الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدرسة -جمول-: التضحية إيثار، لا اتّجار

عديد نصار

2013 / 9 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



"لا صورةً لك أو ضريحٌ أو مقامْ
قل أين ألقي زهرتي الحمراءَ في هذا الزحام؟"

لم يسقطوا "فدا رِجل" فلان من الناس مهما كان موقعه،
لم يسقطوا من أجل تأبيد سيطرة نظام ما على رقاب الناس،
لم يسقطوا من أجل "إمارة" أو "ولاية" أو سلطة أو زعامة،
لم يسقطوا من أجل مطامع فردية أو طموحات هذه الجماعة أو تلك،
لم يسقطوا من أجل مكاسب في "الدنيا" أو مطامع في "الآخرة"، ولم تغرهم جنات عرضها السموات والأرض ولا الحور العين ولا أنهار اللبن والعسل...
لم يسقطوا من أجل تخليد أسمائهم في القصائد والنصوص والخطب الرنانة والمهرجانات الحمراء،
لم يسقطوا من أجل أن يخلدوا في صور أو تماثيل أو اضرحة. كثيرون منهم لم نعرفهم قبل أن يستشهدوا، وكثيرون منهم لم نعرف أسماءهم ولم نر صورهم حتى بعد أن استشهدوا،
لم يسقطوا كي أكتب فيهم هذه الكلمات،
ولكنهم استشهدوا على طريق تحرير الأرض والانسان وهم يدركون جيدا أنه لن تتحرر الأرض إلا حين يتحرر الانسان.
لقد استشهدوا وهم يرون أنهم مستمرون في ضحكات الأطفال وبسمات الأزهار وعبق الأرض، وأنهم أحياء طالما تمتعت بلادهم وشعبها بحب الحياة وطالما نبضت شرايين الأرض بالعشق وطالما رددت الحناجر والمناقير الصغيرة أغانيَ وأناشيدَ المحبة والفرح.
إنها التضحية التي لا تكون إلا بالإيثار، ولا تتجلى إلا بتقديم وتفضيل عشق الحياة على حياة الفرد نفسه.
إنهم شهداء "جمول"، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، تلك الصفحة الأكثر إشراقا في تاريخنا المعاصر، والتي طوتها صفحة شاحبة ازدادت قتامة عندما تحولت التضحية إلى اتّجار بعد أن كانت إيثارا. فصار الاستشهاد موتا طمعا بما بعد الموت فتسيّدنا الموت!
لم تهزِم قوات الاحتلال الصهيوني إلا جيوش الأنظمة. تلك الأنظمة التي تجثم على الصدور وتتسيد بالقهر والعهر والفساد. وعندما دخلت لبنان، لم تهزِم شعبَه ولم تتمكن من إخضاع البشر ولا الحجر، رغم غزارة النيران والحقد، ورغم كثافة العنصرية وتجذرها. صحيح أنها اجتاحت العاصمة بعد حصار، ولكنها لم تستطع أن تجتاح النفوس المشبعة بروح الإباء. لذا، لم يمضِ وقت على ذلك الاجتياح حتى نادى المنادي من فوق ظهور الدبابات الأثقل: يا أهالي بيروت! لا تطلقوا النار ... نحن منسحبون!
كان هذا ردّهم على أبطال "جمول". كان هذا اندحارهم الأول، وقد كان في مواجهة ابطال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. لم تكن الحرب حربا دينية مقدسة، ولم تكن المقاومة حكرا على طائفة أو ملة أو مذهب، ولم يكن الانتصار انتصارا "إلهيا" مؤزرا، ولم تهبط الملائكُ للقتال، ولا الطيور الأبابيل بحجارة من سجيل... كانت مقاومة شعب، رجالا ونساء، أبطال أحرار في وجه احتلال غاشم مقيت، ليستعيد هذا الشعب حقه في الحياة والفرح، فكان انتصارنا انتصار إرادة الحياة في وجه صلف العدوان.
اتركوا المقاومة للجماهير، للشعوبِ حرةً من كل ارتهاناتكم وتبعياتكم. اتركوا المقاومة حرةً من القيود الطائفية والمذهبية والعصبوية. اتركوها حرةً وطنيةً إنسانية خالصة من مشاريعكم التصفوية والإلحاقية والتفتيتيّة. وليغادرْ قتامُكم المرُّ ساحاتِها. خذوه مع صواريخكم، فلم نكن يوما بحاجة إليها. قاومنا بإرادتنا، بجذوة أعيننا، بأظافرنا، بجباهنا، بزنودنا العارية وقبضاتنا الطلقة، وانتصرنا.
خذوا كل ما أثقلتم به كواهل أرضنا وضمائر أهلنا من عُقدٍ ومن تاراتِ العمى التاريخي، والماوراء تاريخي، الألعنِ والأقبح، وانصرفوا.
"جمول" مدرسة علا الغبارُ مقاعدَها، ولكنها الأجملُ والأبهى وتظل الأجملَ والأبهى لأنها مدرسة التضحية الحقّة، مدرسة الإيثار لا الاتّجار. وحتى ينجليَ السواد من الآفاق المشتاقة للحرية ويتداعى الظلام قطعة إثر قطعة، ويسترد الضياءُ موقعَه في النفوس، سنمسح بالأهداب ذلك الغبار، لتعودَ مدرستنا الأثيرة لمّاعة لمّاحة في كل وجدان وبال. لتتعلمَ الأجيالُ معانيَ الإيثار والمحبة، فلن تكون للمصلحة الفردية نكهةٌ ولا مذاق إلا حينما تتأتّى من مصلحة المجتمع والوطن وتتفرّع منها.
"جمول" مدرسة، معلموها الشهداء ينتظرون التلامذة المجدّين المثابرين، كي نغنيَ معا أناشيد الحياة، وأغانيَ الحرية والعشقِ والفرح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. - الغاء القوانين المقيدة للحريات ... آولوية -


.. أليكسي فاسيلييف يشرح علاقة الاتحاد السوفييتي مع الدول العربي




.. تضامناً مع غزة.. اشتباكات بين الشرطة الألمانية وطلاب متظاهري


.. طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ




.. Peace Treaties - To Your Left: Palestine | معاهدات السلام -