الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وخداع النفس

رمضان عيسى

2013 / 9 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيرا ما نسمع أن شخص لديه من الامكانيات الجسدية أو العقلية ما يمكنه من انجاز أفعال خارقة ، وعند اخضاعه للتجربة والامتحان تنكشف ادعاءاته ويظهر ما بها من زيف . وفي فترة الانتخابات البرلمانية تعرض الأحزاب برامجها التطويرية والنهضوية التي تسحر الناخبين ، وبعد النجاح في الانتخابات يظل الوضع في البلاد كما هو عليه سابقا ، ولا يلمس الشعب لا تطوير ولا تغيير في الأساليب الادارية السابقة ، وينكشف أن الهدف هو السيطرة على السلطة وخدمة الحزب بدل من خدمة البلاد والشعب .
ان أساليب الخداع المتعددة هو ما نلمسه في المحيط العربي ، من عدم وجود النية الحقيقية من قبل الحكام لخدمة شعوبهم ، وفي نفس الوقت فان استمرار أنظمة الحكم لعقود في الحكم وعدم تحرك الشعب للتغيير ، وان حدث فهو تغيير في الشكل . فان هذا يدل على ان العرب حكومة وشعوبا يعيشون حالة من خداع النفس ، وأن لديهم جملة من المعتقدات التي تجعلهم لا يستطيعوا الخروج من حالة الوهم هذه . وأولى هذه المعتقدات أنهم خير أمة أخرجت للناس ، وأن ما لديهم من معرفة وميراث يكفيهم ، وليسوا بحاجة الى نظريات وعلوم من الخارج . وبهذا أهملوا أهم مبدأ للتطوير والتغيير ، ألا وهو مبدأ النقد والنقد الذاتي .
ان مبدأ النقد والنقد الذاتي بصدق هو المبدأ الذي على أساسة بنت الشعوب الراقية مجتمعاتها ، وذلك بإخضاع موروثاتها ونظمها الفكرية والتنظيمية للتحليل والنقد ، فقامت ثورات الاصلاح التي شملت الكنيسة وسلطة البابا وأنظمة الحكم المتحالفة معها .
لقد أعلن نيتشه موت الله في الغرب ، فبعد أن قابل ناسكا هرما يهبط من الجبل وأخذ يحدثه عن الله ثم انزوى، فقال نيتشه على لسان زرادشت " هل يمكن أن يكون ما قاله الناسك حقا ؟ يبدو أن هذا الناسك المسن لم يسمع بعد أن الله قد مات " ، ولكن الله قد مات وماتت جميع الآلهه.
وفعلا لقد ماتت الآلهة في الغرب بعد أن أذاقوا أجيالا من الناس أشنع أنواع العذاب من أجل إرضاء الآلهة ، لقد ماتت الآلهة تاركة في الذاكرة التاريخية مآسي لونها أحمر قاني من كثرة ما أسالت من دماء البشر ، وفوق هذا لم تعر انتباها لمعاناة الجموع الغفيرة من الظلم الاجتماعي والكنسي بالإضافة الى اضطهاد وحرق العلماء . وتركت في الذاكرة محاكم التفتيش التي عملت على إطفاء كل شمعة حاولت أن تنير الطريق .
والآن يتغنى الشرق بروحانيته ويحاول الاسلام السياسي بعث القديم بشكل جديد ، بعد أن كان له دور مشبوه في عزل هذه المنطقة وشعوبها عن الركب الحضاري أكثر من 400 عام امتدت حين سيطر الاستعمار التركي والخلافة العثمانية على المنطقة العربية طوال قرون ، وما أن تخلص العرب من الاستعمار التركي الاقطاعي الديني حتى ابتليت بالاستعمار الغربي ، وما تبعها من الديكتاتوريات السيئة السمعة التي سادتها فترة من التحالف الغير مقدس ضد الشعوب بين سلاطين الأرض وسلاطين السماء .
ولكن من الملاحظ أن من يدعو الى العودة الى القديم ، هذه الأيام هم الناس الهرمون ، وإذا وجدت شابا فهو إما لم يصحو بعد أو مستفيد ، وما هي إلا صحوة الموت لهذا النزوع في الشرق . إنه آخر زمن يعيشه الشرق وهو في النزع الأخير .
نقول في النزع الأخير ، لأن شعوب الشرق وخاصة الشعوب العربية عاشت السنين الطوال تتغنى بأمجاد الأولين ، فابتليت بأنظمة حكم ديكتاتورية ، وعزلتها عن المجرى التطوري التاريخي ، فغرقت في الدرك الأسفل من السلم الحضاري علميا واجتماعيا وفكريا . والآن أصابتها نوع من العاصفة فلجأت الى أقرب مرفأ ، وهو الدين ، والوصايا الموروثة التي ارتدت صفة القداسة ، وذلك لأنه ليس في أدبياتها ، وفي وعيها غيره . فمنذ انتهاء الحرب الثانية وهي غارقة في الوعود الأخروية ، ولا زالت ، وشعوب الشرق تخوض مرحلة من اكتشاف الذات ، اكتشاف مكامن الضعف والقوة , ولكنها تعيش حالة الصأصأة ، ولم تتفتح عيونها بعد ، وهي بحاجة الى تجربة مع الإسلام السياسي ووعوده التي لم ولن يستطيع ان يحل بها معضلات شعوب الشرق المزمنة ، ويشبع البطون ، ويقنع العقول . فهي تخوض الآن مرحلة من الحراك الاجتماعي السياسي الذي وجهته التحرر من كافة أشكال ظلم الانسان لأخيه الانسان .
ولكن الصحوة في الشرق قد ارتدت الشكل الديني ، حينما قفزت أحزاب الاسلام السياسي ، واستغلت المرحلة الثورية ، لما لها من تنظيم حزبي ، وحرفت مسارها معتمدة على مساوئ الديكتاتوريات السابقة وجهل الجموع الغفيرة ، قفزت لتعلن أنها صحوة دينية ، وعممت الوعود بالإصلاح ناشرة الوعود الدينية ، وأن التُقاة والأئمة والمشايخ هم أداة التغيير والإصلاح ، فعَلتْ الدعوات الى بناء مجتمع الخلافة الرشيدة ، والفلاح البسيط لا يعرف إلا القشور عن نظم الخلافة التي سادت في زمن ما ، ولم يعرف أن الخلافة على طول زمانها مليئة بالصراع العائلي والمذهبي على السلطة ، فمات أغلب الخلفاء قتلا أو طعنا أو تقطيعا بالسيوف أو بالسم .
إن الدعوة للخلافة في هذا الزمن ليس تجاهلا للزمن والازدحام السكاني الهائل ، بل انكارا للتطور الاقتصادي والاجتماعي والفكري السائد في هذا الزمن .
ان الدعوة للخلافة هي السير بالمقلوب ، أي الرأس لأسفل ، والأقدام لأعلى ، وفي حالة اللبس العربي ، فهذا يعني انكشاف العورة والفضيحة . إنها كشف لعورة العرب والمسلمين ساكني هذه المنطقة الجغرافية من العالم . انها عنوان الافلاس في استيعاب متطلبات الشعوب الاقتصادية وطموحاتها نحو الحرية والديمقراطية ، وهذه المتطلبات تجعل من الدعوة للخلافة وسيلة لخداع الجماهير الغفيرة وبسطاء الناس . فمن هو الخليفة ؟ إنه ملك أو سلطان ، أو والي يحكم بطريقة العصور الوسطى .
ان طموحات الجماهير في هذا الزمن تتمحور حول الحصول على الحرية من كل ظلم ، والوصول الى مدنية المجتمع وديمقراطية الاختيار وتحديد زمان الحكم والرجل المناسب في المكان المناسب وتكافؤ الفرص بين أفراد الشعب بغض النظر عن الاختلاف في الدين أو اللون أو الجنس . فهل تستطيع أحزاب الاسلام السياسي تحقيق هذا وتحقيق دولة مدنية بكل معنى الكلمة ؟
ان المدنية نشأت وتطورت تاريخيا وتجاوزت نظم الحكم الملكية والدينية والوراثية , انها تشكل وتنظم الشعب على أساس جديد ، إنها تبني مجتمع الانسان المنظم المتطور ، المتناسق في أجزاءه ليكوِنْ هذا الكل الاجتماعي والاقتصادي والفكري المتكامل .
ان العرب ومن خلال غرقهم في النظرة الدينية ، لم ينظروا الى التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والفكري والسياسي نظرة تطورية ، وأنه قد سار من البسيط الى المعقد ، ومن المتوحش والبربري الى الانسانية ، ومن المختلط والمشوه والخشن الى الناعم .
لا ، أنهم يقسمون التاريخ الى قسمين ولا يعنيهم غير هذا في كل أدبياتهم ونظرتهم الى التاريخ ، وهما :
1- الجاهلية المعتمة المليئة بالكفر والأصنام .
2- الاسلام المنير المليء بالإيمان .
وبهذا يكون التاريخ هو مرحلتين : كفر وإيمان وصراع بينهما .
وهذه النظرة ليست بخاطئة في مبتدئها وخبرها ، مسبباتها ، ونتائجها . وهي نظرة ضيقة يتم فيها تجاهل التاريخ الحضاري الانساني كمجموع . هذا من جهة ، ومن الجهة الأُخرى يتم تزييف السمات الأساسية في المجتمع , فتسمية مجتمع ما قبل الدعوة المحمدية بالجاهلى ، تسمية ليست في محلها ، فهي تجاهل لكل المقدمات والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي كانت موجودة فعلا في المجتمع ، ولولاها لما نجحت تلك الدعوة وانتشرت .
فالمتتبع لمكونات دعوة النبي التوحيدية ، يكاد يجزم أنها لم تأت بجديد ، بل قامت بجمع ما هو متناسق مع فكرة التوحيد في كل واحد ، مما هو موجود فعلا ، من أقوال الحنفاء السابقين في التوحيد والحج والطواف والقرابين والعلاقات الاقتصادية والإجتماعية والتنظيمية .
إن تعميم هذه النظرة ، هذه التقسيمة للتاريخ على التاريخ الانساني ككل ، تجعل التاريخ وكأنه صراع بين الكفر والإيمان ، متجاهلا بذلك العوامل البيئية والاقتصادية والطبقية والعظماء , والازدحام السكاني وتطور العلوم ، والحاجات الاجتماعية , كل هذه العوامل أثرت بشكل أو بآخر في دفع عجلة التاريخ الى الأمام ، وما الأفكار الدينية والأخلاقية والسياسية ، إلا نتيجة ثانوية لهذا التطور في التاريخ .
ان العربي عاش في مجتمع صحراوي ، وسيطرت الصحراء على تفكيره لمدة طويلة ، وتأثره بالحضارة يسير ببطء شديد ، وذلك لسيطرة أنظمة حكم دينية عليه لقرون عديدة ، وانشغلت بالصراع على السلطة ضد بعضها البعض . فهو لم يساهم في التطور الانساني إلا بالنزر اليسير ، والتي كانت ليس من نباهته ، بل من خلف ظهره ، أي من نباهة الآخرين . وعلى الرغم من اعترافه بأنه الآن يقبع في الدرك الأسفل من السلم الحضاري ، إلا أنه لا زال في أدبياته يتمسك بهذا الوضع الشاذ الذي يعيشه ،وهذه التقسيمة الخاطئة للتاريخ ، وتصل به الخيلاء والخداع لنفسه الى أقصى الحدود حين يعتبر المجتمعات المنظمة والمتطورة في أوروبا بأنها مجتمعات جاهليه .
وفي رأيه لكي يتطور هذا المجتمع الجاهلي – من وجهة نظر المسلم – يجب نشر الأصولية الدينية وإقامة مجتمع الخلافة ، حتى يقضي على جاهلية هذا المجتمع الأوروبي .
إن هذا خداع ليس للآخر ورفض له , بل خداع للنفس بأنه هو الذي يملك أُسس الحضارة التي تعتمد على المسلمات الدينية ، ونسي أن الأفكار الدينية هي نتيجة دعوات اصلاحية اجتماعية ظهرت في زمن معين ، وليس سببا للتطور .
ان رفض شكل النظام السياسي للخلافة ، لا يعني رفض الصلاة والفروض التي يمارسها الشخص دينيا ، فهذا لا يعيق البناء والتجديد ، بل رفض الشكل القائم على الحكم الفردي ، الذي يلغي التعددية الحزبية ، والحرية الانتخابية ، وتحديد فترة الحكم دستوريا .
فتطور الآله والصناعة يحتم على الناس علاقات اقتصادية مقابلة ، كما وتظهر على السطح البني الفوقية من دولة وقوانين وأدب وفن وأخلاق وأفكار وأديان .
فالى متى يخدع العرب أنفسهم ، متى يكونون فلاسفة واقعيين ويعترفون بأن الفلسفة هي عدم تزييف الواقع للناس وحب الحكمة ، أي حب معرفة الحقيقة ، لا حب تزييف الحقيقة .
ان ابطاء العرب والذين لا يمكن فصلهم عن الاسلام ، في استيعاب الحضارة يعود لسببين :
** ان موروثات العرب الفكرية والاجتماعية ، ساكني هذه المنطقة الجغرافية من المحيط الى الخليج ، هي موروثات صحراوية ذات رمال متحركة تطمس كل علائم جديدة برمالها وعواصفها الهوجاء ، بمعنى أن الفكر والثقافة الصحراوية لا تميل الى التجديد الفعلي ، بل الشكلي فقط ، وغير معنية بتطوير نفسها . لهذا نراها دوما تقف كقشرة صلبة أمام كل جديد ثقافي أو علمي .
** أو أن العرب من فصيلة مختلفة عن البشر ، أي أن أجسادهم تحتوي جينات مختلفة عن ساكني هذه الكرة من الناس ، فقد يكونوا من أصول بيولوجية يعوزها الجهاز العصبي القادر على الربط بين الأشياء ومسبباتها ونتائجها . لهذا لا يعترفون بالمعيار التطبيقي ، التجريبي للمنظومة الفكرية الموروثة ، وبالتالي ليس لديهم مقياسا علميا للحقيقة .
ولما كان تأثرهم بالمدنية والحضارة والعلم ضعيفا ، لهذا نراهم يميلون الى الماضي أكثر من ميلهم للتقدم . وفوق هذا كله نرى العربي ذو المرجعية الدينية يصب جام غضبه على الحاضر لأنه ترك اسلوب حياة الماضي . فنراه كلما زادت العلوم تقدما وتطورا ، يزداد ردة وأصولية ورجعية الى الماضي .
فلكي يتجاوز الجيل العربي المعاصر هذه المعضلة يجب تشخيص المشكلة الكامنة خلف هذا الموقف . والبدء بشكل شخصي ، ذاتي ، والاتجاه نحو التغيير ، وتفحص القشرة الثقافية الموروثة والتي تناغمت مع المقدس ، ووقفت موقف اللامبالاة ، لا ، بل والمعاداة لمنجزات العصر ومتطلباته .
أما الفلتات البسيطة من العرب الذين برعوا في احدى مجالات العلوم ، فذلك لأنهم تأقلموا بشكل شبه كامل مع الحضارة وعاشوها مجتمعا وفكرا .
وبعد كل هذا لا بد من السؤال : كيف نتخلص من حالة خداع النفس هذه ؟ والجواب : اذا شخصنا المشكلة بشكل سليم ، واعترفنا بوجودها في ثقافتنا ، عرفنا كيف نتخلص منها بإزالة المسببات . ولن يتم هذا إلا بالاعتراف بأننا نعيش حالة من الذيلية الحضارية .
** وبالوعي ،وفهم كيفية تراكم الميراث الفكري في وعي الأجيال وكيف أصبح من المسلمات الغير قابلة للتغيير وكيف ارتدت صفة القداسة .
** نستطيع أن نتخلص من حالة خداع النفس , بالعلم والفلسفة وفهم التاريخ الإنساني وتطوره على مر العصور وكيف وصل الإنسان الى هذه الدرجة من الحضارة والرقي .
** نستطيع أن نتخلص من حالة خداع النفس بإخضاع كل شيء للمعقولية ، والتمسك بأن لكل شيء سبب معقول المقترن بالتواتر السببي .
** نستطيع أن نتحرر من حالة خداع النفس بزرع الجرأة وتقوية الرغبة في التحرر من الجُدر الصلبة التي بنتها في وعينا جملة من المسلمات الممتزجة بالأساطير .
** نستطيع التحرر من حالة خداع النفس ، بالاعتراف بأن معيار الحقيقة هو مطابقة الواقع ، هو الاختبار ، هو التجربة ، والإخلاص لها .
** تدريس العلوم للجيل على أصولها دون تزييف .
بدون هذا لن نستطيع أن نخرج من الحالة الصحراوية التي نعيشها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس للعرب مايتفاخرون به الا بالكذب
حكيم العارف ( 2013 / 9 / 13 - 03:43 )
---

والهدف الرئيسى للجوء الى الكذب هو حماية المقدسات الوهميه


او بمعنى اصح حماية الاسلام حتى لايسقط

---

اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا