الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما ودعك ربك وما قلى

نافذ الشاعر

2013 / 9 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كل امة تمر بادوار مختلفة من الرقي والانحطاط، فأحيانا يطلع عليها ضحى الانتصار والازدهار، وأحيانا تحيط بها ظلمات الفشل والإدبار، والقاعدة العامة أن الأمم إذا أصابها الانحطاط بعد الازدهار شملها الهلاك والدمار، ولكن الله تعالى عامل أمة الإسلام، على عكس ذلك. وقد أخبر الله عز وجل أن الأمم يمكنها أن تزدهر ماديا رغم إعراضها عن الله تعالى، ولكن أمة الإسلام لن يسري عليها هذا القانون، وبالتالي لن تحرز رقيا عظيما وهم معرضة عن الله تعالى كما يحدث مع الأمم الأخرى.
فنحن نرى أنه عندما أصيبت الأمم الأخرى بالانحطاط الروحاني بعدما بعث الله فيها الأنبياء، فإن هذه الأمم ازدهرت ماديا رغم إعراضها عن الله تعالى، ولكن الله تعالى يخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه لن يعامل أمته هكذا، ولن يكتب لها الرقى المادي إلا مع صلاح دينها، فمن المحال أن تأتي على أمة الإسلام فترة الازدهار وهم تاركون لله تعالى، أو مصابون بالانحطاط الديني والأخلاقي.
وقد أتت على النصارى فترة ازدهار عندما ماتت المسيحية عمليا. فبعد انقضاء ثلاثة قرون ضعف المسيحيون ضعفا روحانيا شديدا، وتسربت إليهم أنواع المفاسد خلافا لتعاليم المسيح عليه السلام؛ عندها جاءت عليهم فترة الازدهار المادي. بينما يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يا محمد لن نفعل هكذا مع أمتك، فلن تأتي على المسلمين فترة الازدهار والرقي المادي إلا إذا كانوا على صلة قوية مع الله تعالى، أما إذا قطعوا صلتهم معه تعالى بسوء أعمالهم فلن تأتي عليهم فترة الازدهار والرقي.
وبالفعل نرى أن المسلمين كانوا حائزين على الميزتين في زمن الخلافة الراشدة التي كانت فترة رقي الإسلام، إذ كانوا مزدهرين روحانيا، كما كانوا مزدهرين ماديا.
أما في هذا العصر الذي هو فترة انحطاطهم الروحاني فلم يستطيعوا أن يحرزوا الازدهار المادي برغم اتخاذهم كل التدابير التي اتخذتها الأمم الأخرى لرقيها المادي.
فمثلا؛ قد قالوا إن الأمم الأخرى قد ازدهرت بالتعامل بالربا، فلنتعامل نحن أيضا بالربا ونتنافس مع الأمم الأخرى في هذا الأمر، فتعاملوا بالربا، فظلوا يتردون وينحدرون أكثر فأكثر، مع أن الأمم الأخرى ازدهرت بالربا!
ثم قال المسلمون لقد ازدهرت الدنيا بالتعليم المادي، فتعالوا نهتم بالتعليم المادي، فاندفعوا بكل قوة وحماس لإصلاح حالتهم العلمية، ومع ذلك لا يزالون يسقطون إلى الحضيض نتيجة هذا التعليم، بينما ازدهرت الأمم نتيجة هذا التعليم المادي.
ثم قالوا إن الأمم الأخرى قد ازدهرت بالتجارة، فتعالوا نتوجه إلى التجارة ونتغلب بها على العالم كالأمم الأخرى، فتوجهوا إلى التجارة، ولكن لم تزدهم تجارتهم إلا خسارة وبوارا، بينما ازدهرت الأمم الأخرى بتجارتها. وما أصدق قول عمر بن الخطاب وهو يشرح هذا القانون الإلهي بجملة عبقرية: (إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)!
باختصار، لقد بذل المسلمون كل ما في وسعهم من أجل الرقي المادي، ولكن تدابيرهم لم تحقق لهم حلم الازدهار، مع أن هذه التدابير هي التي ساهمت في رقي الأمم الأخرى.!
فثبت أن جميع الأمم في الدنيا تزدهر ماديا رغم إعراضها عن الدين، ولكن الله تعالى قد جعل للمسلمين قانونا جديدا بأنه لن تأتي عليهم فترة الازدهار إلا بالالتزام بدينهم؛ أي من المحال أن يتركهم الله يزدهرون كالأمم الأخرى وهم عنه معرضون.
لأنه إذا سمح لأمة بالرقي رغم إعراضها عن دينها كان ذلك دليلا على أن الله تعالى قد ودعها وهجرها، والله يقول: (ما ودعك ربك وما قلى).
لقد كتب الله الرقي للأمم الأخرى رغم إعراضها عنه تعالى؛ لأنه قد تركهم وهجرهم، بينما يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم، يا محمد لن نودعك أبدا ولن نودع أمتك أيضا، ولذلك لن يحرزوا رقيا بدون إتباع دينهم، إذ لو كتبنا لهم الرقي من دون أن تصلح حالتهم الدينية فسيظنون أن الله راض عنهم، فيزدادون بعدا عن الدين، ولأجل ذلك لن نأتي عليهم بفترة الازدهار وهم غافلون عن الدين، بل كلما كانوا غافلين عن الدين عاقبناهم، لأن عدم عقابهم يعني موتهم واندثارهم.
باختصار، يعلن الله تعالى أنه سيظل مع المسلمين ويعطيهم نصيبهم من الترقيات المادية ما داموا عاملين بدينهم، فإذا هجروه فلن نتركهم بل سنعاقبهم على سوء أعمالهم، ليس لنهلكهم، كلا..! بل لنعود بهم إليك يا محمد لكي يتمسكوا بدينك بقوة. ففي الحالتين نعاملهم معاملة تدفعهم إلى التمسك بالإسلام وعدم التفكير في تركه طرفة عين، فيزدهرون ما داموا معك، أما إذا تركوك فسوف نعاقبهم لتعود إليهم فترة الازدهار والرقي ثانية.
باختصار. إن الإسلام آخر الأديان، فلذلك لا تسمح أقدار الله للمسلمين أن يزدهروا من دون الإسلام؛ حتى لا يطمئنوا ويصبحوا غافلين عن الإسلام غير مبالين بتعاليم الدين، يعني رقي المسلمين والقرب الإلهي سوف يسيران دوما جنبا إلى جنب، فلن تزدهر الأمة الإسلامية من دون قرب الله تعالى ومعيته ورضاه، وكلما ترك المسلمون دينهم حرموا من الترقيات المادية أيضا.
وكما يصدق هذا القانون الإلهي على امة الإسلام بمجموعها، يصدق كذلك على أفرادها، يعني إذا اخطأ المسلم وارتكب معصية ولم يتب منها ويرجع عنها، فإن الله سيبتليه بشتى الابتلاءات ويعرضه لشتى المحن والبلايا، حتى يجعله يشعر بوطأة ما ارتكبه ويعود إلى الله تعالى، لأن الله تعالى يحبه ويريده.. أما إذا ارتكب المسلم المعاصي والخطايا ثم أمده الله بالرزق والولد والجاه.. فإن هذا معناه أن الله تركه وقلاه وابتعد عنه، ولم يعد يبال به أو يهتم بشأنه لأنه لا فائدة منه ولا خير فيه.!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ