الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتلاع جذور التفرقة

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 9 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



جاءتنى الطفلة غاضبة من المدرس الذى قال إن الله سيحرق زميلتها القبطية فى نار جهنم وأمرها ألا تأكل من طعامها، لم يقتنع عقل الطفلة الطبيعى بأن الله يمكن أن يحرق طفلة بريئة لأنها ولدت فى أسرة قبطية، لكنها أطاعت الأمر لأن الطاعة فضيلة.
تذكرت طفولتى وأنا بالمدرسة الابتدائية، قضيت أياما من عمرى أطرد من خيالى صورة صديقتى القبطية وهى تشوى فى النار كالخروف، حتى أنقذنى أبى وقال لى: شغلى عقلك ولا تطيعى كل شيء كالخروف، ثم رافقنى أبى للمدرسة، سمعته يقول للمدرسين إن الله لا يحرق الأبرياء الصغار لكنه يحرق الكبار الذين يخربون عقول الأطفال ويغرسون فيها بذرة التفرقة التى يصعب اقتلاعها بعد أن يكبروا، التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر لا يزول.
فى التاسعة من عمرى قرأت فى كتاب المدرسة أول عبارات التفرقة بين البنت والولد (سعاد تكنس وأحمد يقرأ، زينب تطبخ وسعد يكتب) وأصبحت أكافح طول حياتى لأتحرر من عبودية الكنس والطبخ وأنتزع لنفسى حق القراءة والكتابة. وجاء فى كتاب القراءة الرشيدة أن الذكاء والقامة الطويلة ميزة الرجولة، والقامة القصيرة والطاعة ميزة الأنوثة، كنت طويلة القامة فأصبحت أحنى ظهرى لأبدو قصيرة، كما أصبحت أخفى ذكائى لأبدو مطيعة، لكن سرعان ما أنقذتنى أمى وأعطتنى كتبا (خارج الكتب المدرسية) تؤكد المساواة الكاملة بين الناس.
كنت طفلة محظوظة لتكون لى هذه الأم وهذا الأب، وليكون فى بيتنا مكتبة كبيرة تضم كتبا أخرى غير المدرسية المقررة علينا التى تقضى على ذكائنا الفطري. كنا أكثر من ثلاثين طفلا وطفلة فى الفصل، تحتوى بيوتهم على صالون للضيوف ورفوف فوقها تحف ثمينة، ليس من بينها رف واحد للكتب. المرأة المصرية القديمة هى التى اكتشفت الحروف والكتابة منذ أكثر من سبعة آلاف عام، وعرف العقل المصرى الطب والفلك والفلسفة والرياضة والهندسة والفن قبل أى عقل فى البشرية، فكيف تدهورت عقولنا ومدارسنا وتعليمنا وأصبحنا فى المؤخرة؟
وهل يضع الدستور الجديد بعد كل هذه الثورات الأساس لبناء العقل المصرى الجديد؟ هل ينجح فى تحقيق مباديء الثورة فعلا وليس مجرد نصوص عامة لا تطبق؟ هل يمكن التخلص من الرؤية الجزئية للأمور والمصالح الآنية الحزبية والمهنية؟.
يدور الاهتمام حاليا بالسطح الخارجي، بالاصلاح الظاهرى أو بالتعديل فلجزئى، ولا يدخل الى صميم التغيير الشامل والتجديد المطلوب الذى نادت به الثورات المتكررة، فمرجعية الدولة المدنية هو الدستور المدنى الكامل دون بنود دينية، والقوانين المدنية مصدرها العقل وليس الشريعة.
العقل لا يعنى العقلانية الأكاديمية التى تفصل بين فروع المعرفة، بل يعنى العقل الكلى أو النظرة الكلية للحياة والانسان والكون والمجتمع، والربط بين العلم والفن وبين الجسد والعقل والروح والتفكير والشعور والخيال والوجدان.
الدستور المدنى الجديد لا بد أن ينص على مفهوم جديد للتعليم والقيم التربوية والاجتماعية ويربطها بالقيم الثقافية والاعلامية؟.
التعليم الحالى ينتج أتباعا مطيعين (أى منافقين) للسلطة فى الدولة والعائلة، يتسم التعليم المصرى بالتفرقة الجنسية والدينية والطبقية، تسوده المفاهيم الذكورية والأحكام المسبقة والقيم المزدوجة المتناقضة، لم تكن فى مدرستى الابتدائية طفلة واحدة ترتدى الحجاب عام 1942، وحين كنت فى كلية الطب عام 1954 لم تكن هناك طالبة محجبة، منذ السبعينيات فى عصر الرئيس (المؤمن) انتشر الحجاب بين التلميذات رأس الطفلة عورة. فقد أصبحت الطفلة أداة لإغراء الرجل، وزادت حوادث اغتصاب الأطفال والبنات وانتشرت ظاهرة زواج القاصرات، وتضاعف الفساد الأخلاقى مع تصاعد التيارات الدينية السياسية، وزاد التعليم تدهورا وتخلفا عن القرن الماضى، وأصبحت التفرقة الدينية والجنسية هى الأساس. وانخفضت قيمة الثقافة والعلم ودخل الفن ضمن المحرضات على الفساد.
وانخفضت قيمة التفكير العميق ودخلت الفلسفة ضمن المحرمات المشجعة على الكفر، زادت غرف الصالونات الفاخرة فى البيوت والرفوف المزخرفة بالكتب الدينية المغلفة بالذهب، واختفت الكتب العلمية والفنية والأدبية وإذا لم يشمل الدستور الجديد على مفاهيم جديدة للتربية والتعليم والثقافة والاعلام فقد تم اجهاض الثورات كلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابعاد الدين
انتصار الانصاري ( 2013 / 9 / 18 - 08:13 )
ابعاد الدين عن المؤسسات التعليميه هو الحل الوحيد لازالة التفرقه الجنسيه والطبقيه وهذا لايتم الا عن طريق توعية الجيل الجديد وتحريضه على القيام بثورات ليس فقط لتغيير الانظمه وانما لتغيير المناهج الدراسيه والتعليميه من جذورها
ولك الف تحيه


2 - سلم فكرك
الناسوتي ( 2013 / 9 / 18 - 11:25 )
سيدتي، ما قلته صحيح وهو ينطبق على كل البلاد التي انتشر فيها الفكر السلفي فالمغرب أيضا كان في الستينيات والسبعينيات وإلى غاية منتصف الثمانينيات مجتمعا منفتحا ومدنيا رغم قمبع وبطش سنوات الرصاص، لكن النظام الإقطاعي عمل على إنشاء مؤسسات تعليمية دينية باتت فيما بعد ورشة إنتاج الفكر الديني المتطرف بغية القضاء على العقول المتنورة الداعية لبناء مجتمع مدني حضاري.
في هذه الفترة كان الكل يتردد على بالصيف على الشواطئ رجال ونساء ويحتمون بمياهها الباردة من نار الشمس الحارقة، أما اليوم فإن مياه البحر أصبحت حكرا على الرجال في حين النساء جلسن في ملابس غير صيفية تحت مظلات ينظرن للبحر ولا يجرؤن على دخوله.
بالطبع المسألة ليست في استطاعة النساء السباحة من عدمها، بل القضية تكمن في تغيير الالعقلية بشكل سلبي لصالح الفكر الظلامي بالمغرب. هنا تحضرني جملة قرأتها بالفيس بوك لإحدى الرفيقات تقول:-إذا كان شرف الرجل مرتبط بعضو بيولوجي (البكارة) لدى المرأة، فإنه يذهب بزوال هذا العضو البيولوجي-.


3 - المرأه اولاً واخيراً
عادل العراقي ( 2013 / 9 / 18 - 22:36 )
المرأه- مدرسه اذا اعددتها---اعددت -رجلا- طيب الاخلاق
وعذراً لتحريف البيت الشعري الحكمه


4 - إقتلاع
ناس حدهوم أحمد ( 2013 / 9 / 22 - 12:42 )
ما حدث في مصر وهو نفسه ما حدث في كل الدول العربية بما في
ذلك وطني المغرب
فخلال الستينات والسبعينات كانت المكتبات مزدانة بأمهات الكتب العالمية
ولم تكن آنذاك الغلبة للكتب الدينية أبدا
اليوم إختفت الكتب العظيمة من المكتبات وحلت محلها كتب دينية
إرهابية مثل عذاب القبور وغيرها من الكتب التي تهدد الناس
وتحولهم إلى مذعورين إختفت حرية الكلام بين الناس وإبداء الرأي
وتحول البشر إلى منافقين يحكون جباههم بالحجارة الحرشاء كي
يرسموا طابعا أسود فوق الجباه للإفتخار وإيهام غيرهم بأنهم تقاة
طاولات متحركة في الشوارع تحمل مكبر الصوت وهو يتلو القرآن
بطريقة تكاد تصم الآذان والصلاة أيضا داخل المساجد يتم نقلها عبر
مكبر الصوت إلى الخارج بنفس الحدة والطاكسيات والحافلات يهدرون
وقتك بتلاوة القرآن وتسجيلات خطب فقهاء مرضى لحد البكاء فتشعر
كأنك في بيت للعزاء أو بين المقابر
بينما الإيمان منعدم عند هؤلاء فإذا ما غفلت طارت عينك
لقد أصبحت الحياة مستحيلة ظلماء

اخر الافلام

.. كوباني تحتضن مهرجان زيلان الثالث


.. -الشهيدة زيلان رمز للمرأة الكردية المناضلة-




.. لمناهضة قتل النساء منظمة سارا تطلق حملة توعوية


.. مسرحية غربة




.. دعاء عبد الرحمن طالبة بكلية الصيدلة بجامعة أم درمان