الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قابل للانفجار -2-

طلال سيف
كاتب و روائي. عضو اتحاد كتاب مصر.

(Talal Seif)

2013 / 9 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشك فى الله ، يقين بثبوت وجوده ، رغم علة نقصان اليقين المحال إلى شك جديد . فالبحث فى وجود اللاشئ هو عين إثبات وجود الشئ . فالطالما أنتج الذهن الفكرة ، فهو دلالة وجود المُبتكر .والقياس مع الفارق ولله المثل الأعلى ، فقد أنتج الذهن العربي المستحيلات الثلاثة " الغول والعنقاء والخل الوفي " كدليل نفي وجود ذواتهم ، لكن نتاج الفكر لوجودهم الوهمي ،هو وجود إضطراري فى المخيلة وأكثر حضورا من مادية وجودهم المتجسد ، سواء أنكر من فكر بعدم الوجود أو أقر ، فجميعهم حقائق فى المادة أو المخيلة .
إن مناقشة الشك ليست من باب الترف العقلي وليست أيضا للجدل الفضائي والصحفي ، بل مقدمات معرفية دافعة إلى الإرتقاء بالفعل من الأدنى للأعلى ، طلبا للنهضة المنشودة ، فالماركسيون العرب على سبيل المثال ، أضاعوا جل أفكارهم فى حورات الغرف المغلقة ، حول إنكار وجود الله رغم أن أركان الإنكار لا تكتمل إلا بالتجاهل ، فالأفكار المطروحة للمناقشة على مائدة العقل ، لا تعني بأي حال من الأحوال إلا أنها تناقش حقيقة ، فكيف تناقش ما ليس موجودا وتعادي ما ليس محسوسا ، إلا فى حال المرض العقلي . ولا أتهم كل الماركسيين على المطلق ، لكن الإشارة ، إلى هؤلاء الذين أضاعوا أعمارهم فى معاداة من ليس موجودا ومحاربة وهما مؤكدا ، على حد قناعاتهم بفكرة الإله ، فقد اجتزؤوا من الفلسفة وقاموا بالتلفيق بشكل يدعونا للرثاء على أحوالهم التى فاقت عماء التلفيقيين من أصحاب الديانات . وبدلا من أن تأخذ الفكرة مسارا للنهضة أخذت مسارها إلى التهكم على الآخر والاستعلاء بالثقافة ، التى لا تعن شيئا إذا لم يتم فعل المثاقفة وسارت الفكرة فى طريق التنفيذ لسعادة الإنسان . فمثلهم مثل شخص رأيته أنت فى ميدان عام ، يمسك بندقية آلية وينظر إلى السماء ، ويصوب بدقة فى الفراغ ويطلق النار ، ويصرخ : قتلت ألفا . ألفين . عشرة . أعتقد أنك لن تراه إلا مجنونا فقد عقله . هكذا الذين ذهبوا فى مذهب الإجتزاء الماركسي بصب جل فلسفتهم على إنكار الإله وتصويب السباب له ، غير مكترسين لوجود مؤيدين لهذا الإله ، وظللنا فى دائرة المناظرات والشتائم والسباب ، دون أن نتقدم خطوة فى طريق العلم وفرضيات العالم الحديث . فالأولى بالأفكار المطروحة أن تكون دافعة للنهوض وليست بوادر نار تحرق المجتمعات . لك الحق أن تطرح ماشئت وتناقش ما شئت ، لكنك أيضا لابد وأن تفرق بين النقد والتجريح وهذا ما سنتناوله فى مبحث آخر . فلك مطلق الحرية فيما تعتقد وليس لك قيد أنملة من الحرية فى تجريح معتقدي . لك الحق فى طرح النقد غير المحمول على الإهانة ، وإلا فأنت تقصد تماما تثبيط همتى فى النهوض . ما المكتسب من وراء هذا الإجتزاء والجدل العقيم ؟ فما أنتج إلا مجتمعا مشوها ، يحارب أفكارا ليس لها علاقة بالواقع المعاش ، افترض أنت جدلا أنك عشت حياتك منكرا لهذا الإله ، وقضيت من الحياة ، وفوجئت بأن الوهم حقيقة دامغة ، وأنك أمام إله قوي جبار ، وافترض أيضا أنك بين يديه وقد كرست حياتك للسخرية منه وسبه ومعاداته ، فماذا تعتقد أن يفعل بك ؟ وهب أنك ذهبت إليه وما كنت له معاديا ؟ أعتقد أن الثانية ربما تعطيك فرصا أفضل عنده ، وأيضا هب أنك لم تجده على الإطلاق ، فلماذا قضيت حياتك معاديا لوهم على حد معتقدك ؟

الشك غير الدافع للتقدم ، محض جدل إستعراضي تلفيقي . والشك الذي يصب فى مصلحتك الشخصية ومصلحة مجتمعك ، هو الهدف من طرح فكرة الشك ، كأساس كوني تقدمي ، ولا تجتزء فهمك للطرح على أن المصلحة الشخصية ، هى المادة والرفهاية فقط ، فربما تكون مصلحة إنسان ما هى معرفة الله وطلب مرضاته . فكل يحقق سعادته كما يحلو له دون ممارسات قهر بالسباب أو التهديد أو العنف . فما الشك إلا قانون الله . فالشك فى اليقين بناء واليقين بالاستعلاء هدم وفناء ، وما كان بناء الدنيا وإعمارها إلا شك آدم فى أمر ربه ، فذهب باحثا فى شجرة الخلد ، فأدرك الخطأ وعرف قيمة الإعتذار ، فكرس حياته لالتزام الأمر الثاني بالإعمار فى محاولة لإرضاء الله ، ولو أنه لم يشك وعاش فى اليقين ، ما قامت للحياة قائمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah