الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حذار من الهرة السوداء
رعد اطياف
2013 / 9 / 15المجتمع المدني
الحنين إلى الماضي مرض عضال، وقلما استطاع احدنا التخلّص منه ،
والتخلّي عن تلك الحميمية التي يتركها في أعماقنا ،
ونحن نسترجع شريط الذكريات ، ذلك المستودع المشحون بآلامنا وأفراحنا ،
وطقوسنا السرية التي لم يطّلع عليها احد سوانا ،
لكنّنا نندفع بشكلٍ لا أرادي لاسترجاع طفولتنا و ملاعب صبانا ، و خيالنا الذي لا يحده خطوط حمراء ،
على الأقل في مراحلنا الأولى .
أول ما استوطن خيالي الطفولي قصة الهّرة السوداء " أم سبعة أرواح " ،
وكانت هذه القصة تمت بمباركة والدتي المسكينة ،
التي كانت تلوّح لي كثيراً بأن هناك هرة سوداء كبيرة تمتلك سبعة أرواح ،
تسرق الأطفال الأشقياء .
ولا اخفي عليكم كم كنت خائفاً في نومي ، وأنا أستحضر هذه القصة ،
التي شكّلت لوالدتي جرعة ناجحة لإجباري على النوم .
كان الملاذ الوحيد لتبديد مخاوفي ذلك الحضن الدافئ ،
ولمجرد إن أمرر انفي تحت فوطتها ، تنساب إلى روحي رائحة لم أألفها من قبل ،
و أغفو على بحيرة من الصمت ، وبعدها فلتذهب كل هررة الكون السوداء إلى الجحيم .
وهكذا ، أمي التي نسجت لي أسطورة الهرة " المتوارثة في ثقافتنا الشعبية "
وحدها من تستطيع إسكات هذه المخاوف ..
وهل هناك حضن غير حضنها يزلزل كل شياطين الكون ؟
ما علي إلا استنشاق هذه الرائحة الغريبة ، حتى تغدو الأشياء لحظة أبدية عصيّة عن الوصف .
اليوم بعد بلغنا أشدنا وبلغنا مبلغ الرجال ، امتزجت مخيلتنا بآلاف الحكايا ،
لكن من يخفّف وحشتنا وقلقنا ولحظات التيه التي تعترينا في كثير من الأحيان ؟
بعضهم يقول الرب ، بالتأكيد سيكون الرهان الأكبر لديهم في هذه اللحظات الصعبة ،
و لكنّ هذا الإله كما تعلمون شديد العزة ، ويحتاج إلى وسطاء كثر وشفعاء محترفين للوصول إلى مرضاته ،
و المؤسسة الدينية تحفل بهؤلاء الوسطاء المحترفين ، الذين خوّلوا نوابهم للعمل على راحة الخلق ،
ونوابهم الأحزاب الدينية و السياسية المحترمة ، ستلعب دور الإله بحرفية هائلة ،
وكما تعلمون أبرز هذه الأحزاب هي الإسلامية ، هناك حزب شيعي و أخر سني ،
وبمقتضى التباين المذهبي ، سيكون الشعب متعدد الأمهات ،
أم سنية ، وأخرى شيعية ، والسنة لهم قلقهم الخاص واغترابهم الخاص وتطلعاتهم الخاصة ، كذلك الشيعة .
لكن يبدو إن أسطورة الهرة هي المرشح الوحيد في مثل هذه المعمعة ،
ولأول مرة يتوحد المذهبان في اختيار أسطورتهم التي تسكت شقاوة أبنائهم ،
وهانحن عدنا بخفي حنين لأسطورة الهرة السوداء ،
لكن هذه المرة تتقمص الهرة روح واحدة لكلا الفريقين ( وهذا اتفاق أخر) .
الأم السنية سترعب أبنائها الأشقياء بهرة شيعية سوداء ، قادمة من عمق التاريخ ،
والقسوة والألم والحرمان والتنكيل والتهميش والقتل على الهوية ،
هرة تحرق الأخضر واليابس ، فحذار من هذه القطة السوداء !
الويل لكم إن لم تنتخبونا !
وألام الشيعية دائماً ماتذكّر أبنائها بهرة سوداء ترتدي الطربوش الأحمر وشنب مفتول إلى الأعلى ،
وفي بعض الأحيان ترتدي عمامة هارون الرشيد ، أو لباس معاوية ، وسيف صلاح الدين ،
تفترس الغافلين والطيبين والمساكين ، وأنيابها بارزة بوضوح ، تفترس كل من يعتلي عرش السلطة .
ويبقى الشعب مرعوباً من هاتين الهرتين إلى اجل غير مسمى ، أو حتى تضع الحرب – السنية الشيعية – أوزارها ،
ويصل هذا الشعب لمرحلة الفطام المذهبي ، لتختفي هررنا السوداء إلى الأبد .
شخصياً أنا مرعوب جداً ، وبودي الرجوع إلى هرتي " أم سبع أرواح" ،
على الأقل لم تلوثها المذهبية القذرة ، صدرت من أم حنون ،
أم أصيلة فقدت زوجها في سن الخامسة والعشرين ،
على يد صدام، لكنها لم تلوث ذاكرتي بهرة مذهبية .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تحذيرات أممية من حظر إسرائيل وكالة الأونروا.. ما التفاصيل؟
.. الأمم المتحدة: نصف مليون لبناني وسوري عبروا الحدود نحو سوريا
.. مستوطنون حريديم يتظاهرون أمام مقر التجنيد قرب -تل أبيب- رفضا
.. مسؤولة الاتصال في اليونيسف بغزة: المستشفيات تعاني في رعاية ا
.. الأمم المتحدة: أكثر من مليون نازح في لبنان