الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الكردية في سوريا والاستحقاقات المصيرية

محمد رشو

2013 / 8 / 23
القضية الكردية


لطالما كانت القضية الكردية من القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، ولعل البروز الحديث لهذه القضية يمكن إرجاعه إلى أوائل القرن المنصرم، فقد نال الكرد في الشرق حقوقهم في معاهدة سيفر 1920 إلا أن النزاع الداخلي فيما بين الكرد و بروز الجمهورية التركية الكمالية، كانت الأسباب في اسقاط هذه المعاهدة و ابرام معاهدة مضادة في لوزان بسويسرا 1923 تم إقصاء الكورد فيها و توزيعهم على أربعة دول إقليمية هي العراق و إيران و تركيا و سوريا، الأمر الذي فاقم من تأزم الوضع الكردي و بروز القضية الكردية كإحدى أهم القضايا الخلافية الدولية.

أهمية القضية الكردية و صعوبة حلها تعود إلى الموقع الجيوبوليتيكي للمناطق التي قطنها الكورد تاريخيا، هذا الموقع الذي يتقاطع مع أربعة دول تتميز بمزيح إثني و ديني و عرقي قابل للانفجار في أي لحظة، بالتالي وللمصالح الإقليمية و الدولية تم الحفاظ على القضية الكردية في حالة اسبات لعدم اشعال باقي النزعات القومية في المنطقة.

إعتمد الكرد في العصر الحديث طريقتين لحل قضيتهم و نيل حقوقهم، الأولى كانت بالكفاح المسلح الذي أثبت نجاعته في الحالة العراقية بعد حالة من الاقتتال الداخلي ضمن إطار قومي ضيق، و لكن هذا الانتصار لم يكن ليأخد مكانه لولا الدعم الأمريكي، بينما أثبت هذا الحل الفشل الذريع في تركيا، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى و في آخر المطاف تم التحول إلى الحل الثاني و هو الحل السلمي.

الحل السلمي كان على الدوام المطلب الجماهيري الأساس حيث يتركز هذا الحل على الاعتراف بالوجود القومي والحقوق القومية المشروعة ضمن حدود الوطن، و اعتماد أي شكل من أشكال نظام الحكم التي تعطي للكرد خصوصية في إدارة مناطقهم كالحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية أو الفدرالية، دون وجود أي نية انفصالية لمعرفة الشعب الكردي المسبقة بالتبعات الكارثية لهكذا مطلب.

بسبب كون القضية الكوردية قضية دولية تتوزع إلى أربعة دول بالتالي لطالما كانت هذه الورقة جاهزة للعب و الاستثمار السياسي لها من قبل الدول ذات المصالح في المنطقة، فقد تم استعمالها كمصدر للخلاف و الصراع بين دول المنطقة و بالمقابل تم استعمالها كمصدر للاتفاق و المساومة على حساب الحقوق القومية الكردية، الأمر الذي جعل من القضية الكوردية قضية ساخنة على الدوام و مشكلة إضافية تضاف إلى مشاكل الشرق الأوسط.

فيما يخص الوضع الكردي السوري، فلطالما عانى كرد سوريا الإقصاء و الحرمان و السياسات الشوفينية في ظل نظام البعث، فقد صدر المرسوم الجمهوري التشريعي رقم (93) في 23 آب 1962 في سوريا في عهد رئيس الجمهورية ناظم القدسي والذي تم بموجبه إجراء إحصاء استثنائي لكرد محافظة الحسكة تم بموجبه تجريد أكثر من 300 ألف كردي من الجنسية السورية بحجة أنهم مهاجرون من تركيا أو العراق، ثم تبع هذا المرسوم الشوفيني توطين لما سمي بالعرب الغمر ضمن مشروع الحزام العربي عام 1965 و الذي تم إقراره في المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث الحاكم آنذاك و حتى الآن، وكان الحزام بطول 300 كيلومتر وبعرض 10-15 كيلومترا، يمتد من الحدود العراقية شرقا إلى رأس العين في الغرب. بُدأ تنفيذ خطة الطوق العربي في عام 1973 وتم إحضار البدو العرب و المتضررين من إنشاء سد الفرات لتوطينهم في المناطق الكردية. وتم تعريب أسماء المواقع الجغرافية في المنطقة مثل أسماء القرى.

خلال العقود التالية شهدت الحركة الكردية استكانة واضحة نتيجة الضغط الأمني و الملاحقة و الاعتقالات، كما أن أفرع المخابرات السورية تمكنت من اختراق أغلب الأحزاب الكردية و على أعلى المستويات أحياناً.

إلى أن اشتعلت انتفاضة الكرد في قامشلو عام 2004 و التي كانت مفاجئة لكل من النظام الأسدي والأحزاب الكردية على حد سواء، و لكن هي الأخرى سرعان ما تم إطفاؤها بالسطوة الامنية وبقتل و اعتقال و اغتيال الناشطين، لتعود الحركة الكردية إلى سكونها و استكانتها.

ربما تسلسل الأحداث السابقة يعطي كرد سوريا مبررا لعدم دخولهم حتى وقت متأخر في الثورة السورية المباركة التي اندلعت في 15 آذار 2011 ومازالت، إلا أن الحركة الكردية التي اعتادت التخبّط و النزاعات الداخلية و الانقسامات لم تتمكن من مواكبة التغيرات الكبرى التي تحصل في سوريا من الوقوف في وجه النظام فيما كان يعتبر من المحرمات و الكبائر.

و بسبب حالة الشك و التردد من قبل الكرد من جهة و تخبّط المعارضة السورية و عدم وجود رؤية واضحة فيما يخص الأقليات من جهة أخرى تم الإقصاء الذاتي لأغلب القوى الكردية من أطر المعارضة السورية الأمر الذي أضر بالكرد أكثر مما نفع، فالمجالس الكردية التي تم إنشاؤها كبديل كردي عن مجالس المعارضة العربية أثبتت فشلاً ذريعاً مردّه رواسب الممارسات الحزبية الخاطئة و المصالح الشخصية و المرجعيات الحزبية، فبقيت المجالس الكوردية و الهيئات عبارة عن أوراق يتم استغلالها سياسيا عند الحاجة.

نتيجة سياسية النأي بالنفس الكردية الغير معلنة حافظة المناطق الكردية على شيء من الاستقرار و الأمن، فمصالح النظام يتم تسييرها عبر حلفائه من بعض الاحزاب الكردية، و المعارضة كانت معركتها في المحافظات و المدن الأساسية و ليست في الشمال، و استمر هذا الوضع لمدة سنتين.

لكن الحالة الامنية المستتبة لم ترق للدول الإقليمية ذات الوجود الكردي، فبدأت سلسلة العبث بالمناطق ذات الغالبية الكردية، فتمت تقوية حزب الاتحاد الديمقراطي - جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا- بالعتاد و الرجال و إعطائه الضوء الأخضر في الشروع ببناء مؤسساته فيما أسماه مشروع الإدارة الذاتية، بشكل منفرد و منعزل عن باقي أطياف الحركة الكردية من جهة و المعارضة العربية من جهة أخرى، و في ذات السياق تم توجيه أنظار القاعدة في العراق و بلاد الشام بالإضافة إلى جبهة النصرة و بعض كتائب الجيش الحر المخترَقة إلى المناطق الكردية و اختلاق العداء فيما بينها و بين وحدات حماية الشعب الكردية.

تتزامن الأحداث العسكرية في المناطق ذات الغالبية الكردية مع سلسلة لقاءات سياسية فيما بين رؤساء الأحزاب الكردية الرئيسية و الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية على أمل أن يتم توحيد أبناء الوطن الواحد في إطار معارض واحد شامل و ضامن لحقوق كافة الأقليات، الامر الذي سيعتبر بالتأكيد مكسباً للشعب السوري ككل، كما أنه سيفشل مخططات النظام التي تهدف إلى إظهار نفسه على أنه ضامن لحقوق الأقليات و سياسة اللابديل التي لطالما تبجّح بها في ظل تفرّق المعارضة السورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة