الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قصور الخطاب العلماني العربي ج 2 /2

حمزة رستناوي

2013 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يمكن اختزال العلمانية التي تناولها الجزء الأول من المقال بالعلمانية الجزئية – وفقا لتعبير عبد الوهاب المسيري - مقابل العلمانية الشاملة. و في هذا الجزء من المقال هنا سأعرض للأسباب المحتملة لفشل الخطاب العلماني العربي :
أولاً :عدم تقديم نماذج ايجابية تقنع الناس بجدوى و فائدة النظام العلماني في الحكم في المنطقة العربيّة , فقد ارتبطت العلمانية – عن حق - في ذهن عموم الشعوب العربية بالاستبداد و الظلم , فنظام البعث في العراق و في سوريا علماني , و نظام بورقيبة و خلَفَهُ زين العابدين بن علي في تونس علماني , و مصر الناصريّة علمانيّة , و نظام الحاكم في اليمن الجنوبي قبل الوحدة القسريِّة علماني ..الخ و كلّها نماذج لأنظمة تسلّطية قمعية فاسدة , لم تقدّم لمواطنيها من العلمانية سوى قمعهم و التضييق على حرَّيتهم باسم العلمانيّة.
و هنا أعود للنقطة التي طرحُتها سابقا في ضرورة ربط العلمانية بمنظومة الدولة الديمقراطية الحديثة و المواطنة و احترام حقوق الانسان , و للأسف من بين جميع النماذج العربية للحكم الملقّب ب : " العلماني " لا نجد نموذجا ديمقراطيّا واحدا يُحتذَى.
ثانياً : عدم تقديم نماذج ايجابية فيما يخصُّ احترام الدولة للحرّيات الدينية , و مبدأ حياديّة الدولة تجاه عقائد مواطنيها , بل نجد أن النماذج العربية السابقة في الحكم , و في نماذج عديدة أخرى , لم تحارب هذه الأنظمة الاحزاب الدينية التي كانت تعارضها فحسب , بل قامت بالتضييق على الحريات الدينية و التمييز ضد المتدينين و تهميش مجتمعاتهم , في معظم النماذج السابقة أصبحت معاداة الدين " الاسلام السنّي " تعادل العلمانيّة , و شيئا فشيئا أصبح العلمانيون السلطويون و ملحقاتهم من المثقّفين أشبه بطائفة دينية متطرّفة تحمل توجّهات معادية للدين.
و في بلدان مثل سوريا , قام النظام الأسدي الاستبدادي باستخدام العلمانيّة البعثية كواجهة أخفت ورائها الطبيعة الطائفية لممارسات النظام في علونَة المؤسسة الأمنية و العسكرية , و نتساءل هنا كيف يمكن لنظام علماني أن يجلبَ مليشيات طائفية من العراق و لبنان لتقتل مواطنيه , و كيف لنظام علماني أن يميّز بين مواطنيه على أساس الدين ؟!
إذا العامل الأهم في فشل التجربة العلمانية في الحكم كان عدم تقديم نماذج ايجابية تُحتذَى تُقنع المواطنين بفوائد العلمانية , و يمكن تفسير هذا الامر – و ليس تبريره بكون الانظمة العلمانية كانت في معظمها ذات ايديلوجية يسارية قومية , و لم تكن علمانيتها خارج اطار الأدلجة و الأحاديّة .
ثالثاً : استحضار النموذج الاستعماري و النموذج الشيوعي للعلمانية.
فقد ارتبطت العلمانية بالحقبة الاستعمارية و الأنظمة التابعة التي حكمت الكثير من البلدان العربية عقب الجلاء , فالدول المستعمرة هي دول علمانيّة , و قد حاولت هذه الدول فرض نفوذها و مقاومة قوى التحرر الوطنية بتسخيف عقيدة الشعب و ثقافته , بمبرّرات العلمانية , و قد نشأ نتيجة ذلك ربط شرطي بين الاستعمار الغربي و العلمانية , فالعلمانية ليست سوى مؤامرة حاكها الغرب ضدّنا!
و كذلك ارتبطت العلمانية بالفكر و الأحزاب و النظم الشيوعية , و قد قدّمت هذه الاحزاب و مثقّفيها نماذج مدّعية للعلمانية , صوّرت نفسها كقوى تقدّمية حضاريّة مقابل القوى الدينية المتخلّفة من وجهة نظرهم , لا بل إن الكثير من الشيوعيين العرب لم يعرفوا من الشيوعية سوى العداء و الكراهية للدين عموما و الاسلام خصوصا و لا أعمّم هنا .
و تعقيبا على استحضار النموذج الاستعماري نقول:
إن الظاهرة الاستعمارية بحدّ ذاتها تناقض مبادئ الدولة الديمقراطية العلمانية القائمة على المواطنة المتساوية و احترام حقوق الانسان , فالغرب هنا يناقض مبادئه التي يُبشّر بها , و قد لجأ الغرب إلى استخدام العلمانية كعادته – و من وجهة نظر انتهازية – كأداة للهيمنة , و منه قام الانكليز بدعم انظمة حكم قبلية دينية موالية لهم في العالم العربي , و كذلك استخدم الغرب التبشير المسيحي كسلاح لبسط الهيمنة الثقافية , رغم أنّ الدول الاستعمارية الغربية تقوم على اساس العلمانية التي تفترض حياديّة الدولة تجاه الدين .باختصار العلمانية عند عزلها عن سياق الدولة الديمقراطية و المواطنة و احترام حقوق الانسان تصبح أداة قابلة للتوظيف المتناقض. و لا ينبغي لعاقل و صاحب قلب سليم رفض فكرة من مبدأ الجكارة بالاستعمار ؟!
و تعقيبا على استحضار النموذج الشيوعي نقول:
إن الماركسية التقليدية بحدّ ذاتها عقيدة سلفية , و إن قدّمت نفسها بغير ذلك من علم العلوم إلى الحلقة الاخيرة من تطور البشرية..الخ. و إذا كان محرّما في أنظمة الاستبداد الديني عدم الايمان أو الكفر بالله , فأنظمة الاستبداد الشيوعي تحرّم الايمان بالله , و كلا النمطين من أنظمة الحكم يتساويان في عقيدة الاكراه و الوصاية و مخالفة المبدأ الفطري العظيم الذي جاء به القرآن الكريم " لا إكراه في الدين ".

رابعاً : تشويه الخطاب الديني للعلمانية و شيطنتها .
إنّ معايير النزاهة و الأمانة العلمية تُلزم أي رجل دين أو مثقّف بتقديم العلمانيّة للناس و توصيفها وفق ما استقرّ عليه علم السياسة , و التجربة التاريخية البشرية للعلمانية , و عدم التعميم , فالعلمانية هي الفصل بين الدين و السياسة , لمنع استغلال الدين لأغراض سياسية و منع استخدام آليات الدولة للترويج لفكر دين أو مذهب أو طائفة دون غيرها , و فالعلمانية من ناحية المبدأ لا تعادي الدين , و هي أبدا ليست بدعوة إلى الكفر و الالحاد , و هي ليست معنيَّة بسلب دين الناس و معاداة المتدينين , هي ببساطة آلية اجرائية للفصل بين الدين و السياسة و ذلك لمصلحة الدين و مصلحة السياسة و الأمّة عموما.
الخطاب الديني الشعبي و معظم تيارات الاسلام السياسي تصف العلمانية بالكفر , و تصف الفرد العلماني بالكافر , و تصف العلمانيّة بكونها مؤامرة على المسلمين , أو أنّها غريبة عن المجتمعات العربية الاسلامية و لا تناسبنا..الخ في تناسي أو اخفاء أو تضليل للناس حول حقيقة و فائدة العلمانية في حل الاشكالات السياسية التي تعاني منها مجتمعاتنا.
و حتّى الآن ما زال خطاب الاسلام السياسي يرفض العلمانية , و يرفض الاستفادة من الميزات التي تقدّمها للمجتمعات الاسلامية و امكانيات بناء دول مستقرّة قائمة على المواطنة المتساوية , و تأسيس أوطان كريمة.
إنّ عقيدة الولاء و البراء ببعدها الاجتماعي و النفسي و السياسي تتنافى و تشكّل النقيض للدولة الديمقراطية العلمانية " دولة المواطنة المتساوية " و إنّ المدخل الصحيح لتقبّل العلمانية و الاستفادة من ايجابياتها هو في النقد الذاتي و تفكيك هذه المقولة العنصرية المتهافتة معرفيّا و التي تعاكس منطق الحياة , و حلم البشر بالعيش المشترك , و هي قبل ذلك تناقض الفهم الحيوي للإسلام و قيمه العالمية.
* سأثبت نماذجا لموقف لرجال دين - ممن يحظون بالشعبية - من العلمانية:
1- "على حسب عقيدة الولاء و البراء والتي هي اساسية في العبادة والتوحيد عند كل مسلم حق بالله عز وجل فعلى كل مسلم اعلان معاداته وحربة على كل علماني ومجوسي نحس مختبئ تحت جلد شيعي ابن متعة "
أيمن الظواهري – من شريط مسجل بعنوان - صنم العجوة الديمقراطي – رسالة للمصرين.
2- " العلمانية ما هي إلا جاهلية اشد من جاهلية القرون الاولى"
الشيخ كشك يعرف العلمانية – تسجيل صوتي على اليوتيوب .
3- "الليبرالية و العلمانية ضد الاسلام لأنهما يجعلان الحكم للبشر - العلمانيين و الليبراليين ليسو مسلمين "
شيخ الأزهر علي جمعة – جيل صوتي على اليوتيوب .
4-"إن العلمانية بمعيار الدين دعوة مرفوضة ، لأنها دعوة إلى حكم الجاهلية ، أي إلى الحكم بما وضع الناس ، لا بما أنزل الله. وبهذا تناصب العلمانية العداء للدين ، أعني للإسلام ، الذي أنزله الله نظاما شاملا للحياة ، كما أن الإسلام يناصبها العداء أيضا،إنها دعوة تتعالم على الله جل جلاله! وتستدرك على شرعه وحكمه! كأنها تقول لله رب العالمين : نحن أعلم بما يصلح لنا منك"
الشيخ القرضاوي – من مقال بعنوان : العلمانية ضد الدين.
5-" المسألة هنا ليست مسألة آراء هيئات وتشكيلات معينة ، المسألة مسألة الإسلام ذاته ، موجودًا أو غير موجود .. الدولة مسلمة أو غير مسلمة .. الدولة مسلمة ؛ إذن لا محيص لها من تنفيذ الشريعة الإسلامية بمبادئها العامة مصدرًا لكل تشريع جديد يحتاج إليه المجتمع المتجدد ، لا في الأحوال الشخصية ، "ولكن في العقوبات والمدنيات سواء ".. الدولة لا تنفِّذ القانون الإسلامي ؛ إذن فهي داخلة في النص القرآني الصريح : ﴿-;- وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)﴾-;- (المائدة)، ولا وسط بين الطرفين!."
سيد قطب - خطاب مفتوح إلى معالي وزير الخارجية : فصل الدين عن الدولة
*ملاحظات سريعة حول النماذج السابقة:
أولاً : ينظرون للإسلام كصفة لسلطة و كصفة للدولة و كصفة لحزب , و ليس كعقيدة يؤمن به الانسان , أو كعقيدة تتفاعل مع الابعاد الاخرى للمجتمع لإنتاج ثقافته.
ثالثاً : ينظرون إلى العلمانية كعقيدة و دين منافس للإسلام , و ليس كإجراءات أو وسيلة لتحقيق الدولة القائمة على المواطنة المتساوية و شريعة العدل .
ثالثاً : تدعيم وجهات نظرهم بتفاسير و قراءات انتقائية منغلقة تقيّد دلالات النص.
رابعا : عدم التَفَكُّر في تجار الامم و البشر السياسية خلال القرون الثلاثة السابقة و نجاح نماذج الدولة الديمقراطية العلمانية عبر العالم
خامسا : الانكفاء على التاريخ العربي الاسلامي دون غيره , و التميز الجو هراني بين المسلمين و غيرهم , و اهدار البعد التاريخي للدولة , ففي القرون الهجرية الاولى لم تكن فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة على المواطنة قد ظهرت بعد, و كان الطابع العام للدول حول العالم ذات مشروعية عائلية او دينية قائمة على القهر و الغلبة , و بهذا المقياس قدّمت المسلمون في تاريخهم نماذج متفوّقة و متجاوزة كدولة المدينة و تجارب الخليفة عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز و لكنّها لم تشكّل نسقا عاما و مستمرّا.
* نماذج لموقف سياسيين "اسلاميين " متقبِّلة و مرحّبة بالعلمانية:
1-" أن العلمانية ليست إلحادا , وأنها مجرد شكل إجرائي لحل الخلافات بشكل ديمقراطي في الدولة"
راشد الغنوشي " مؤسس حزب النهضة في تونس " - جريدة الصباح
2- الدول العلمانية لا تعني اللا دينية وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه ...و العلمانية ليست صفحة للفرد انما هي صفة للدولة ..و أنا أنصح المصريين بصياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية"
رجب طيب أردوغان – رئيس حزب العدالة و التنمية و رئيس الوزراء التركي
و في الحقيقة إن الغنوشي كان رافضا للعلمانية في البداية لم تتطور لديه فكرة تقبّل العلمانية الا حين غادر تونس و عاش في اوربا و تعرّف على التجربة السياسية العلمانية لديهم و ايجابياتها.
و إن الجدال الحاد في الاوساط الاسلامية حول العلمانية ليس وليد اليوم بل يعود لحوالي قرن من الزمن عندما كتب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق كتابه " الاسلام و أصول الحكم " 1925 م و ذكر فيه " بأنه لا يوجد في النصوص الاسلامية المقدّسة ما يلزم المسلمين بإتباع نموذج الخلافة بالحكومة الدينية , و أن بإمكانهم اختيار النظام السياسي الذي يناسبهم"
&








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ