الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الفقر- و-وعي الفقر-.. -الطاغية- و-شيخ الطاغية-!

جواد البشيتي

2013 / 8 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جواد البشيتي
إنَّه لقولٌ عظيم المعنى لقائلٍ لا يَقِلُّ عَظَمة.
"الفقر لا يصنع ثورة؛ إنَّما وعي الفقر هو الذي يصنع ثورة. الطاغية مهمَّته أنْ يجعلك فقيراً؛ وشيخ الطاغية (أيْ رَجُل الدِّين) مهمَّته أنْ يجعل وعيكَ غائباً". ماركس
أنْ تعي أنَّكَ فقير فهذا ليس بـ "وعي الفقر" الذي يصنع ثورة؛ والفَرْق بين "الفقير" و"الغني"، بين "الفقر" و"الغنى"، إنَّما هو نفسه، لجهة وضوحه، الفَرْق بين "الليل" و"النهار"؛ وإنَّ إدراك هذا الفَرْق لا يُكْسِب مُدْركه صفة "الذكاء"؛ فحتى كلاب وقطط الشوارع تميِّز مزبلة الفقير من مزبلة الغني.
أنْ تعرف الشمس على أنَّها مَصْدَر للضوء والحرارة، فهذا ليس بـ "وعي للشمس"؛ فوعي الشمس إنَّما هو وعي سبب ضوئها وحرارتها. هو أنْ تعي "الاندماج النووي" في باطن هذا النجم على أنَّه المُولِّد لضوء وحرارة الشمس.
ووعي الفقر إنَّما هو وعي سببه، ووعي هذا السبب على أنَّه هو أيضاً سبب الغنى؛ فهذا الفقر من ذاك الغنى، وهذا الغنى من ذاك الفقر.
و"الطاغية" الذي يتوفَّر على جعلكَ فقيراً ليس شخصاً فحسب. وينبغي لنا أنْ نفهم "الطاغية" على أنَّه "طريقة في الحكم" تسمح لفئة من الناس، على شكل هرم، بالاغتناء من طريق إفقاركَ؛ وإنَّ غاية "الاستبداد"، استبداد هذا "الهرم"، رأساً وقاعدة، هي "امتصاص دمكَ"، بطرائق شتَّى، منها "الضرائب"، التي هي مال تستجمعه الدولة من الشعب لتنهبه وتسرقه تلك الفئة.
"الطاغية (شخصاً وفئة اجتماعية)" لا مهمَّة لديه إلاَّ جعلك فقيراً، تزداد فقراً، حتى يغتني هو، ويزداد غنىً. وهذا "الطاغية" يحتاج إلى "رَجُل الدِّين"، الذي يُنْعِم عليه بشيء من المال الذي نهبه وسرقه من الشعب من أجل أنْ يؤدِّي، ويُحْسِن تأدية، مهمِّته، والتي هي أنْ يجعل وعيكَ (أنتَ الفقير) غائباً. إنَّه بإحضاره "وعياً آخر" في رأسكَ يُغيِّب وعيكَ (وعيكَ السبب الحقيقي لفقرك).
"شيخ الطاغية"، أو "رَجُل الدِّين (أيُّ دين)"، يشرع يُزيِّن لكَ فقركَ، وينفث في روعكَ أنَّ الفقر أمْرٌ حتمي وطبيعي ولا مهرب منه، وأنَّه أزلي أبدي؛ فالله أراد للناس جميعاً أنْ ينقسموا هذا الانقسام (الأزلي الأبدي). الله هو موزِّع الأرزاق؛ هو الخالق لفقر الفقير، ولغنى الغني؛ وليس من صلة سببية بين فقر الفقير وغِنى الغني. الله جعل الناس طبقات (طبقتان اثنتان قد تتوسطهما طبقة ثالثة). لقد أعطى لفئة ضئيلة من الناس حصة الأسد من ثروة المجتمع، وأراد أنْ يرى في هؤلاء (في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم..) آثار نعمته. وأعطى ما بقي من ثروة المجتمع للشعب، أيْ للغالبية العظمى من الناس؛ لكنَّه دعا الذين أغناهم إلى البرِّ والإحسان والتصدُّق..
وينبغي للفقير (ولو ازداد فقراً، وتضوَّر جوعاً) أنْ يحمد الله على هذا المكروه، والذي فيه اختبار وامتحان من الله لإيمان، وصلابة إيمان، الفقير. ينبغي له ألاَّ يتذمَّر ويتمرَّد ويثور..، وإلاَّ كَفَر، وكُفِّر. وينبغي له ألاَّ يَنْظُر إلى غنى الغني على أنَّه نتيجة لفقر الفقير؛ فالغني أغناه الله، والفقير أفقره الله؛ أمَّا ثورة الفقراء فهي رجس من عمل الشيطان، وعصيان يعدل عصيان إبليس.
ينبغي للفقير أنْ يرضى ويقنع، وأنْ يحمد ربه دائماً على ما ابتلاه به من فقر وعوز وفاقة وجوع وحرمان؛ أمَّا إذا أراد غنىً بعد فقر فعليه أنْ يُكْثِر من الأدعية والصلوات، وأنْ يجتنب طريق الشيطان، أيْ الثورة والتمرد..؛ فلا فَرْق تقبله السماء بين البشر إلاَّ الفرق في التقوى؛ وما الدنيا إلا متاع الغرور، وإنَّ الآخرة لخير وأبقى.
أنْ يغتني الفقير من مال الغني (من طريق الثورة، لا من طريق الصدقة) فهذا إنَّما هو السَّرقة بعينها؛ أمَّا أنْ يغتني الغني من فقر الفقير، ومن تماديه في إفقاره، فهذا إنَّما هو الغنى الحلال بعينه.
على الفقير أنْ يرضى العيش إلى أبد الدهر في وادي الدموع، يجوع ويتعذَّب ويحزن ويبكي.. في الدنيا، ليشبع ويرتاح ويسعد ويضحك.. في الآخرة؛ عليه أنْ يصبر ويتحمَّل ويكابد ويقاسي ويعاني، معلِّلاً نفسه بجنَّات عدن تجري من تحتها الأنهار، وبالحور العين، وبسائر الملذَّات التي حُرِم منها في الدنيا الفانية.
سَلِّمْ بفقركَ الذي كتبه الله لكَ؛ لكنْ إيَّاكَ أنْ تَقَع في شروره الأخلاقية؛ فلا تسرق، ولا تثور، ولا تتمرَّد. وإذا كان الجوع كافراً، فلا تكفر، وإلاَّ خسرتَ الدنيا والآخرة.
بهذا الوعي (والذي لم نَذْكُر منه إلاَّ غيضاً من فيضه) يُحْكِم "شيخ الطاغية" قبضته (وقبضة سيِّده) على عقلكَ، فيجعلك عدوَّاً لنفسكَ؛ عدوَّاً لحقوقكَ، ولمصالحك الحقيقية (الواقعية، الأرضية، لا الوهمية).
أمَّا "الشرطي الأرضي"، والذي لا يثق كثيراً بأهلية "الشرطي السماوي" المزروع في عقول الفقراء، فيجتهد دائماً في إتمام مهمَّة "شيخ الطاغية"؛ فهو أذكى من أنْ يُصَدِّق أنَّ الجوع يمكن أنْ ينزل على الجائع برداً وسلاماً.
الفقر + استبداد "شيخ الطاغية" بعقول الفقراء = جَعْل الفقراء أغناماً
الفقر + الوعي الحقيقي للفقر = الثورة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف استفاد نتنياهو من هجوم 7 أكتوبر؟


.. بايدن يتمسك بالترشح وسط عاصفة جمهورية لإزاحته




.. تصاعد الدخان مع تبادل إطلاق النار بين الاحتلال وحزب الله على


.. مظاهرات أوروبية متجددة للمطالبة بوقف الحرب على غزة




.. انفجار بمصنع للألياف الكيميائية في الصين يولد حريقاً هائلاً