الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقد فاوست و بيعة أم ورقة إقتراع؟

شوكت جميل

2013 / 9 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تدور رائعة كريستوفرمارلو المسرحية الشهيرة"دكتور فاوستوس"_القرن السادس عشر_ حول العلامة الألماني فاوست ،تلك الشخصية التي طالما ألهمت كثيرين،و أخافت كثيرين لقرون،وأحسب أنها ما زالت حاضرةً بقوةٍ في السياسة كما هي في الفن ...و تروي لنا المسرحية كيف باع فاوست روحه لمفستوفيليس (كبير الأبالسة)؛و أبرم معه عقداً، ليقوم الأخير بخدمته طوال حياته،و ليحقق آماله و أحلامه،وليلبي كل رغباته و نزواته،أدبيةً كانت أم حسِّيةً ،معرفيةً أم شهوانية....في نظير أن يحصل على روحه بعد مماته،و بعد أن يكون قد نهل حتى الثمالة من اللذة والسعادة....وفي مثل هذة"الصفقات الفاوستية" لا يُمنح المرء حرية الإختيار سوى مرة يتيمة واحدة و ذاك قبل أن يمهر العقد بإسمه الكريم..أما و إن فعل..فقد قُضي الأمر؛حينها لا فكاك من العقد،و لا سبيلاً للرجعة فيه،و لا مسمحة للنكوص عنه،فهو لون من العقود يقوم فيها الواحد من هؤلاء بارادته الحرة، ببيع إرادته و حريته و روحه جميعاً "بورقة واحدة"و "بَيعة واحدة"...و للأبد!.
أما من ركب رأسه و أبى إلا نقض البيعة،فلن يجني سوى التمزيق؛كما مزق الأبالسة جسد فاوست في النهاية وقد أحس بالغبن و الخسران و الندم.

و في إعتقادي أن هذا ما يجدر به أن يدور في ذهن و يقر في ضمير كل من أمسك" بورقة إقتراع" مُتَلمساً طريقه صوب شفا التصويت لصالح الدين السياسي!،لا أقول هذا تعريضاً بأحد،و لا ""شيطنة"و لا حتى اتهاماً بل وصفاً.

و حتى لا نلقي الكلام على عواهنه؛ فنتهم بالتحامل و التعسف،يصبح لزاماً علينا أن نطرح هذا السؤال:كيف تفهم و تتعاطى قوى الدين السياسي مع المفردات التالية: صندوق الانتخاب،الديمقراطية،الشرعية؟...و الإجابة :تقبل قوى الدين السياسي هذه المفردات "الكافرة" على مضضٍ طالما كانت مرادفة للمصطلح الفقهي الأصيل"البيعة"، أنظر!..ليس من قبيل الصدفة أذن أن تسمى "بالبيعة"،و البيعة في مفهوم الخلافة في عنق الإنسان حتى مماته،ومن مأثوراتهم:(من خرج عن البيعة فاضربوا عنقه!)،حتى لو نهب ولي الأمر مالك،و جلد ظهرك!،أما الديمقراطية كما نفهمها نحن كحكم الشعب بالشعب و لصالح الشعب،أو بالأدق أغلبية الشعب،فليس لها مكاناً في فكر الدين السياسي،و الجواب حاضر على لسانهم :(إنما أكثر الناس من الفاسقين)،و لك أن تستنتج أن الفاسقين لا يحكمون،و أن الفاسقين لا يستبينون لأنفسهم خيرهم من شرهم،لذا إنما نحن نقبل بيعتهم لا رأيهم،و بعدها عليهم أن يتنحوا جانباً،تاركين الأمر لأصحابه و أهله الأبرار!.

وإذا تَبَنينا مفهوم"العقد الفاوستي"أو"البيعة المخلدة"؛فلربما فَهمنا بشكل أكثر وضوحاً التناقضات الصارخة و الطبيعة الدموية للنظام المعزول الأخير في مصر..فإذا تحامقت و سألت رموز ذلك النظام :كيف أعلنتم أنكم باقون في الحكم لخمسة قرون على الأقل،أفلا تعلمون أن الشعب هو المالك الوحيد لإرادته و يؤتي بمن يريد،و يُذهب بمن يريد؟..أجابوك:كان هذا قبل التوقيع على العقد و البيعة...كما أنه ليس عليك أن تُدهش لخروج بقايا هذا النظام بعد أن اسقطه الشعب "مانح الشريعة و مانعها"و قد خرج عليه الشعب بالملايين..أقول ليس عليك أن تدهش لرفع هذا النظام شعار عودة الشرعية!؛فهو يرى أن حرية الأختيار للشعب و أرادته و شرعيته إنما قد باعها له جميعاً، أول مرة في الصندوق و للأبد،و لا يعني شيئاً أن يخرج ثلاثون أو حتى تسعون مليون،إن هي إلا أعداداً منزوعة الإختيار تحت العقد الفاوستي.

و إذا كان الحديث يتصل بالأبالسة،فقد لفت أنتباهي فارقاً بين إبليس فاوست و الأبالسة الجدد،فعقد فاوست كان ينصرف عليه نفسه دون أهله أو نسله،أما عقود و بيعة الأبالسة الجدد فيرثها الأبناء عن الآباء،و إلى أحفاد الأحفاد(خمسة قرون!!)،ألعل أبليس فاوست كان أكثر تعقلاً و رحمة و أقل إستبداداً،من الأبالسة الجدد...ربما و لعل هذا هو سر نجاح عقده مع فاوست بخلافهم.

بيت القصيد
تسأول:هل من الشيطنة في شيء أن تنعت الشيطان شيطاناً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة توضح ما المراد بالروح في قوله تع


.. قلوب عامرة - د. نادية عمارة تجيب عن -هل يتم سقوط الصلوات الف




.. المرشد الأعلى بعد رحيل رئيسي: خيارات رئاسية حاسمة لمستقبل إي


.. تغطية خاصة | سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال عهد رئ




.. تربت في بيت موقعه بين الكنيسة والجامع وتحدت أصعب الظروف في ا