الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح السياسي مسؤولية مَن ؟

سلمان بارودو

2005 / 5 / 22
المجتمع المدني


حيث أن تاريخ القرن الحادي والعشرين سيعطي اهتماماً متميزاً لما جرى في الحادي عشر من سبتمبر عام2001 والذي قلب الموازين، وأثر في الكثير من السياسات الدولية والإقليمية والمحلية. ويرد ذلك إلى أن الحرب ضد الإرهاب التي أعلنتها وشنتها بالفعل الولايات المتحدة الأميركية قد أدت إلى تداعيات دولية شتى. وبغض النظر عن تعقب ورصد التفاعلات الدولية المعقدة . فمما لا شك فيه أنه برز خطاب ثقافي أميركي محدد الملامح واضح القسمات، موضوعه أهمية الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في العالم العالم الإسلامي عموما ًوفي العلم العربي خصوصاً.
ومن هنا طرح المفكرون الاستراتيجيون الأميركيون السؤال الجوهري التالي: ما هي الأسباب الكامنة وراء الإرهاب؟ وجاءت الإجابة بأن الفكر المتطرف الذي يسود في عدد من البلاد العربية وفي غالبية البلاد الإسلامية وخاصة في العقود الأخيرة، هو الذي يكمن وراء انضمام آلاف الشباب من المسلمين إلى جماعات الإرهاب. وهذا التطرف بدوره هو نتاج انسداد قنوات التعبير الديمقراطي، وضيق دوائر المشاركة السياسية في اتخاذ القرار في البلاد العربية والإسلامية نتيجة لسيادة النظم السلطوية فيها، والتي تقوم أساساً على القمع السياسي للمعارضين، وممارسة أفعال تخرق مواثيق حقوق الإنسان. وفي مواجهة مطالب الإصلاح الأميركية حدثت ردود أفعال عربية متعددة وصاخبة من قبل الحكومات العربية والنخب السياسية والثقافية.
وأجمعت الحكومات العربية على رفض صيغة فرض الإصلاح من الخارج وإن تفاوتت هذه الحكومات في قطعية الرفض. فقد عبرت بعضها عن رغبتها في الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية حول الإصلاح واستعدادها لتلقي الدعم والمساعدة في تحقيقه، شريطة مراعاة خصوصية الأوضاع العربية من ناحية، وأهمية التدرج في الإصلاح من ناحية أخرى. والواقع أن حصيلة الجدل الذي دار بين المثقفين العرب طوال العقود الماضية أدت إلى التسليم بأن ما يطلق عليه الديمقراطية الغربية جدير بالتطبيق في بلادنا، وأن خصوصيتنا الثقافية، وفي مقدمتها الدين الإسلامي وهو دين الأغلبية في مجتمعاتنا، لا تتناقض معها على وجه الإطلاق. لقد انتهت المناظرات الشهيرة إلى نتيجة إيجابية، هي أن الديمقراطية الغربية تتضمن بذاتها وبحكم بنائها وقيمها مبدأ الشورى الإسلامي. وهناك الآن تسليم بأن هناك قواسم مشتركة في النظم الديمقراطية المختلفة ينبغي الاعتراف بها وتطبيقها. وأهم هذه القواسم هي مبدأ تداول السلطة، والقيام بانتخابات دورية نزيهة وشفافة.
ومن قيم الديمقراطية الأساسية احترام الأديان، واحترام حرية التعبير، وحرية الرأي، وحرية التنظيم، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان. وهكذا فليس هناك مجال لقبول حجج الحكومات العربية التي تريد المراوغة في مجال تطبيق الإصلاح السياسي. تبقى مسألة أهمية مراعاة التدرج في الإصلاح. وتبدو هذه الحجة وجيهة في الواقع، ولكن فقط بالنسبة للدول العربية التي لم تشهد تأسيس الدولة الحديثة بكل أبعادها، ونعني الدستور والفصل بين السلطات، وسيادة القانون، ووجود جهاز قضائي حديث، وتبلور مؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية. غير أن ذلك لا يعني تأجيل الإصلاح السياسي أو تعليقه إلى ما لا نهاية، ولكنه يحتاج إلى خطة إصلاح سياسي معلنة ولها مراحل زمنية ملزمة. غير أن حجة التدرج لا تنطبق على عديد من البلاد العربية التي سبق لها أن استكملت مقومات الدولة الحديثة من زمن، مثل مصر وسوريا وتونس والمغرب. هنا لا مجال للدفع بحجة التدرج، لأنه في هذه الدول يمكن بكل بساطة إبطال العمل بالقوانين الاستثنائية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وإلغاء كافة الممارسات المنافية لحقوق الإنسان.
غير أن الإصلاح السياسي في الواقع أوسع بكثير من مجرد إلغاء هذه القوانين الاستثنائية، لأنه يتعلق بإعادة صياغة النظام السياسي ذاته، لمنع سيطرة حزب سياسي واحد، أياً كانت اتجاهاته على مجمل الفضاء السياسي. وتلك في الواقع معركة سياسية كبرى سيتم فيها الصراع العنيف بين قوى الدولة المسيطرة وأحزاب وقوى المعارضة الطامحة في ممارسة السلطة وفقاً لمبدأ تداول السلطة، أو حتى للمشاركة فيها – وفقاً لممارسات متنوعة – كحد أدنى.
وإذا كنا ركزنا في مجال تغيير طبيعة الأنظمة السياسية العربية على ضرورة تصفية التراث السلبي لهيمنة الحزب السياسي الواحد أيا كانت صورته، فإن هناك مسؤوليات تقع على عاتق الأحزاب السياسية المعارضة. ولعل أهم هذه المسؤوليات تتعلق بتجديد رؤاها السياسية وإعادة مراجعة برامجها، وعدم الوقوف بشكل أيديولوجي جامد أمام صياغاتها القديمة التي تمت في مناخ القرن العشرين. هناك حاجة ملحة للتجدد السياسي الذي لابد أن يقوم على القراءة النقدية الواعية للمتغيرات العالمية. ونحن في مجال الإصلاح السياسي وهو يأتي في مقدمة الإصلاحات المطلوبة، نحتاج إلى أن نقف وقفة نقدية متأنية إزاء الممارسات السياسية العربية المتنوعة، والتي من خلال تبريرات أيديولوجية متعددة أدت في الواقع إلى إقصاء الجماهير العربية عن المشاركة السياسية، وأدت في النهاية إلى ترسيخ حالة الاغتراب الاجتماعي، والتي جوهرها إحساس المواطنين بعدم القدرة على السيطرة على مصائرهم، وانعدام قواهم الفاعلة في رسم صورة مجتمعاتهم والإسهام في تنفيذها.
ما الذي يمكن عمله إزاء هذه الممارسة السياسية العربية التي استمرت تقريباً طوال نصف قرن، إذا ما أردنا أن نقوم فعلاً بعملية إصلاح سياسي جذري؟ ليس هناك من طريقة سوى إلغاء نموذج هيمنة الحزب السياسي الواحد، فهذا هو الطريق الوحيد لإحياء التعددية السياسية.

ولكن كيف يمكن الخلاص من إرث الحزب السياسي الواحد؟ هذه هي المعضلة التي تحتاج إلى إبداع دستوري، وإلى فكر سياسي جديد. وهذا الإبداع وذلك الفكر لا يمكن أن تنتجهما النظم السياسية العربية الحاكمة، بل هما يحتاجان إلى عقول كل القوى الحية في المجتمع العربي المعاصر. الأحزاب السياسية لابد أن تصوغ رؤى جديدة تتجاوز الفكر التقليدي ورؤاه المكررة، والمثقفون والباحثون عليهم مسؤولية البحث المقارن وتحليل التجارب الديمقراطية المعاصرة للبحث عن حلول جديدة. وقد تكون الدراسة المتعمِّقة للتحول الديمقراطي الذي حدث في دول أوروبا الشرقية والتي انتقلت عبر دروب ومسالك شتى من السلطوية إلى الليبرالية مدخلاً مناسباً لمعرفة الكيفية التي يمكن عن طريقها تحويل طبيعة النظم السياسية، ومواجهة مختلف صفوف المقاومة التي لابد أن تستفيد بها النخب السياسية الحاكمة في مواجهة مطالب التغيير الشامل.

ولعل أهم هذه المسؤوليات تتعلق بتجديد رؤاها السياسية وإعادة مراجعة برامجها، وعدم الوقوف بشكل أيديولوجي جامد أمام صياغاتها القديمة التي تمت في مناخ القرن العشرين. هناك حاجة ملحة للتجدد السياسي الذي لابد أن يقوم على القراءة النقدية الواعية للمتغيرات العالمية.

لقد تغيرت بنية المجتمع العالمي تحت تأثير سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية عصر الحرب الباردة، وانفراد الولايات المتحدة الأميركية بالمسرح العالمي، وتحولها إلى إمبراطورية كونية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001. يعني قرار إدارة بوش خوض حرب ضد«محور الشر» أن الولايات المتحدة تهب نفسها فصاعدا حق التدخل في كل نقطة بالكوكب حيث تعتبر مصالحها مهددة.

ومن ناحية أخرى سقطت اقتصادات التخطيط، وساد اقتصاد السوق، وارتفعت شعارات حرية التجارة وخصوصاً بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية. وبرزت العولمة باعتبارها هي العملية التاريخية الكبرى في القرن الحادي والعشرين بتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية.

ونشهد منذ نهايات القرن العشرين التحول الحضاري الحاسم من نموذج المجتمع الصناعي إلى نموذج مجتمع المعلومات العالمي الذي يتحول - ببطء وإن كان بثبات- إلى ما يسمى مجتمع المعرفة، والذي ينمو في البلاد المتقدمة بخطوات متسارعة، مصاحباً في ذلك نمو اقتصاد المعرفة، حيث ستصبح المعرفة هي المولدة للثروة، وبالتالي ستكون هي وليس غيرها أهم مصادر الإنتاج.
كل ذلك يتم في إطار مناخ عالمي يسيطر عليه الإيقاع السريع غير المسبوق في تاريخ الإنسانية، بفضل ثورة الاتصالات الكبرى ومن قبلها شبكة الإنترنت، والتي غيرت بشكل حاسم حقاً نوعية وطبيعة المعاملات الإنسانية والاتصال بين البشر بالرغم من تعدد الثقافات.

هل أحزاب المعارضة السياسية العربية استطاعت أن تستوعب كل هذه التغيرات الكبرى، وتعكسها في مجال صياغة رؤاها السياسية التي تطرحها بديلة للرؤى السياسية التقليدية أو الفاشلة للنظم السياسية والحاكمة؟!

لا نظن أن هذه الأحزاب السياسية قد قامت بالجهد المعرفي والفكري الضروري في هذا المجال. ومن هنا يمكن القول إن التغيير العربي الشامل قد لا يأتي من قبل النظم السياسية الحاكمة التي ما زالت تمانع في دخول حلبة التغيير الشامل، ولكنه قد يأتي من قبل الأحزاب السياسية المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني لو أدركت عظم المسؤولية التاريخية الواقعة على عاتقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد اعتقال المحامية سنية الدهماني بالقوة.. محامو تونس يضربون


.. اعتقالات وإعفاءات في تونس بسبب العلم التونسي




.. تونس– اعتقالات وتوقيف بحق محامين وإعلاميين


.. العالم الليلة | قصف إسرائيلي على شمال غزة.. وترمب يتعهد بطرد




.. ترمب يواصل تصريحاته الصادمة بشأن المهاجرين غير الشرعيين