الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة التعليمية في المغرب: من أجل بديل ممكن

المريزق المصطفى

2013 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المسألة التعليمية في المغرب:
من أجل بديل ممكن

المريزق المصطفى، جامعة مولاي اسماعيل بمكناس

ربما كنا محظوظين في زمن ودعناه بدون رجعة، و لم يبقى لنا منه سوى بعض الذكريات الجميلة التي طوتها الأيام هي الأخرى.
أحببنا فيه، حتى الثمالة، نور العقل وشعاع القيم، في زمن كانت تطغى فيه الاهتمامات الأدبية على الاهتمامات الفكرية و الإيديولوجية، و في زمن كان الفن بكل أنواعه مصدر ثقافتنا وإلهامنا، و غذاء روحنا، و كان الاهتمام بالفكر تطلعنا.
كان للثقافة بشكل عام، جمهورا عريضا تلتقي فيه الشرائح و الطبقات لتسبح في عالم القصص و المسرحيات و الروايات و الموسيقى و الرسم، طمعا في تهذيب الذوق و صقل السلوك و تنمية المعرفة، من دون أن تكن هناك أدنى عقدة و لا مفاضلة في العلاقة بهذا المثقف أو ذاك...
في نهاية الحكاية، لم نكن سوى جيل جديد لا نريد أن يكون فيه لا عبد و لا سيد...
صدارة الأدباء و الفنانون الملتزمون، جعلت جيلنا يتخذ كل ما أنتجوه هؤلاء راية لخوض معارك الحياة الثقافية و السياسية و الإجتماعية، بعيدا عن أي استئصال أو حقد.
أما لماذا كانت الساحة الثقافية تستقطبنا و تجذبنا أكثر، فلأن جذورها كانت جذورا شعبية. و هكذا نشأ بيننا تلاميذ و أتباع مدارس فكرية و معجبين سطحيين بهذه الاتجاهات الفكرية أو تلك، في غياب نهضة فكرية و علمية مغربية.
كذالك الشأن بالنسبة للتوجهات الأكاديمة، كانت الجامعة المغربية تستقطبنا و تجلبنا كل فظاءاتها، كانت تضم أكاديميين مرموقين، لكن لم تستطع تكوين قاعدة شعبية، باتجاهاتها الفكرية و معرفتها النظرية و مناهجها و تصوراتها للمساهمة في بناء المستقبل.
نعم، الدولة مسؤوليتها ثابتة في هذا الباب، كانت تحمل تصورا أنانيا للمنظومة التعليمية، و جعلت التعليم في خدمة مصالحها. لم تفكر في التربية و التكوين و البحث العلمي، و لا في فضاء المعرفة الضروري للتأهيل المتخصص. الدولة تملصت من مسؤوليتها طوال عقود من الزمن، بل شرعنت سياسة تعليمية بدون مقومات علمية، و من دون استراتيجية تعليمية متكاملة.
و من ناحية أخرى، لا شك أن السمة العامة التي ميزت رد الفعل على الدولة، لم تكن هي الأخرى في مستوى المواجهة و طرح البديل، لم تتعدى عتبة النقاشات الإيديولوجية حول المسألة التعليمية عامة و المدرسة المغربية خاصة، والتي أبانت فيما بعد عن عدم قدرتها على الاجتهاد و المواكبة و اكتفت في آخر أيامها برفع شعارات سياسية لا مضمون علمي و تربوي لها.
إن الإيمان بالمشروع الماركسي كبديل مثلا، لم يكن وحده كافيا لتكوين مدرسة وطنية و مؤسسات ديمقراطية و برامج ومناهج علمية، مما جعل المحافظين و الحركات الدينية يتسللون رويدا رويدا، إلى منابع صناعة البرامج للتأثير عليها باسم الخصوصية الدينية للمجتمع المغربي، و هو ما كان سببا في تقوية التيارات الدينية و جعلها تفرخ يوما بعد يوم.
إن الدول التي جعلت من المدرسة مشروعا مجتمعيا، وورشا و طنيا، استطاعت أن تنتج اجتهادات تنظيرية جريئة على صعيد مجتمعاتها و منظومة فكرها ككل، و ليس فقط على صعيد المدرسة. و مثال اليسار التقدمي في فرنسا و ايطاليا و اسبانيا، نموذجا ساطعا على ما نقول. حيث جدد اليسار هناك فكره وأدخل عليه تعديلات نظرية أساسية جذرية أحيانا، كرفض مبدأ دكتاتورية البروليتاريا و امكانية الوصول إلى السلطة عن طريق المؤسسات الديمقراطية البورجوازية و غير ذلك من تجديد الأفكار، و هو ما أعطى للديمقراطيين و الحداثيين في هذه البلدان امتدادا أفقيا و رأسيا في مجتمعاتهم.
في المغرب، دفع الماركسيون الثمن غاليا من أجل المبادئ و القيم. قاموا بجهود ضخمة و جبارة من أجل توسيع القاعدة الجماهرية في صفوف مكونات المجتمع، لكن لم يستطيعوا ذلك. أما النهج الديني، فقاعدته موجودة تاريخيا و ممتدة على أوسع نطاق.
طبعا، ضاق اليسار المغربي الحنظل في العديد من المناسبات، و تم ضرب أفكاره و اعتقال أطره، و التضييق على كافة منافذه، و هو ما زاد قوة للنهج الديني الذي استفاد ماديا و أدبيا من الوضع، حيث قصد الجامعات ل"تحريرها" من التقدميين و العلمانيين وغير المتدينين.
كما تم إضعاف رجل التعليم، بهدلته، و تمت مصادرة مكانته الإجتماعية، و أصبح موضوعا للسخرية و النكت و الضحك و الفكاهة، و قفشات المغاربة، صغيرا و كبيرا.
في نفس الآن، سمح للتيارات الدينية في الجامعة للتعبير و المطالبة بجعل الشريعة هي المصدر الرئيسي و الوحيد لأحكام الدستور، و هكذا.. ظلت القضية التعليمية رهانا مأزقيا بالنسبة لكافة الفاعلين الأساسيين في المجال. أما الدولة فاستمرت في تعاملها مع التعليم، لزمن طويل، بمنطق الحيطة و الحذر، لكي لا نقول بمنطق عدائي، كما استمرت في نهج سياسة منفعية، خاضعة لصناع القرار و لتوصيات صندوق الدولي و غيره.
و اعتراف رئيس الدولة اليوم بفشل التعليم ببلادنا، يعد صراحة اعترافا منصفا لرجل التعليم، و لمكوناته النقابية ثانيا، و للفاعلين الأساسيين في الميدان، و للباحثين و المختصين و المهتمين و الإعلاميين و غيرهم من الذين ينتمون لعالم المدرسة من قريب أو بعيد.
لكن، هل يكفي الاعتراف بالأزمة؟ طبعا، لا. فما العمل؟
سؤال كبير و عريض، لن يدعي أي كان الجواب عليه. و في انتظار ذلك، لابد أن ننضج أفكارنا و تصورتنا حول المسألة، و ذلك فيما يخص ثلاث محاور على الأقل:
المحور الأول، هو اعتبار اعتراف رئيس الدولة بفشل التعليم في هذا الوقت بالذات شيئا ايجابيا، و أنا دعوة الملك لإصلاح المنظزمة التعليمية، هو استعداد ضمني للمشاركة في تغيير ملامح الأزمة و المشاركة في بناء مشروع تعليمي جديد يجعل من المدرسة مختبرا لتعلم "المهارات" و ليس مدرسة تضمن الخضوع للإيديولوجية المسيطرة، و التحكم في ممارستها.
المحور الثاني، هو رد الاعتبار لرجل التعليم، و الرفع من قيمته و احترامه و مده بكل المقومات الأساسية ليؤدي رسالته على أحسن ما يرام.
المحور الثالث، مسؤولية و مشاركة الفاعلين الأساسيين من رجال التعليم، و الفكر و الثقافة و الإعلام، و النقابات و الجمعيات المهنية و الطلابية، و جمعيات المجتمع المدني، و الباحثون التربويون، و الآباء و الأولياء، في كل أطوار الحوار/الحوارات الوطنية حول إصلاح عام و شامل لرد الاعتبار للمؤسسة التعليمية، و التمييز بين المدرسة التي تضمن قوة العمل و المدرسة التي تضمن تكوين الإيديولوجيين من جهة، و المدرسة التي تنتج العلم و المعرفة و شروط إنتاج الثروة و تحقيق التنمية الشاملة و المستدامة، من جهة أخرى. و هذا الورش لا يمكن تحقيقه إلا إذا:
+ تخلت "الدولة العميقة بكل مكوناتها الإدارية و الدينية" عن جعل التعليم جهازا إيديولوجيا للهيمنة و السيطرة و الاستلاب،
+ وضعت بنيات التعليم الأساسية خارج الرهانات الحزبية و السياسات الضيقة، و المساومة،
+ عمم التعليم العمومي عل قاعدة توافق مجتمعي، ووفق معارف علمية و عقلانية و مناهج تربوية حديثة تراعي واقع التحولات و لا تخضع للتصنيفات السياسوية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل