الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الذهنية الدينية العامية: الجزيرة السورية نموذجا
اسماعيل خليل الحسن
2005 / 5 / 22العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقتحم رجال ملتحون مناسبات اجتماعية مختلفة و خاصة بيوت العزاء , بغية إلقاء مواعظهم الدينية على الناس , ففي البدء يصبون جام غضبهم على الغرب و أفكاره المخربة للناشئة , و أن الحل يكمن في العودة إلى نفائس التراث , و إحياء علوم الدين من أجل إصلاح أحوال الدنيا , ثم لا يلبثون أن يدعمون قوة مواعظهم , من خلال هذا الغرب و علومه التي فنّدوها قبل قليل , فعلى سبيل المثال , أثبت علماء أمريكيون أن غاز الأوزون يتواجد بكثافة إبان صلاة الفجر , وأن الحركة الفلانية في الصلاة تقي من السرطان . و من ثمّ ترويج أخبار غريبة مثل سماع الملاح الفضائي الأمريكي نيل أرمسترونغ لصوت الآذان على سطح القمر, ثمّ إعلانه إسلامه , الأمر الذي أنكره الرجل , أو ترويج لوحة رسمها فنان مصري على أنّها غابة في ألمانيا شكّلت أشجارها عبارة لا إله إلاّ الله , و أنّ الجنود الأمريكيين شاهدوا جنودا غير مرئيين يقاتلون في الفلوجة , عدا عن أمارات علامات الساعة الآخرة التي تترى من حين لآخر .
يمكن ملاحظة الأمور التالية :
* أن أغلب هؤلاء الوعّاظ من متوسطي الثقافة , ولديهم مشكلات مع اللغة العربية , فضلا عن جهلهم بأصول الفقه الإسلامي .
* غياب المنهج من تفكيرهم , فالفجوات واضحة في أذهانهم , وخاصة في انتقالهم من فكرة إلى فكرة قبل اكتمالها, حسبما يقتضي السرد , و استخدامهم الاعتباطي للقياس , كقياس أمور دينية على أمور دنيوية و بالعكس .
* الاتكال على تحريض المشاعر , و استدرار الاستحسان , و تغليب الترهيب على ما عداه .
* تفسير القرآن وفق آخر ما توصل إليه الغرب من ابتكارات , و كأن العلّة الإلهية من وراء الآية الفلانية, لا يفك شفرتها سوى الأمريكيين , ناسين أن سر القرآن يكمن في سر اللغة العربية وامتلاكها, ولا يعني ذلك الركون إلى القواميس واعتبار أنّ ما جاء فيها لا يأتيه الباطل .
* اعتقادهم أن المعاجيز و الخوارق التي تخرج عن طبيعة الأشياء هي أفضل وسيلة للإقناع , علما أن المعجزة ليست في الفوضى بقدر ما تكون في النظام , فالمعجزة في بلد ما ليست يخرق قانون السير مما يزيد نسبة الحوادث , و المعجزة أن يقف المسئول الكبير في الطابور أمام المخابز لا في اختراقه له , و المعجزة في الغنى الشريف بالعرق و الجهد , لا في الاختلاس و الإثراء السريع , فمعجزة الله في نظام كونه و باضطراد نواميسه لا في خرقها.
* التبريرية : فلا تحديد للمسئولية أو المسئول , فالجميع مسئول , أو لا أحد مسئول ويتفرق الدم على القبائل .
* هؤلاء يمكنهم خرق العادة والاجتماع بجماهيرهم في المناسبات الاجتماعية, و هذا أمر حسن, بينما لا يمكن، تحت سلطة قانون الطوارئ, اجتماع أكثر من شخصين فضلا عن إقامة الندوات الفكرية و السياسية.
من كل ما تقدم نخلص إلى أن الثيوقرلطية تجد مرتعا لها في هذه الذهنية الدرويشيّة , في غياب مشروع إسلامي نهضوي تعددي, بله غياب أي مشروع نهضوي قاطبة .
في الجانب الآخر من الاستحكام , نجد الوهابيّة و السلفية , كرد على ما تقدّم , بينما لم نسمع عن مفكر تنويري واحد , يطرح مشروعا ثالثا , و لو أننا نشفق على العقل في هذه الأمة , الذي ينوح في غربته مع أبي الطيّب في قوله:
هكذا أصبحت في أهلي و في وطني................................. إنّ النفيس غريب حيثما كانا
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. 155-Al-Baqarah
.. 156-Al-Baqarah
.. 157-Al-Baqarah
.. 158-Al-Baqarah
.. 159-Al-Baqarah