الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق الدينية, والتأسيس الديني للأخلاق.

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني

2013 / 9 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



الأخلاق الدينية هي نسق من التصورات والقواعد و الوصايا الأخلاقية تؤسسه الأدوات الدينية, و يرتبط ارتباط وثيق بالدين كمنظومة من الطقوس التي تحدد علاقة الإنسان بالعالم الآخر, ان كل أخلاق, بما فيها الأخلاق الدينية تعبر من حيث مضمونها الاجتماعي الفعلي عن مصالح هذه أو تلك من الطبقات, وتشكل الظروف التاريخية الاجتماعية أساس الأخلاق الدينية. ان النظرة الدينية إلى الأخلاق تنطلق من الإيمان بالإله يعطي التأسيس الممكن الوحيد لمبادئ أخلاقية (سامية), تدعي بأنها تعرض الميول الوضيعة عند الإنسان في الحياة الاجتماعية الغارقة في مستنقع الرذيلة, ومن هنا يكون الإله الذي خلق الإنسان وأعطاه الوصايا الأخلاقية, الأصل الوحيد للمبدأ الأخلاقي في الإنسان.
تحدثنا عن المصالح الطبقية و الظروف الاجتماعية, فتلقى هذه المصالح في الأخلاق الدينية تأويلاً غيبياً, الأسطورة اليهودية و المسيحية و الإسلامية, تحكي كيف تلقى موسى الوصايا الأخلاقية من الله على جبل سيناء, و الإسلام يدعي أن الله خالق الكون, وواهب الحياة و الموت ومصدر التمييز بين الخير و الشر, و من هنا يأتي التصور بأن المطالب الأخلاقية, وضعت مرة واحدة والى الأبد, وهي تقف فوق التاريخ, و يتم التصور بأنها لا تتوقف على الظروف الاجتماعية لحياة البشر. و تطرح الأخلاق الدينية التصورات الأخلاقية على أنها تقف كنقيض تام للطبيعة الإنسانية البدنية, بمعنى انه تأتي التصورات الدينية لتجعل من المبدأ الروحي الإلهي مجابه لطبيعة الإنسان الفاسدة, ان الظلم السائد في المجتمع ألتناحري يطرح أمام الدين مشكلة من لون خاص, وهي تبرير الشر على الأرض, و يأتي هذا في الديانة المسيحية على شكل (التيوديسا) والتي تقول بأن كل خير على الأرض هو من صنع الله, وأن كل شر هو من صنع البشر أنفسهم, وهذا ما يطرحه الإسلام أيضا, الا ان الإسلام يؤول الأمر من جانب (الابتلاء, و الاختبار), أي ان كل شر, الفقر, الجوع, البطالة الخ.. هي مشاكل ابتلى الله بها الناس لكي يمتحن صبرهم وإيمانهم.
في الأخلاق الدينية حياة الإنسان فانية, عابرة, يكفر الإنسان فيها عن خطيئته الأصلية, وهي محطة يحضر الإنسان فيها نفسه من أجل الحياة الأخرى. ان الأخلاق الحقة التي يطرحها الدين هي (الزهد والاستكانة), وقمع الإنسان لكل ما هو إنساني فعلا فيه.
وعلى الإنسان ان يخدم الرب في المقام الأول, لا الناس والمجتمع. بما أن الأخلاق الدينية تصور الله حكماً أعلى لتصرفات الإنسان فإنها تتيح إمكانية رفع مسؤولية الإنسان الشخصية عن مواقفه الأخلاقية واختيار نهجه في السلوك, وهذا قد يستتبع رفض الإنسان ان يبرر موقفه الأخلاقي وتصرفه (هذا ما طلبه مني الله). تماما مثل النزعة لقتل الآخرين بحجة دفاعه عن الدين, وممارسات لاأخلاقية وتقف نقيض للإنسانية .
اننا نسمع كثيرا الحجة التالية لصالح التأسيس الديني للأخلاق, وهي ترد على لسان الكثيرين من المثقفين, و (اليساريين) : " ان المطالب الأخلاقية قد صيغت للمرة الأولى في إطار المذاهب الدينية, ولذا, ينبغي على المرء حتى لو كان لا يؤمن بوجود الله الاعتراف بالدور الايجابي الذي لعبه الدين في تطور وعي البشرية الأخلاقي, و أنه لو تم نزع الدين, سينقلب الناس ضد بعضهم, و سيصبح المجتمع لاأخلاقي".
ولكن منذ الفلسفة اليونانية القديمة, جوبه التأسيس الديني للأخلاق بالنقد, وأيضا, كان هناك أهمية كبيرة جدا لما قام به منورو عصر النهضة من نقد الفهم الديني للأخلاق, ولكنهم طرحوا الموضوع في إطار التصور البرجوازي للمجتمع, ان الماركسية اللينينية ترد على الحجج التي ترد لصالح التأسيس الديني للأخلاق - الذي يطرحه المنظرون البرجوازيين, و اللاهوتيين المعاصرين, والكثير ممن يستعصي عليهم فهم هذا الموضوع – بأن الماركسية تذهب الى أن الشكل الديني لتأسيس الأخلاق كان الأكثر شيوعاً في تاريخ المجتمع السالف, لأنه كان الأكثر استجابة لطابع علاقات الناس الاجتماعية في المجتمع الطبقي, فالأخلاق التي هي نتاج وعي الناس كانت تتبدى لصانعيها شيئاً مبهماً مفروضاً عليهم من الخارج, ومع انقسام المجتمع الى طبقات, صارت الأخلاق السائدة تصطدم تدريجيا بمصالح الكادحين, فقط في المجتمع الخالي من الاستغلال تخلق المقدمات الموضوعية لاضمحلال الإيمان بالأصل الرباني للأخلاق. ويمكن من أجل تقريب هذه المسألة - لدحض الحجج التي ترد لصالح التأسيس الديني للأخلاق, و أنها تلعب دور ضابط في حياة الناس, نورد مسألة وموضوع (الزهد), فكما ذكرنا سالفاً أن الأخلاق الدينية الحقة التي يطرحها الدين هي الزهد, فالزهد هي مبدأ أخلاقي يلزم الناس بالتخلي عن الخيرات والملذات الدنيوية وبقهر الأهواء الحسية في سبيل الوصول الى الكمال الأخلاقي, يضرب الزهد جذوره في المجتمع المشاعي البدائي, عندما كانت ظروف الحياة الشاقة يتطلب من الناس تحملاً جسدياً كبيرا وقدرة على الصمود لشتى أنواع الحرمان, وكان هناك طقوس لترسيخها بين أفراد الجماعة, اكتسب مبدأ الزهد هدف ومغزى جديد في المجتمع الطبقي, وقد ظهرت أولى محاولات تأسيسه في الديانات الشرقية القديمة وفي المسيحية و الإسلام لاحقاً, وعلى أساس انه يجب على الانسان أن يحرم نفسه من الملذات الدنيوية حيث يصل الانسان بالتالي الى الكمال الخلقي, أما المغزى الاجتماعي الحقيقي لهذا المبدأ فيقوم في الترويج بين عامة الناس لفكرة التخلي عن النزوح الى حياة كريمة التي تستمتع بها الطبقات السائدة, وبذلك كانت الدعوة إلى الزهد أداة أيديولوجية لتبرير النظام الطبقي وترسيخ دعائمه, ومن ذلك مثلاً , ان الرهبنة التي كانت تقتضي زهد رجال الدين وتنسكهم, قد رسمت حولهم هالة من القدسية فروجت للتقشف بين الكادحين, و طبعا الحديث يطول عن الزهد وتاريخه وأثاره الاجتماعية الذي يروج له الدين بكل أدواته, ومثله مثل الكثير من أشكال الأخلاق الدينية الأخرى, كتشويه مفهوم الشرف و الفضيلة... الخ. وهكذا يتبين لنا بجلاء, بطلان مزاعم الكثيرين حول أصحية الحجج بصدد التأسيس الديني للأخلاق وضرورته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah