الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواحد أكبر من الاربعة

مفيد بدر عبدالله

2013 / 9 / 19
المجتمع المدني


فرحت كثيرا بوصول رسالة دعوة على هاتفي النقال لحضور احتفالية الحزب الشيوعي العراقي بذكرى تأسيسه من زميلة لي وهي أخت لم تلدها أمي وهبتني من عطائها المعنوي الصادق ما يفوق عطاء الكثير ممن عرفتهم قبلها حتى بعقود ، ما المني كثيرا أن الدعوة وصلت متأخرة بعدما ارتبطت بأربع مواعيد عمل متتالية ولن أستطيع أن ألبي دعوتها .انطلقت بسيارتي لعملي وانطلق بداخلي صراع وتساؤلات استحوذت علي وجعلت من سرعة سيارتي تهبط للنصف أو اقل مما اعتدت عليه من مسير وصرت كمن هو نادم على شيء كبير، بعدما بحثت بداخلي كثيرا لم اعرف سوى أني اسلك الطريق الخاطئ وذهبت أجد تبريرات لأقنع بها نفسي منها أن المواعيد الأربعة إنا من اقترحتها وبإمكاني تأجيلها فيما لا يمكن تأجيل حفلة إخوتي وأحبتي ، وقبل وصولي مفترق الطرق ( تقاطع ساحة سعد ) بقليل اخذ الصراع بداخلي يتصاعد فلم يكن لي بدا من الاحتكام لمكيالي الحقيقي ( قلبي ) الذي كثيرا ما احتكم إليه والذي لا يعرف غير العطاء الصادق ، وضعت مواعيدي الأربعة في كفة ومن دعاني للحفلة في الأخرى ، حينها وجدت تفسيرا لقلقي وحيرتي ، لان من وجهوا لي الدعوى هم الأغلى ، هوت كفتهم بسرعة مذهلة وألقت بالأربعة من الكفة الأخرى .وحتى قبل أن اتخذ القرار وجدت نفسي متجها باتجاه قاعة الاحتفال ( قاعة عتبه بن غزوان ) في العشار دونما ادري ، بدأت اعتذر للأربعة واحدا تلو الآخر وما أكد دقة مكيالي إن اثنين منهم اخلفوا الموعد وبدأوا بأعذارهم الواهية حتى قبل أن ابدأ الكلام . وإنا اقترب من القاعة انتابني هاجس غريب اخذ يكبر كلما اقتربت وهو أني للمرة الأولى في حياتي سأجلس بين أناس لهم تفكيرهم ونظرياتهم واسمع عنهم إنهم مثقفين ، اسمع كثيرا مثل هذه من أناس ليسوا منهم ويختلفوا عنهم فكريا .
ما ورثته عن والدي رحمه الله والذي كان يعمل معلما أن أبقى مستقلا فنحن في بلدان العالم الثالث لم تنضج عندنا والى يومنا هذا فكرة التعددية الحزبية وقبول الآخر ولم نرتق لهذه الفكرة ، فمعنى أن أكون في حزب معين سيكون لي خصوما أو أعداء أحيانا . وصلت المكان و ما رسمته في مخيلتي أن أجد صفين أو ثلاث صفوف من المحتفلين لاني قلما التقي بأشخاص ينتمون لهذا الحزب ألا ما ندر وما لفت نظري باني لم يتم تفتيشي في الباب الرئيسي على عكس ما اعتدت عليه في مثل هذه المناسبات فلم أجد تفسيرا بداخلي سوى أنهم أناس مسالمين .ما اذهلني أن ما موجود في القاعة من زخم للمحتفلين كبير لدرجة أن من الصعب أن أجد لأرجلي مكانا حتى بين الممرات والبعض واقف في حديقة القاعة الصغيرة فبعثت برسالة لزميلتي صاحبة الدعوة لأنبئها إني وصلت متأخرا ولم أجد مكانا و سأغادر بعد قليل ، ما هي ألا لحظات وإذا بها تقف مع زوجها الرائع والذي لا أراه إلا هرما من أهرامات الثقافة والفكر قل نضيره شاهدته كثيرا على الفضائيات وفضولي جعلني اسأل عن تاريخه النضالي العريق ، قضى أكثر من نصف عمره بين السجون والغربة وحتى أبنائه لازالوا يحملون بعضا من لهجة الغربة ورغم أن الحركة داخل القاعة المكتظة كانت أصعب ما يكون ، ما هي إلا لحظات حتى وجدته بجانبي وبعد عناق وترحيب حار أبدى أسفه لضيق المكان رغم اني أنا من وصلت متأخرا بعض الشيء ، بقى مرابط بجانبي يرقب خلو احد المقاعد لينقلني أليه ، وهذا ما حصل بالفعل وسط دهشتي وذهولي ، فمن أكون أنا لأحظى بهذه الحفاوة من رجل تتسابق عليه الفضائيات لتستنير بفكره و تحليله وطلاقته ، لم يكتف بهذا ذهب وعاد ليرابط بجانبي إلى أن أوصلني للصف الأول ومما أسجله لتاريخي إني للمرة الأولى في حياتي اجلس في الصف الأول في احتفالية واني للمرة الأولى أتعامل مع إنسان بهذا النبل والخلق ولم يثنه انشغاله في تلك اللحظات الحرجة عني شيء رغم انه من المنظمين للحفل والمسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة والسيجارة وحدها هي من كانت تتحمل قسوته وعدم رضاه عن عدم توفر المكان فلا ادري أن كان يحرقها أم هي من تحرقه وأنا على يقين بان الفلتر البلاستيكي الذي كان يضعه للسيجارة هو من كان يحميها من غضبه أحيانا وحتى بعض الابتسامات التي كان يلاقي بها الحاضرين كانت تخفي بعض الألم فهو كان ولا زال ثوريا بلا هوادة ولا يبتغي غير ما هو اقرب للكمال .ما أفرحني كثيرا إن المحتفلين علت أصواتهم وأهازيجهم للعراق أعلى بكثير من هتافهم لحزبهم وكأنهم يقولون بان حزبهم لأجل العراق وفي خدمة العراق وحتى ما رددوا من هتافات تقبلتها رغم إني لست منهم فمن منا لا يتمنى ( وطن حر وشعب سعيد ) والاهم إنهم يؤمنون بان ( الفكر لا يقارع إلا بفكر) بمعنى إن العنف والإرهاب بعيدا عنهم تماما .غادرت المكان بعدما هنأتهم كثيرا وخرجت من القاعة وفي نفسي احترام ومحبة لهم أكثر مما دخلت ولن أنسى خلقهم وحفاوتهم لي رغم علمهم أني لست شيوعيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة


.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم




.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة