الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الجمال

حمودة إسماعيلي

2013 / 9 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا شئت أن تلقى المحاسن كلها * ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
¤ أبو العلاء المعري

يرتبط الجمال بالنساء أكثر منه بالرجال، فبما أن المجتمع يُبنى على اسس اقتصادية، فإن الأهمية تلحق طبعا بذوي وسائل الإنتاج وإعادة الإنتاج، ما يعني أن الأهمية ترتبط بذوي المكانة الأعلى اقتصاديا. وبما أن تلك الوسائل حازها الذكر ممثلا لسلطة النظام، فإن جمال الذكور ارتبط بقيمتهم الاقتصادية، وحتى بانتقالنا للأدب التاريخي باعتباره مؤثرا في عقلية العامة لتندمج رسائله في تفكيرهم دون وعي لذلك حتى. فنحن بهذا نرى حتى البطل الفقير (كممثل للوسامة الذكورية) في القصص الخرافية، يتضح غالبا انه ابن الأمير في نهاية القصة، وفي حالة لم يكن كذلك فإنه نظرا لأنه بطل سيحقق تبعا لأحداث بطولية في القصة، تغييرا على مستوى الاقتصاد والمكانة الاجتماعية ليضمن لنفسه ولحبيبته سعادة وحياة لائقة. فنلمس أنه ارتبط بتاريخ الجمال الذكوري، ميلان المجتمع نحو رؤيته من جانب اقتصادي أكثر من رؤيته من جانب خِلقي (الشكل). وهو ما نراه بأوضح صورة في قصة النبي يوسف الدينية، باعتباره أنه من أجمل المخلوقات الإنسانية ليظل هذا الأمر مجرد تلميحات في قصة ستُركّز على مسيرته من مستملك فقير إلى وزير للدولة ذو شأن.

ومنه اعتبرت الأنثى، متطلب من متطلبات الرجل في تحقيق البطولة. كيف ؟
بما أن البطولة اشارة للتفوق، فإن الرجل اهتم بالتفوق على الأقران في جميع الجوانب، من ذلك الحصول على أجمل أنثى. وبالعودة للقصص التاريخي، فإن البطلة(مرافقة البطل) كانت غالبا أجمل النساء. من ذلك نكشف سبب صراع الذكور ومنافستهم على الأنثى الجميلة، وكما بتعبير الشاعر رسول حمزتوف .. "شيئان في الدنيا يستحقان المنازعات الكبيرة : وطن حنون وامرأة رائعة". مهما اختلفت المجتمعات في مفهوم الجمال رغم أن الاختلاف طفيف، فالاتفاق كان دائما حول تعريف الجمال بأنه تعبير عن التناسق.. تناسق أجزاء الجسد الإنساني وتناسق ملامح الوجه، وهو الذي يعتبر غالبا أهم شيء في الأنثى.

لذلك.. فإن الفخر الذي سيمنحه الرجل لنفسه بارتباطه بأجمل الإناث، ليلف الاهتمام بهاته الأخيرة ويحيط بها الاعجاب وسعي الجميع لإدهاشها كرغبة للتقرب. وهذا طبعا يُسعد أي انثى. لكن !
بما أن الأنثى لها رغبة للارتباط بنوع محدد ومواصفات خاصة، فإنها تجد نفسها لا تستقطب سوى الأوغاد والرعاع، ورغم الصد فإن مثل تلك النوعية تزيد من الحاحها كفرصة لاظهار الإصرار والتحدي نظراً لصعوبة الغنيمة التي سيتم الحصول عليها.. ما لذلك من عوائد الفخر والاعتزاز بالنفس.
هنا قد يصبح جمال الأنثى لعنة، لأنه يجتذب كل من هب وذب فتشعر كأنها ليست سوى قطعة سكر، ليس لها من دور سوى امتصاصها "ويا ليت من يمتص شخص يستحق" ! ليقدّر (على الأقل) ما يمتص، وليس مضطرب جنسي يبحث عن تعويض لوضاعته على أجساد بلوّرية.

رغم ذلك فإن الإحساس الناتج عن لعنة الجمال، ليس كإحساس الأنثى الغير جميلة، والتي قد ترى نفسها غير مرغوبة أو ليست لها فرصة بين الأخريات. زيادة عن الشك وعدم الثقة بالنفس، فحتى ابداء الإعجاب ودعوات التقرب منها قد تفسرها كلجوء المعجبين لها كآخر فرصة، نظرا لرفضهم من قبل الجميلات، أو الأسوأ أن تفسر ذلك على انها تُعتبر أداة للتفريغ جنسي لدى المكبوتين ليس أكثر ! . "المشكل.. ياصغيرتي ليس في ترتيب حروف خريطتك الجينية، بل هو في أفكار المجمتع الغير مُرتبة، وعقلية الجمع الفوضوية".

الجمال مفهوم نسبي ولا يربط بالضرورة بالجسد، ففي مسابقات ملكات الجمال، سيعجز أي شخص عن تحديد الأجمل فيهن شكلا، لدى فإن التحكيم ينطلق في تحديده للأجمل من عدة معطيات تتداخل، منها الهواية والمستوى الثقافي واتقان اللغات والموهبة الفنية الخ. ما يعني أن الملكة المتوجة ليست بالضرورة أجملهن شكلا، فقيمة الجمال هنا لم تعد تتعلق بتكوّر الردفين وصلابة الثدي وانتفاخ الشفتين (فجميعهن يمتلكن هذه المواصفات) بل بالشخصية والعقل كذلك. والشخصية والتصرفات كثيرا ما تطغى على صورة الإنسان فتجعله يبدو أجمل، أو تجعله يبدو أبشع.

دون أن يغفل عنا أن كثيرات من المُشاركات بمسابقات الجمال، كبرن داخل مصحات تجميلية. ما يجعل المنافَسة تدور حول لقب ملكة الجمال "المزيّف".. ملكة الجمال الصناعي !!.

ننتقل لنقطة مهمة، وهي حول بعض الذكور الذين يقومون بمقارنات بين الأروبيات والعربيات للسخرية وتحقير الأخيرات، ويمكن أن نشبه الواحد منهم ب"قط لا يستطيع الحصول علي قطعة لحم، فيبرر ذلك بأن للحوم رائحة كريهة !" .. وكذلك فإن النوعية التي يشملها الحديث، بما أنها تعاني من نقص عاطفي من جهة النواعم، ونظرا لتعرضها ربما للصدمات كرفض أو صد. فإن التعويض هنا يظهر كانتقام من سبب الإهانة وذلك بتشويه صورتها ومقارنتها بجميلات الدول الأروبية (اختيار صور العارضات) لأن ما لاتفقه عقول الطماطم المليئة بالسوائل المنوية من كثرة التفكير في الجنس والاستمناء، أن الجمال غير محدد بمكان، ففي أي دولة أو مدينة أو حتى قرية، ستجد نساء جميلات.. لا أن يتم اختيار أفضل صور لنجمات بدولة ما ومقارنتها بالنساء من عامة الشعب.

"المواقع الاجتماعية أسست للتواصل والتعارف، ليس لإشفاء الغليل وتفريغ الحقد الجنسي".

والمضحك في الأمر، أن هاته النوعية تقوم بإعلاء من قيمة النساء الغربيات وكأن هاته الأخيرات فاتحاتٍ لأذرعهن منتظرات أن يأتوا لعناقهن، رغم أنهن قد لا يرين الواحد منهم إلا كمخلوق نادر.. كدُبّ أفريقي أو كوالا يابانية أو قرد ميسيسيبي !! .
ومشكلة هؤلاء البلهاء أنم يعتقدون أن النساء يلزمها أن تحبهن وتمنحهن حنانا وإلا فإنهن حقيرات وبشعات ! "إن كانت أمك تفعل لك ذلك، فهذا ليس لزاما على الأخريات.. اذهب أيها الصبي وابحث عن امك عن حضن الماما، فالحب يلزمه نضوج".

الجميلات بتعبير محمود درويش هن : الضعيفات، القويات، الأميرات، القريبات، البعيدات، الفقيرات، الطويلات، القصيرات، الكبيرات، الصغيرات .. فتختلف الرؤية باختلاف الناظرين.
أما نزار قباني فعن تعريف الجمال يقول :

"إن الجمال ثبوت عقل
قلب كبير منظم النبضات
إن الجمال تجمل يصور
الجرداء روضة في قمة الجنات
ليس الجمال يُرَى بعين ليكون
للأعمى نصيب من النظرات
ليس الجمال أسير دهر
ليزول بالشهور والسنوات"(1).

الجمال هو الدهشة، دهشة الرائي لما يرى، وكما يقول الكسندر بوب ف"الجمال يصدم العين"، و"من يحتفظ بالقدرة على مشاهدة الجمال لا يشيخ أبداً" كما يقول كافكا، ف"الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأملها" بتعبير ديفيد هيوم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : نزار قباني - قصيدة سألت نفسي أن أحطَّ الجمال.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ