الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب التحرير

عبدالله المدني

2005 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحداث الشغب التي حدثت مؤخرا في أوزبكستان ضد نظام رئيسها إسلام كريموف ، ثم ما حدث في أفغانستان و باكستان من مظاهرات و أعمال تخريب على خلفية قصة تدنيس القرآن الكريم في قاعدة غوانتنامو أعادت إلى الواجهة ما يسمى بحزب التحرير الذي اتهمته أوزبكستان بالوقوف خلف الحدث الأول و اتهمته جهات مخابراتية إقليمية بلعب دور المنظم و المؤجج في الحدث الثاني.

ما يعرف عن هذا الحزب قليل قياسا بما هو معروف عن غيره من الحركات الإسلامية المتشددة على الرغم من قوة مخابرات الدول التي ينشط فيها. فهياكله التنظيمية و أسماء قادته الكبار و أساليب تجنيده للأتباع و مصادر تمويله وأنماط علاقاته مع التنظيمات المشابهة الأخرى لا تزال لغزا أو مادة للجدل. وهكذا فان ما هو مؤكد عنه لا يتعدى انه تأسس ابتداء في القدس في عام 1953 على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني – توفي في ظروف غامضة في عام 1977 – وعلى خلفية نكبة المسلمين في فلسطين والتي زعم النبهاني أنها ما كانت لتحصل لو أن دولة الخلافة الإسلامية باقية و شرع الله مطبق. و وفق هذا المنظور اتخذ الحزب من مسألة إحياء دولة الخلافة هدفا مركزيا ، واستطاع عبره جذب الأتباع من مصر وبلاد الشام و شمال أفريقيا ، قبل أن تظهر له واجهات و فروع في دول عديدة تحت نفس المسمى و الهدف و يصبح محظورا و هدفا للملاحقة في مختلف أقطار العالم الإسلامي.

أحد التصورات المنشورة تزعم أن التنظيم الهرمي للحزب مكون من خلايا كل أربع منها تشكل جسما محليا على رأسه "نقيب"، وان الأخير عضو في مجلس إقليمي يتزعمه معتمد ، وان المعتمدين يعملون باستقلالية تحت قيادة أمثر أعلى للتنظيم. أما عن مصادر تمويله فهناك اعتقاد بأنه يعتمد على أثرياء متشددين من الشرق الأوسط أو ممن يعيشون في أوروبا. كما قيل في وقت من الأوقات انه حظي بدعم مالي من زعيم تنظيم القاعدة الفار أسامة بن لادن. وحول أساليب عمله قيل انه يكفي النظر إلى الطريقة التي يتحرك وفقها أتباعه في باكستان و ضمن الجاليات الإسلامية في بريطانيا و القائمة على تحريض المسلمين وشحنهم من خلال الجوامع و الأندية و عبر المنشورات و الكتب و شبكة الانترنت. وهذا يتوافق مع ما يقوله الناطقون باسم الحزب من انه لا يستخدم العنف أو العمل المسلح لتحقيق أهدافه. غير أن هناك شواهد كثيرة تدل على أن عمله هذا يجري بالتوازي مع أنشطة مسلحة تقوم بها واجهات ميليشاوية تابعة له وبصورة توحي للمتابع أن لا رابط بين الأثنين.

بحسب أدبيات الحزب المنشورة وبياناته و تعليقاته الواردة في موقعه الالكتروني وخطب أتباعه ، يمكن القول أن حزب التحرير لا يملك برنامجا سياسيا متكاملا للحكم ، تماما كما هو الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة أو جماعة الإخوان المسلمين أو غيرهما من الحركات الإسلامية التي تكتفي جميعها بشعار فضفاض يتمثل في أن "الإسلام هو الحل". حيث أن التنظيم يختزل الحل لأزمات الأمة الإسلامية في إقامة دولة الخلافة الإسلامية الجامعة لكل المسلمين و المطبقة لأحكام الشريعة. وربما كان العنصر الوحيد الذي يميزه هو التركيز على باكستان كمنطلق مثالي لدولة الخلافة بسبب وضعها الجيوسياسي و تدين شعبها ومواردها الاقتصادية و قبل كل شيء قوتها العسكرية والنووية. و لعل أفضل دليل على اهتمام الحزب بهذا البلد هو انه سعى بنجاح إلى التسلل إلى مختلف مناحي الحياة في باكستان حتى صار- طبقا لأحدى الدراسات- صاحب تأثير في المجتمع و أتباع كثر من طبقة المتعلمين على خلاف التنظيمات الباكستانية المشابهة الأخرى التي تعتمد على قواعد من الأميين و الجهلة في الغالب.

في خطبة في لاهور في عام 2003 لأحد رموزه و يدعى عطا أبو رشدة قال المذكور إن الإسلام يواجه محنة عظيمة في أماكن كثيرة لا يمكن الخروج منها إلا بإقامة دولة الخلافة. أما الناطق الرسمي باسمه في باكستان " نافيد بط " فقد دعا في خطبة أخرى في المدينة نفسها و العام نفسه إلى اغتيال الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف بحجة انه أهان الإسلام بقوله أن نظام الخلافة لم يعد مناسبا للعصر.

و المعروف انه بعد هاتين الخطبتين مباشرة ألقت السلطات القبض على نافيد بط و غيره من رموز حزب التحرير في باكستان و وضعت التنظيم على قائمة الجماعات المحظورة. وكان صمت إسلام آباد الطويل على أنشطة الحزب و تطاوله المتكرر على رأس النظام منذ ظهوره العلني الأول في عام 2000 مثار استغراب إلى الدرجة التي زعم معها البعض أن الحكومة تغض الطرف عن الحزب متعمدة لتقيس مدى تأييد الباكستانيين لفكرة إحياء دولة الخلافة كي تتعامل معها لاحقا بما يجب.

ورغم انه لم يثبت ضلوع الحزب مباشرة في حادثتي اغتيال الجنرال مشرف الفاشلتين في ديسمبر 2003 و التي اتهم فيهما عناصر من الجيش الباكستاني و معارضون مرتبطون بتنظيم القاعدة ، فان بعض المراقبين لا يستبعدون تورطه مشيرين إلى أمرين: الأول هو أن الحزب دعا مرارا إلى ضرورة التخلص من مشرف و قام بحملات تحريضية ضده مستخدما حججا مثل خيانته لحركة طالبان و تأييده الحملة الأمريكية ضد القاعدة و الحرب على العراق ، ناهيك عن إعجابه بالنموذج التركي و مؤسسه مصطفي كمال أتاتورك الذي قضى على نظام الخلافة العثمانية عام 1923 ، والثاني هو أن الحزب شدد على أن نظام الخلافة المقترح سوف يفشل إذا ظل الجيش معارضا أو بعيدا عن هيمنة الحزب، الأمر الذي يستنبط منه سعيه إلى زرع مناصرين له داخل المؤسسة العسكرية.

لا يعني ما سبق قوله أن الحزب غير معني بالتغلغل في مجتمعات إسلامية أخرى غير باكستان. فهو بالتزامن نشط في أماكن أخرى كثيرة عبر شبكة واسعة قد لا تكون مرتبطة بقيادة مركزية واحدة. بل الحقيقة انه بدأ نشاطا قويا في تركيا، قاعدة دولة الخلافة الأخيرة، قبل نشاطه في باكستان، وذلك في الستينات من القرن الماضي و عبر سلسلة من العمليات الإرهابية التي تصدى لها الجيش التركي بقسوة مما افقد الحزب عناصر كثيرة قتلا أو اعتقالا. وفي الثمانينات و ما تلاها من عقود تغلغل الحزب في صفوف المهاجرين المسلمين في الغرب و تحديدا في بريطانيا التي برز فيها احد أتباعه المعروفين و هو البريطاني من اصل باكستاني كليم صديقي الذي أسس ما يسمى بالبرلمان الإسلامي في المملكة المتحدة و تجرأ ذات مرة و أرسل خطابا إلى الملكة إليزابيث رأس الكنيسة البريطانية طالبا منها الدخول في الإسلام أو حسب تعبيره "اسلمي تسلمي".

إلى جانب بريطانيا نشط الحزب في ألمانيا التي فرضت حظرا عليه قبل فترة و اعتقلت بعض أتباعه بتهمة الإساءة للسامية، وفي الدانمارك التي اعتقلت سلطاتها المتحدث الرسمي باسمها فادي عبداللطيف بتهمة خرق القوانين المحلية و التحريض ضد اليهود، وفي روسيا التي حظرت أنشطته و اعتقلت 55 من أعضائه من جنسيات مختلفة في يونيو 2003 و في حوزتهم متفجرات و قنابل يدوية و مطبوعات تحريضية.

غير أن نشاط الحزب الأهم بعد باكستان كان و لا يزال في أقطار آسيا الوسطى. فهو استفاد من سقوط الاتحاد السوفياتي و ما تبعه من نشؤ كيانات مستقلة و ضعيفة و ذات أغلبية مسلمة متحمسة للرجوع إلى الدين من بعد عقود من الحكم الشيوعي، بدليل أن الناطق الرسمي باسمها في بريطانيا عمران وحيد صرح علنا بأن آسيا الوسطى تشكل أرضا خصبة لأجندة التنظيم. وهكذا بدأ حزب التحرير الانتشار في هذه الدول ابتداء من أوائل التسعينات متخذا من وادي "فرغانه" في أوزبكستان قاعدة لنشاطه. وسرعان ما استطاع التحول إلى قوة معتبرة، وهو ما تسنده تقارير المخابرات المحلية و الأجنبية القائلة بوجود كوادر للحزب قد تصل إلى 60 ألف عنصر.

وكان لسقوط أفغانستان في قبضة حركة طالبان المتشددة أثره الايجابي على أنشطة الحزب و قوته. إذ توفرت له لأول مرة ساحة خلفية آمنة للتدريب و التجمع و الاختفاء وشن الجهاد ضد نظامي أوزبكستان وطاجيكستان "الكافرين" و المواليين للروس والأمريكان. و استمر هذا الوضع حتى عام 2001 الذي شهد أكتوبره سقوط طالبان، فهرب أتباع الحزب من الاوزبك و الطاجيك مع من هرب من أتباع طالبان والقاعدة إلى باكستان و إيران، و بعضهم عاد إلى بلاده سرا عبر الحدود غير المحكمة لمواصلة الجهاد من الداخل. و أفضل دليل على الشق الأخير أن السلطات الطاجيكية ألقت القبض خلال السنوات الأربع الماضية على أكثر من 400 من عناصر الحزب ، كما واستدعت نحو 1500 من طلابها الدارسين في المدارس الدينية في باكستان و إيران و تركيا والسعودية بعدما دلت التحريات على تأثرهم بفكر التنظيم و بالتالي احتمال انضمامهم إليه وقت عودتهم. أما في أوزبكستان التي دأبت منذ سنوات على اتهام الحزب بالعمل من اجل الاستيلاء على السلطة، فتقول مصادر حقوق الإنسان الغربية و الروسية أن السلطات تعتقل نحو أربعة آلاف من نشطاء الحزب بموجب أحكام تتراوح ما بين 10-20 سنة.

أثناء كل هذه التطورات ظلت تركمانستان ، رغم حدودها المشتركة مع أفغانستان والتزام 89 بالمئة من سكانها بالإسلام ، في منأى عن أنشطة الحزب و عملياته ، مما يبعث على الاستغراب و التساؤل عما إذا كان ذلك راجعا إلى تفاهمات سرية أو إلى القبضة الحديدية للسلطة أو إلى التعتيم الإعلامي المحكم.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة : 22 مايو 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 158-An-Nisa


.. 160-An-Nisa




.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا