الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفجار - مسارات العقل العربي - 1

طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.

(Talal Seif)

2013 / 9 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قابل للإنفجار
" مسارات العقل العربي" 1
الشك المطلق
لست مؤمنا بالقدر المناسب لاثبات وجود الله ، ولست كافرا بمقدار الإنكار الثبوتي القاطع بيقينية العدم . وما بين الشك واليقين علاقة ليست بالعكسية ، كما تدعي اللغة بأن الشك نقيض اليقين ، فاليقين المحكوم بدلالات عقلية ، مجروح بفعل الخلل فى الميكانيزمات الحسية ، لذا كان الشك سيد المواقف واليقين تابع متغير لثابت الشك ..
الإقرار بالشك ، مقدمة لفتح باب اليقين ، وإن ظل اليقين ملتبسا بخداع الحواس ، فيحيلنا إلى شك جديد ، يدفعنا ليقين آخر ... وهكذا يظل الإنسان المتقدم ، من شك إلى شك ، يعمل على مسار النهضة والرقي والتقدم ، خلاف المتخاذل بفعل يقين مغشوش قاطع فى قلب مريض وعقل رافض للتجديد أو خوف من الإتهام بالكفر والإلحاد ، رغم أن الشك ليس جريمة واليقين المغشوش ليس فضيلة ، وما الأول بالكفر وما الثاني بالإيمان ، فقد برء إبراهيم عليه السلام من ممارسة اليقين المغشوش وأقر بشكه " كي يطمئن قلبي " فعدم الإطمئنان شك دفعه للبحث عن اليقين فى ممارسة أشبه بالفعل المتحرك خلاف الخنوع الساكن والإقرار بما لم يقره القلب والعقل ذلك الشك الذي دفع الأنبياء إلى محاولة رؤية الله " قال دعني أنظر إليك " " قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون " فالأولى بموسي أن يلتزم الأمر ، إلا أن القانون الكوني القائم على الشك أولا ، دفعه لممارسة طبيعته البشرية فى الشك . وقد ذهب بعض علماء المسلمين إلى تفسير شك الأنبياء باتهام فهم الشاك على أنه فساد فى الأذهان على حد وصف السيوطي لمن فهم قول إبراهيم " رب أرني " وفسره بالشك، على الرغم من أن الآية والكلمات والجمل لا لبس فيها ، إلا محاولة السيوطي العمل بسير السابقين فى تلفيق التفسير المناسب للنص المقدس تأدبا وخشية أو إستسهالا وزعما بيقينية صحة رؤيته وتفسيره ، وما يدفعنا لهذا القول هو تفسير السيوطي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " نحن أولى بالشك من إبراهيم " فيقول فى تفسيره للحديث أن النبي يقصد أن إبراهيم لم يشك والنبي أيضا لم يشك ، وهو رغبة فى الإنتقال من اليقين إلى يقين أعلى ، وقد ذهب بعض المفسرون إلى ماذهب إليه مولانا السيوطي فقالوا : إنها الرغبة فى الانتقال من اليقين إلى عين اليقين ، ومن دلالة الانتقال من يقين إلى يقين أعلى ، ما هو إلابفعل منقوص اليقين الأول نتاج الشك ، فحاولوا ابراء ذمة الأنبياء من الشك ، على افتراض أن فهمهم للشك أنه جريمة أو كفر أو إلحاد أو وصمة عار ، لا على أنه ممارسة طبيعية طلبا للأعلى دون الأدني ، فهو فضيلة الفضائل لمن لا يعمل بمعيار التلفيق . فالشك عند الأنبياء كان ضرورة ، كي تعلم وتتعلم وأنت غير معصوم ولا قدسية لك،أنك بين الخوف والرجاء ولا تركن لطيب فعلته ولا لقرآن حفظته ولا علم حصلته ، بل تظل حياتك كلها شاك فى مكتسباتك ، كي ترتقي بالفعل من السيئ للحسن ومن الحسن للأحسن ولا ترى النهايات فى فعل مندوح ولا النهايات فى فعل مذموم ، فأنت مخلوق للعبادة – هذا قولي للمسلمين - والعبادة أولها الشك وأعظمها خدمة الإنسان رغبة فى قبول الله لك ، لأنك محمول على الشك طيلة حياتك ولولا الشك لركن أبو بكر إلى بشراه بالجنة وما قال : لا آمن مكر ربي ولو كانت إحدى قدمي فى الجنة ..
الشك رغبة فى الله فضيلة ، وأعلاها عدم اليقين والرضا عن الفعل القائم والسعي إلى النقلة العظمي بنهضة كبرى ، أما الشك رغبة فى الحياة ، فهو فضيلة أيضا ، تدفع صاحبها إلى التقدم بغض النظر عن التنوع فى مسائل الكفر والإيمان ، فكل يسعى لتحقيق ذاته وسعادته بمنظوره للحياة .. فكن أنت كمؤمن أول من يشك فى معطيات رسائل من أطروا أنفسهم بالعمائم والأضواء والإيهام بقدسية شخوصهم ، ولا تهب من المناقشة والإعتراض ، إذا ما تنافرت رسائلهم مع قناعاتك العقلية ، فثمة فارق بين العالم الشهير والعالم الكبير ، فربما ترى عالما ملأ الكون صراخا وشهرة وهو أجهل من دابة وما هو إلا صناعة مخابراتية تآمرية ، وربما تصادف فى سيارة أجرة أو على رصيف إنتظار الميترو عالما ، لو وضع فى ميزان العلم ، لقدره أهل المعرفة بالجواهر ، فلا يخدعك صراخ محموم ويقين مغشوش ، ولا تركن للإستسهال فى تلقي المعارف ، فليعمل عقلك فى جميع طرق كسب المعارف ، ولا تخجل من مناقشة المسكوت عنه ، فمن منا فى هذا الكون ، صغارا كنا أم كبارا لم يتساءل عن وجود الله ، وعن حقيقة الوجود والعدم ، لكنه بمنطق الكسالى والخائفين من إضاعة " الأنفار " منهم ، وكأننا فى حقل قمح ، نهاب فقد عامل من العمال ، رغم أنه لو شككت فى أمر عمالك وأطلعتهم على حقيقة عطائهم ، وطردت المتكاسل وأثبت المجتهد ، لكان خيرا للجميع ، حتى وإن دفعك الشك إلى فقد العمال ، فسيدفعك أيضا إلى استبدالهم جميعا بألات جديدة عوضا عنهم . فلو أراد الله اليقين للبشر ، فلماذا لم يخلقهم مثل الملائكة – يقينا لا شك فيه – ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah