد، وهذا يصدق على القرآن المحفوظ إلى الأبد والمتوارث جيلا بعد جيل دون تبديل أو تحريف كما يقول تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
5- كذلك تشير كلمة (معزي) بأن المعزي هو "الفارقليط". وكلمة "فارقليط" موجودة في نسخ الإنجيل اليونانية، والتي ترجمت إلى العربية بمعنى "المعزي". وحروف كلمة "الفارقليط" هي نفسها حروف كلمة "الفرقان" الذي معناه القرآن..!
إذن لو بقيت كلمة "الفارقليط" كما هي في النص الأصلي اليوناني، فهي تشير إلى القرآن، ولو ترجمت إلى "المُعزّي"، فهي تشير كذلك إلى القرآن.

واتصاف القرآن بهذه الصفة أقصد صفة العزاء، جعلت الناس بغير حاجة لمجيء رسل تبليغيين يفسرون معاني القرآن ويوضحونه للناس، كما كانت مهمة أنبياء بني إسرائيل، الذين كان يوضحون التوراة ويفسرونها، بعد وفاة موسى عليه السلام.
فالقرآن قد سد باب إرسال الرسل، لأن الناس لم يعودوا بحاجة لهؤلاء الرسل، لأن القرآن نفسه بمثابة رسول متحدث بلسان الغيب، وهو بمثابة الأنبياء التبليغين الذين يمكثون مع البشر ولكنهم لا يرتحلون عن هذه الدنيا؛ فهو ماكث معهم إلى الأبد..
أما لو بقي باب إرسال الأنبياء مفتوحا بعد نزول القرآن، فإن هذا سيؤدي إلى إغلاق باب الفهم الحداثي الجديد للقرآن، ولن يتجرا أحد على تفسير القرآن أو حتى آية منه تفسير جديدا حسب تقدم العصر، إنما سوف يبقى البشر متطلعين دوما إلى نبي تبليغي يأتيهم لكي يفسر لهم نصوص القرآن الكريم تفسيرات جديدة، فيبقى الشخص مربوطا ومشدودا دوما إلى السماء وإلى مجيء نبي، وهذا سيجعل معاني القرآن لا تتغير ولا تتطور حسب العصر، وبالتالي يجعل من الشريعة شريعة جامدة غير متجددة وغير مناسبة لكل عصر؛ إنما تبقى بمثابة نصوص جامدة تنتظر نبيا جديدا يفسرها ويبينها للناس.

والله عز وجل أنزل القرآن الكريم بهذا الصفة، صفة كونه كائن عضوي حي يجدد نفسه بنفسه، كي يفتح معارفه لكل من يقرأه بقلب طاهر سليم، ولتقريب ذلك المعنى ننظر في شعر عباقرة الأدباء فنجد أدبهم ونتاجهم غنياً بالدلالات، وقابلاً لشتى التأويلات، وبقدر ما يكون أدبهم وشعرهم غنيا بأكثر من تأويل- بقدر ما يكتب لهذا الأدب من الخلود والبقاء. أما لو كان أدبهم ونتاجهم يتزامن بسهولة مع إدراك دلالته، فإن المتعة المتولدة من قراءته ستكون آنية ووقتية. ويصف نقادُ الأدب أمثال هذه النصوص بأنها (نصوص مغلقة) أي لها معنى واحد بلا زيادة أو نقصان؛ لأنها تغلق الباب أمام أي فهم آخر، وتخلو في نفس الوقت من الغموض، ومن الفضاءات التي تسمح للقارئ أو المتلقي أن يحلق في عالم النص ويملأه بخبراته المعرفية والتأويلية. ومن سمات هذه النصوص أن يكون القارئ مستهلكاً للمعنى لا منتجاً له.
وهذا هو السر في خلود وبقاء نتاج أديب من الأدباء، حيث ينظر إليه النقاد من زوايا مختلفة، وتتعدد فيه الآراء، وتنقدح فيه الأفكار، أو كما قال الشاعر المتنبي:
أنام ملء عيوني عن شواردها ويسهر القوم جرّاها ويختصم

إذن؛ فالقرآن وحي الله إلى البشر وكل من يقرأه بقلب طاهر سليم يتصل بالغيب ويتصل بالوحي، ويمده الله بالمعارف لأن آيات القرآن ليست لها معنى واحد حسب ما يتبادر من حروفها الظاهرة، إنما هناك معاني خفية في آيات القرآن الكريم تكمن وراء الحروف الظاهرة، وتلك بمثابة المعارف التي يلهمها الله لكل من يقرأ القرآن بتدبر وتفكر، وهذه هي مهمة الأنبياء في القديم، حيث كانت مهمتهم تفسير النصوص الدينية بتفسيرات حداثية عصرية تتناسب مع تطور الناس وتقدمهم وترقيهم، فإذا نظرنا إلى الإنجيل، على سبيل المثال، وجدنا فيه هذا المعنى حيث أن كلمة "إنجيل" هي كلمة يونانية بمعنى البشارة أو الخبر السعيد، وهو كل كلام إذا سمعه الإنسان شعر بالسعادة والاستبشار، وهذا تعريفه لغويا قبل أن يُطلق بشكل عملي على كتاب السيد المسيح.
وصفة السعادة والاستبشار عند سماع كلام احد الناس، صفة لا زالت تتكرر في كل زمان ومكان، ونجدها في كلام الوعاظ والخطباء والمفسرين الذين يفسرون النصوص الدينية بتفسيرات جديدة وعصرية، بحيث تشد آذان السامعين وتطرب نفوسهم، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بمصطلح: (الذكر المُّحْدَث) في قوله تعالى :" مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) وقوله:(وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) الشعراء5
إذن وظيفة الأنبياء هي المجيء بالفهم الحداثي الجديد للنصوص الدينية الذي عبر عنه القرآن بلفظ (الذكر المُّحْدَث). وحداثة الفهم وتجدده دوما تحصل لمن يقرأ القرآن ويقبل عليه بقلب طاهر سليم، دون الحاجة لنبي جديد يشرح هذه المعاني، لأن القرآن هو نفسه نبي متحدث بلسان الغيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مداخلة
شاكر شكور ( 2013 / 8 / 22 - 16:27 )
تحياتي للأستاذ نافذ ومع احترامي لما ذهبتَ اليه من تفسير لكلمة الفارقليط (المعزي) فهذه الكلمة قد تم شرح معناها من قبل السيد المسيح نفسه في الآية 26 من الأصحاح 14 يوحنا ، حيث قال : {وأما المعزي ، الروح القدس ، الذي سيرسله الآب باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم} ، إذن المعزي هو الروح القدس الذي حلّ على تلاميذ المسيح بعد صعود المسيح الى السماء ولا اعتقد بأن شيوخ الأسلام سيقبلون ان يكون القرآن قد ارسله الله بأسم المسيح لأن الآية تقول (الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي) ، كما ان الآية 71 من نفس الأصحاح تقول { روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه } ، وعبارة (لأنه لا يراه) تدل على الروح التي لا ترى بالعين بل ترى بالإيمان فقط ولا تدل مطلقا الى كتاب ، أما بخصوص قولك بأن حروف كلمة -الفارقليط- هي نفسها حروف كلمة -الفرقان- الذي معناه القرآن. فلا اعتقد بأنك قد أصبت بقولك هذا لأن الأولى هي كلمة يونانية اما الثانية الفرقان فهي كلمة غير عربية بل هي كلمة سريانية تستخدم لحد الآن في صلاة السريان وهي مأخوذة من فرقانا ومعناها المخلص ، تحياتي للجميع


2 - مداخلة
شاكر شكور ( 2013 / 8 / 22 - 16:28 )
تحياتي للأستاذ نافذ ومع احترامي لما ذهبتَ اليه من تفسير لكلمة الفارقليط (المعزي) فهذه الكلمة قد تم شرح معناها من قبل السيد المسيح نفسه في الآية 26 من الأصحاح 14 يوحنا ، حيث قال : {وأما المعزي ، الروح القدس ، الذي سيرسله الآب باسمي ، فهو يعلمكم كل شيء ، ويذكركم بكل ما قلته لكم} ، إذن المعزي هو الروح القدس الذي حلّ على تلاميذ المسيح بعد صعود المسيح الى السماء ولا اعتقد بأن شيوخ الأسلام سيقبلون ان يكون القرآن قد ارسله الله بأسم المسيح لأن الآية تقول (الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي) ، كما ان الآية 71 من نفس الأصحاح تقول { روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه } ، وعبارة (لأنه لا يراه) تدل على الروح التي لا ترى بالعين بل ترى بالإيمان فقط ولا تدل مطلقا الى كتاب ، أما بخصوص قولك بأن حروف كلمة -الفارقليط- هي نفسها حروف كلمة -الفرقان- الذي معناه القرآن. فلا اعتقد بأنك قد أصبت بقولك هذا لأن الأولى هي كلمة يونانية اما الثانية الفرقان فهي كلمة غير عربية بل هي كلمة سريانية تستخدم لحد الآن في صلاة السريان وهي مأخوذة من فرقانا ومعناها المخلص ، تحياتي للجميع


3 - تنويه
شاكر شكور ( 2013 / 8 / 22 - 18:08 )
آسف لحدوث خطأ في ترجمة الكلمة السريانية (فرقانا) فالصحيح معناها الخلاص وليس المخلص ، هذا وأن تكرار تعليقي رقم 2 لم يكن بتعمد ولكن هناك خلل ما لا اعرف مصدره ، اقتضى التنويه مع الشكر

اخر الافلام

.. مظاهرة حاشدة نصرة لفلسطين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة الفر


.. أصوات من غزة| أثمان باهظة يدفعها النازحون هربا من قصف الاحتل




.. واشنطن بوست: الهجوم الإسرائيلي على رفح غير جغرافية المدينة ب


.. إندونيسيا.. مظاهرة أمام السفارة الأمريكية بجاكرتا تنديدا بال




.. -مزحة- كلفته منصبه.. بريطانيا تقيل سفيرها لدى المكسيك