الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد أركون.. المحنة والغياب المضاعف

عبدالنور شرقي
كاتب وباحث

2013 / 9 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمر علينا الذكرى الثالثة لرحيل محمد أركون وتكاد تمر في صمت مطبق، وإذا أردنا الحديث عن أركون في هذه المناسبة فان هذا يعد من قبيل الطعن في الرجل وممارسة النفاق تجاه فكره، ماذا يفيدنا الحديث حول أركون في يوم رحيله ويغيب عنا باقي أيام السنة؟ أعتقد أن الاجابة ستكون مؤجلة عند البعض وهذا ما يحيلنا إلى السؤال عمّا نريده من أركون؟
على مر أربعة عقود من الزمن سهر محمد أركون على تدشين مشروعه الفكري من خلال ورشتين كبيرتين للبحوث العلمية عن الإسلام وتراثه، الورشة الأولى اتخذت اسم "الإسلاميات التطبيقية"، أما الورشة الثانية فقد اتخذت اسم "نقد العقل الإسلامي"، وبمنهجيته التقدمية التراجعية راح يسلط أضواء الماضي على الحاضر وأضواء الحاضر على الماضي، مستفيدا من المناهج الغربية في العلوم الإنسانية. حاور كبار المستشرقين ودافع على مواقفه وليس غريبا أن يتعرض للمضايقات واتهامه بالأصولية في الغرب، ومع ذلك أستمر في أبحاثه ودراساته حول الفكر الإسلامي بعدما أكتشف العديد من ورشات البحث العلمي الخاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية فعمل على تشخيص العلة ومعرفة كيفية الخروج من المأزق التاريخي، لكن أسفه كان في نقص الباحثين الشباب لكي يحركوا هذه الأبحاث وينجزوها كما ينبغي فعددهم كما يقول لازال قليل بالقياس إلى المهام الضخمة التي ينبغي انجازها والتي تتراكم كل يوم، وهذه المهام الضخمة تتطلب جيشا كبيرا من الباحثين المدربين على أحدث المناهج العلمية.
و من بين ما تعرّض له يذكر أنه نشر أكثر من عشرين كتابا بالعربية عن دار الساقي ودار الطليعة في بيروت. ولكن لم يرى أي عرض نقدي جاد لكتبه في الصحافة الجزائرية. حتى كتابي"النزعة الإنسانية والإسلام" –يضيف- لم يحظ بأي ذكر واهتمام من قبل الصحافة أو وسائل الإعلام، ويمكن القول بأن الأغلبية قابلته بالرفض والازدراء. هذا ليس غريبا وهو الذي تعرض للهجوم من طرف حرّاس الاعتقاد الدوغمائي الانغلاقي -علماء الدين المسلمين المعاصرين-، كما تم تكفيره من قبل الحركات الأصولية هذه الأخيرة التي يرى أنها ازدهرت مع سيطرة أنظمة الحزب الواحد على الحكم بعد الاستقلال.
إن سبب هذا الرفض لفكر أركون هو وجود خطاب واحد عن الدين وهو الخطاب الأصولي الذي يملأ المدارس والجوامع والفضائيات. وما عداه ممنوع، إما بحجة التغريب والغزو الفكري وإما بحجة الكفر والخروج على الإسلام، وعلى الرغم من أن أبحاثي -يقول أركون- تتركز بشكل مباشر على حالة الجزائر بسبب أصولي وولادتي إلا أن انتشارها هو الأضعف والأقل. إنهم لا ينشرونها ولا يقرؤونها وإذا ما قرؤوها لا يفهمونها على حقيقتها. اللهم إلا في أوساط بعض النخب المفكرة والمستنيرة. وهذا أكبر مثال على تلك المراقبة الممارسة على الفكر النقدي في الجزائر. يحصل كل هذا في الوقت الذي أستطاع في الضفة الأخرى للمتوسط إقناع المسؤولين الفرنسيين بتأسيس المدرسة القومية للدراسات الإسلامية في باريس.
كم من الوقت يلزمنا، وكم من الشروط العديدة التي يجب توافرها لكي يحصل التحرير العقلي والثقافي ويتم الاهتمام بأعلام الفكر في الجزائر؟. الاهتمام بمشاريعهم والعمل على تجسيدها؟. لماذا هذه اللامبالاة والتنكر لإنتاجهم الفكري؟. كل ما أعرفه لحد الآن أنه توجد 3 رسائل دكتوراه فقط نوقشت حول فكر محمد أركون ولم يتم نشر إلا واحدة منها، أما على صعيد المؤتمرات والندوات فقد تم تنظيم ندوة واحدة فقط في ذكرى رحيله الأولى من تنظيم مخبر الدراسات الفلسفية والأكسيولوجية-جامعة الجزائر2. يحدث كل هذا التنكر في الوقت الذي نشهد فيه اهتمام كبير بفكر الرجل في المغرب الشقيق من خلال تنظيم الندوات والملتقيات لدراسة فكره وقد حضر بشخصه بعضها، كما تم بعد وفاته إنشاء "مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات" والتي أطلقت مسابقة عالمية تحمل اسمه، وسيتم إنشاء موقع من طرف المعهد الإسماعيلي بلندن سيضم كل أرشيفه، إلى جانب إنشاء "منحة محمد أركون للدكتوراه".
لا أريد أن أتبنى في هذا الصدد ما قاله لي أحد الزملاء أن هناك محاولة لمغربة أركون بل أقول أن محنة أركون مع بلده تكمن في غيابه المضاعف -غيابه حيا وميتا- وهذا مؤداه في النهاية طمس لهويته من طرفنا نحن من ورثنا فكره سواء كنّا أفراد أو مؤسسات. بقي أن أشير في الأخير أن الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية إلى جانب مؤسسات أخرى ومراكز بحث سيكون على عاتقها الاهتمام بأعلام الفكر في الجزائر مثل مالك بن نبي ومحمد أركون وعبدالله شريط وكريبع النبهاني...الخ، وفي هذا الصدد أذكر أنه تم في الاجتماع الأخير للجمعية اقتراح ندوة سنوية تحمل اسم المفكر محمد أركون لتكون بادرة ايجابية تفتح آفاقا جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا جزيلا على المقال
Jugurtha bedjaoui ( 2013 / 9 / 18 - 23:11 )
شكرا جزيلا على المقال على الاقل انت تدكرت محمد أركون والشعب الجزاءري فخورا بك و به ولكن لا تلوم النظام الجزاءري فهو تاب على محاربة الجهل واصبح هو من يقود السفينة الم ترى الى اي مستوى وصلت اليه الجامعة الجزاءرية وعدد المساجد التي تبنى يوميا وعدد المخدرين من الشباب والشابات والامية في تصاعد افقي مبهر على كل حكومة تصرف الملايير من اجل جامعة خاصة بالرقية الشرعية ( ولاية غليزان ) ماذا تنتظر منها تتنكر لكل عمل معرفي او علمي ولكنها في نفس الوقت تصرف الملايير من اجل شرح احاديث ابا هريرة وووو تحياتي


2 - dd
لؤي ( 2013 / 9 / 19 - 07:33 )
الجزائر اذا نظرت للدين بمنضور عقلاني سوف تكفر ، وهذا امر لا قبل للشعب الجزائري به ، على الاقل في ظل حالة الخراء الفكري العام الذي يصب المجتمعات الجارة

الاسلام ليس دينا ليمكن نقده ، الاسلام ايدلوجيا الاحتلال العربي لدولنا ، لهذا فنقد جزء منها لابد ان يتبع هذم كل الكيان

لا يوجد حلول وسط مع الاسلام ،/ فحتى الصوفية فشلت معه ، فكيف ينجع النقد العلمي



بالنسبة للجزائر ستبقى مؤمنة لفترة مادامت الشعوب الشقيقة مؤمنة وستكفر لا محاولة حين يكفر الجميع مستقبلا
الله ليس اكبر من امون رع و امون رع انتهى في النهاية ،

اخر الافلام

.. الشرطة تداهم مبنى جامعة كولومبيا وتعتقل عدداً من الطلاب المن


.. كيف استفاد -إنستغرام- و-يوتيوب- من حظر -تيك توك- في الهند؟




.. ترمب يهاجم نتنياهو ويستذكر -تجربته السيئة- معه


.. صباح العربية | الأربعاء 1 مايو 2024




.. الشرطة الأميركية تفرق تظاهرة طلابية متضامنة مع غزة بجامعة كا