الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخر وفق الرؤية الكونية

رعد اطياف

2013 / 9 / 14
المجتمع المدني


الحياة مادة خصبة وحيّة من جهة، وألم وجحيم من جهة أخرى. فلايمكن أطلاق صفة الحياة لولا وجود الآخر، فهو المادة الخام لكل رؤانا وأخيلتنا بشكل وبأخر. لكن لماذا يصبح جحيماً بهذا الشكل المخيف؟!، حتى تغدو الحياة غصة وألم مع هذا الأخر. ولعل سارتر حينما أطلق هذه المقولة، تتميماً لفلسفته القائمة على أسبقية الوجود على الماهية، أي، يولد الإنسان أولا ومن ثم تتشكل ماهيته، عبر اختياره الحر فيما يريد، ومن هنا يأتي الأخر ليشكل عائقاً لحرية الفرد ، فهو بمثابة الجحيم، كيف لا وهو يضرب حريتي عرض الحائط، لتغدو الحياة قصة مؤلمة وبحر من الاغتراب لا حدود له، فأي جحيم هذا؟.

لا شك إن تصوير الأخر بهذه الصورة المؤلمة له مدلولاته الواقعية في الحياة، وتصويره بهذا الشكل الغريب ناتج عن أحكام ذهنية، واشتراطات داخلية وخارجية صاغت الحكم بهذا الشكل. لدينا الأخر الرأسمالي ويقابله الاشتراكي، والأخر الديني يقابله اللاديني، والأخر الإلهي يقابله الملحد، والأخر الوجودي يقابله العدمي.. الخ.. فكل واحد من هؤلاء هو جحيم لما يقابله، وقيد مزعج له، خصوصاً أذا ما أضفنا لعبة القبض على الحقيقة التي يمارسها هؤلاء.
لكن لو أدرك كلا الطرفين أن لا يوجد إنسان غاية بحد ذاته،أو مركز يتخذ صفة الذاتية والإطلاق، فالعلاقة هنا تبادلية بين الطرفين. والوجود قائم على توالد مستمر وصيرورة لا نهائية للعلل التي تظهر وفق سلسلة من الشروط، فلا شيء قائم بحد ذاته ولاخلق إلا بعلاقة بين طرف و أخر تتم عن طريقه الولادة. إن هذا التلاحق والتوالد والتناسل المستمر عبر صيرورة لا نهائية في الوجود، يعتمد على أطراف تتداخل بعضها مع بعض لتولد كياناً جديداً يأخذ مساره الوجودي عبر هذه الشبكة الكونية المتصلة بعضها مع بعض، فلا جوهرية قائمة بذاتها في هذا الكون.

فالأخر- وفق هذه الرؤية- هو انعكاس للانا في الخارج وظل من ظلالها كانتساب الظل إلى النور، والمرآة التي دائما ماتذكّرنا ببعدنا الأخر المنسيّ تحت ظلام أوهامنا ، ونومنا العميق، فبعد الصحوة الكونية تتلاشى كل الثنائيات وتتقوض، المتقابلات (الذهنية)، فيما لو التفتنا بالتجربة العملية، الزخم المعرفي ، والاختزال العجيب الذي يوهبه الأخر لنا.. الأخر بكل أفراحه، وأحزانه، وألمه ،واتهاماته، وقيوده..
فلولا وجود الاشتراكية لما وجدنا هذا الكم الهائل من التنظيرات التي تدين الرأسمالية، وبالتالي ينعكس إيجاباً على الرأسمالية نفسها!، وكذلك مانراه من محاولة المذاهب الدينية عبر محاولاتها المستمرة وتوسلاتها العقلية للفوز في السبق المعرفي ، وذلك ناتج من الحراك الجدلي الذي يفتعله الطرفان ، ولولا الاستفزازات الشخصية التي نواجهها في حياتنا اليومية لما استطاعت تلك المناطق المغيبة في أسفل أعماقنا أن ترى النور، ومحاولة القبض عليها ومراقبتها، وبهذا يغدو الأخر معلم مجاني ونعمة وجودية كبيرة لو أحسنّا التعامل معها.
ونستميح سارتر عذراً، لنقول له: النعيم هم الآخرون.

الكونية الانسانية : مدرسة فكرية وسلوكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذيرات أممية من حظر إسرائيل وكالة الأونروا.. ما التفاصيل؟


.. الأمم المتحدة: نصف مليون لبناني وسوري عبروا الحدود نحو سوريا




.. مستوطنون حريديم يتظاهرون أمام مقر التجنيد قرب -تل أبيب- رفضا


.. مسؤولة الاتصال في اليونيسف بغزة: المستشفيات تعاني في رعاية ا




.. الأمم المتحدة: أكثر من مليون نازح في لبنان