الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل الثقافه فى مصر بين د طه حسين وسيد قطب

احمد ابراهيم

2013 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كعاده د طه حسين عندما يطرح افكارا جديده تهتز الحياه الثقافيه فى مصر وينبرى الكتاب والنقاد بالتحليل ما بين مهاجم شديد العنف عليه وبين مؤيد يشرح ما قال .. وفى عام1938 ألف طه حسين كتابه ( مستقبل الثقافه فى مصر ) فجاء توقيته مناسبا حيث قد مر عامان على توقيع معاهده الشرف و الاستقلال .. وكان هذا هو الكتاب الاول بعد الاستقلال الى يرسم سياسه كامله للثقافه التعليميه ابتداء من التعليم الاولى الى نهايه التعليم الجامعى ملاحظا ما يجب ان يتوفر لخطوات التعيم من التناسق والانسجام متمشيا فى مراحله كلها بروح واحده تصل الى غايه ولم يكن هذا بالعمل اليسير ..

--

ولم يرسم الكتاب سياسه التعليم فحسب أو الثقافه المدرسيه لكنه تجاوزها الى ما بعد مراحل التعليم كلها .. الى ثقافه المجتمع .. الى المسرح والسينما والاذاعه والصحافه .. الى الادب والادباء.. والى واجب الدوله للبحث العلمى والنشاط الفكرى .. والى كل ما يتصل بكلمه ثقافه بكل معانيها .

ولم يكن الكتاب جديدا بموضوعه بقدر ما كان جديدا بشكله وتنسيقه .. فقد اعتاد الكتاب أن يبحثوا فى كل مرحله من مراحل التعليم على حدى وان يفصلوا بين الحديث عن الثقافه فى المدرسه والثقافه فى المجتمع واعتادوا أن يبحثوا فى كل لون من ألوان الثقافه منفردا والا يرسموا جهه محدده وغايه اساسيه من هذه الثقافات جميعا .

وقد حرص سيد قطب بعد صدور الكتاب ان يتناوله بالتحليل والنقد فى مقالاته بصحيفه دار العلوم وبدا قطب مقالاته بتحديد موقفه ان كتاب طه حسين فيه ما يوافقه عليه أشد الموافقه وفيه ما يخالفه أشد المخالفه وفيه أيضا ما احتمل الاخذ والرد ..

وتعرض سيد قطب للكتاب مناقشه وتحليلا وركز على القضيه الاساسيه للكتاب وهى مناداه د طه حسين بأن تكون ثقافتنا المستقبليه ثقافه أوربيه خالصه وأن يكون اتجاهنا الحياه أوربيا وان نتأثر بأوربا كما تاثرتها اليابان فى غير تردد وبلا انتقاء .. ويقرر طه حسين فى نحو 70 صفحه من كتابه أن مصر أمه غربيه وليست شرقيه وانها كانت غربيه منذ عهد الفراعنه حتى الان ولم تكن يوما شرقيه ولم تطق أن تكون يوما شرقيه


و هو يعنى بالغرب أوربا و بالشرق الهند والصين واليابان ..وسيلاحظ من قرأ الكتاب أن اسلوب ومهاره دطه حسين فى المناقشه وعرضه للمسأله عرضا يجر القارئ الى التسليم بالنتيجه التى يرجوها و هنا يمسك سيد قطب بالخيط ليرد على تلك النقطه فيقول بان الكتاب قسم الدنيا الى قسمين لاثالث لهما قسم تمثله الصين واليابان والهند واندونسيا وقسم تمثله فرنسا وانجلتا وأمريكا فلابد للاجابه عن سؤال الدكتور هنا ان تكون مصر أمه غربيه لانها بلا تردد تفهم الانجليزى والفرنسى أكثر مما تفهم اليابانى والصينى ويقول سيد قطب بأن وجه المسأله لابد أن يتغير ولابد ان يكون هناك قسم ثالث للدنيا يمثله الشرق العربى .. ثم يضع سؤالا فيقول علام يبنى طه حسين نظريته ان مصر امه غربيه ؟ .. وكان د طه حسين قال بهذا الرأى بناء على الحقيقه التاريخيه التى تؤكد اختلاط الثقافه المصريه بالثقافه اليونانيه وتأثير كل منهما فى الاخرى , ويشير أيضا ان مصر لم تذعن لسلطان الفرس ( الشرقى ) الا كارهه وظلت تقاومه مستعينه باليونانيين وبالتحالف بين المدن اليونانيه..

وهنا يقف سيد قطب ليقول بأن النزاع والوفاق السياسى لا يعنيان دائما نزاع العقليات ووفاقها واذا صح أن هناك اتصال بين العقليه المصريه واليونانيه وكان هناك افتراق بين العقليه المصريه والفارسيه فمثلا فى نهايه الثلاثينيات كانت اليابان والصين فى حرب طاحنه وهما فريق واحد فى رأى الدكتور وكانت ايطاليا تعادى فرنسا وهم امتان لاتينيتان أوربيتان من فريق عقلى واحد فى رأيه

ويضيف قطب بأن المستعمرات اليونانيه فى مصرالقديمه لم تكن مرضيه من المصريين وانما كان يسمح بها بعض الفراعنه المكروهين من الشعب لليونانيين المرتزقه وكان المصريون ينقمون على هؤلاء بسبب تقربهم للاغريق ويصفوهم بأقبح الصفات

وهنا لنا وقفه ولنرى ماذا يقول المؤرخين فيمايقول كلا من د طه حسين وسيد قطب فى كتاب تاريخ الحضاره المصريه والعصر اليونانى و الرومانى لد ابراهيم نصحى يقول فى ص72 (لاجدا أن اولئك اليونانين الذين وفدوا علىمصر افواجا خلال القرن الثالث قبل الميلاد كانوا طبقه منفصله عن سكان البلاد تفصلهم فوارق شاسعه عن اهليها وحين كان الاغريق يؤلفون الطبقه العليا فى البلاد و يقبضون على أعلى المناصب ويستمتعون بخيرات مصر باعتبار انفسهم اهل حضاره رفيعه دونها الحضارات الاخرى كان المصريون يؤلفون الطبقه السفلى ويشعرون أنهم سلبوا خيرات بلادهم

وفى هذا الجزء يتحقق كلام سيد قطب ولكن فى هذا الشطر سيتحقق وجهه نظر د طه حسين

فى نفس الصفحه ( اذا كان الشطر الثانى من عهد البطالمه شهد تقاربا بين المصريين والاغريق وشهد أيضا ثوره المصريين الوميه على البطالمه و الاغريق ولابد ان تلك الثورات قد حدثت أثر ذلك التقارب )

وبخصوص تأثير الدين واللغه على مستقبل الثقافه فقد أراد د طه حسين أن ينفى الوحده العقليه بين مصر والامم الشرقيه حتى الدول التى تتكلم اللغه العربيه وتدين بالاسلام فذكر ان الدين واللغه لايخلقان وحده وان المسلمين منذ أقدم العصور الاسلاميه فطنوا الى هذا بدليل الدوله الامويه فى الاندلس كانت تخاصم الدوله العباسيه فى العراق ..

وهنا يرد قطب بأن الوحده السياسيه التى برهن عليها هذا المثال والوحده العقليه التى يعنيها كلا من قطب وطه حسي وهى غير الوحده السياسيه فقد كات الاندلس والعراق على ما بينهم من نفور تعيشان بعقليه واحده أو عقليتين متقاربتين ويظهر ذلك فى انتاجهم الادبى والعلمى بل وأن ادب الاندلس تأثر بادب المشرق ويقول قطب بأن د طه حسين من غير شك يعلم هذه الحقيقه الادبيه والتاريخيه لكنه يمرق من هذه فى رشاقه وخفه الى نتيجه وهى ان من السخف اعتبار مصر جزءا من الشرق واعتبار العقليه المصريه عقليه شرقيه كالهند والصين..

وهناك أدله اخرى عرضها د طه حسين كى يدلل على صحه رأيه اذ يقول أن الاسلام لم يغير العقليه المصريه لانه اختلط بالفلسفه اليونانيه فاصبح عنصرا موافقا للعناصر المكونه لهذه العقليه لا مضادا لها ولان الاسلام شأنه شأن المسيحيه والمسيحيه لم تغير العقليه الاوربيه حين عبرت اليها فمابال الاسم يغاير المسيحيه مع أن القران جاء مصدقا للانجيل ؟

ويناقش قطب هذا الرأى ويقول ان الفلسفه اليونانيه امتدت الى الاسلام فهذا لاشك فيه لكن ينكر قطب ان الاديان تطبع الشعوب بفلسفتها وقضاياها المنطقيه مؤكد أن المؤثر الاول للاديان هو نظامها الروحى وهو تبشيرها وانذارها وهو الصوره غامضهالتى تنطبع فى نفوس اتباعها ثم هو بعد قوانينها ونظمها الاجتماعيه ان كان فيها (كما فى التوراه والقران) مثل هذه النظم

ويقول بأن طه حسين يمكن ان شيئا من هذا كله فى الاسلام قد اتفق مع الفلسفه اليونانيه .. لكن لاينبغ أن ينسى أن الخاصه وحدهم تأثروا بهذه الفلسفه أما الشعب المصى فقد اثر فيه الاسلام بخواصه تلك وطبعه بطباعه بل أثر فيه بروحه العربيه ويقول بأن طه حسين قال ان الروح العربيه من اقوى الارواح فى أمم العالم فى احدى محاضراته من محطه لندن الاذاعيه .. وانتقد سيد قطب القياس الذى ساق د طه حسين بأن مادامت المسيحيه لم تؤثر فى طبيعه العقل الاوربى فوجب على الاسلام أن يكون كذلك ففى هذا القياس توسع فضفاض فى التفسير لان الاديان قد تتفق فى ناحيه أو نواح لكنها تختلف من حيث طبيعه عقليتها وكل دارس للقران وللانجيل يدرك هذا الفرق يدركها فى طبيعه الاله وفى العلاقه بين الاله والنبى وقومه فى الاول وبينه بين النبى وقومه فى الثانى وهذه من اهم اسس الاديان .

وفى الاخير يوضح سيد قطب حقيقه فكره ويوضح مذهبه بشموليه الدين ووجوب تدخل الدين فى كل المجالات السياسه والاقتصاد والتشريع و و و فيقول ان التوراه والانجيل يحويان بعد الاهوت نظما وشرائع وحدودا دينيه واجتماعيه واقتصاديه وسياسيه بينما الانجيل يكاد يخلو من هذا كله فالمسيح عليه السلام انما جاء داعيا للصفاء الروحى والرحمه والتسامح والزهد ولكنه لم يظهر اى اشارات للنظم السياسيه او الاجماعيه .. ومن هنا يستنتج سيد قطب أن المسيحيه حين امتدت الى اوربا وصلت اليها نظاما روحيا وارشادا خلقيا لكنها لم تضع لها أسسا للتشريع والاقتصاد والسياسه كما وضع القران وحينئذ بقى العقل الاوربى يسيطر على الحياه الدنيويه ويشرع لها ويتصرف فيها فلم يتغير منه شئ مع المسيحيه أما القران فقد وضع العقل المصرى فى نطاق معين وهو نطاق التشريع القرانى ومن هنا كان لابد ان يؤثر فى هذا العقل مالا يؤثر الانجيل وان يبقى دائم الاثر حتى تتحلل منه الدوله بالتشريع الرومانى والقوانين الفرنسيه وهو مع هذا يظل شديد الاثر فى عقليه التشريع المصرى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ