الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب ما بعد الحداثة

ابراهيم الحيدري

2013 / 9 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يمثل التشكيك في فكر الحداثة وأهدافها القاسم المشترك بين جميع اتجاهات ما بعد الحداثة، التي تعتبر التنوع والتعدد والاختلاف والتفكيك والا تحديد من سمات عصر ما بعد الحداثة، الذي يسعى الى تجاوز التصورات العقلية ومفهوم الذات العاقلة الذي أرسى دعائمه ديكارت ثم كانت، وبهذا فان ما بعد الحداثة يشمل خطابات متنوعة ومتعددة تلتقي كلها حول نقد الأساس العقلاني والذاتي للحداثة. ان هذه الخطابات المتنوعة تمثل اليوم تيارا فعالا يخترق الحقول المعرفية والثقافية ويخلق نظريات ما بعد التنوير التي أرخ بداياتها تيودور أدورنو بعام 1850، منظورا اليها بعين بود لير والفن الطليعي، في حين يمثل تيار الحداثة، الذي واكب عصر التنوير وعبر عن وعي حقبة جديدة هي الزمن الحاضر وعلاقة متجددة مع العصور القديمة كما عبر عنها هيغل. وان ما يعتبر حداثيا هو عصرنة روح العصر، أي تجاوز القديم وإلغاءه، كما يظهر ذلك في فكر الحداثة الجمالية عند بودلير في نظرية الفن التي طورها ادغار آلان بو ليبلغ ذروته في مقهى فولتير للدادائيين وفي السوريالية، حيث يتمركز فكر الحداثة حول وعي متغير للزمن ووعي جديد دخل الفلسفة مع برغسون، وعبر مجتمع متحرك وتاريخ سريع الخطى وحياة يومية متقطعة، فالحداثة كما يقول اكتافيو بات "تنفي ذاتها، لأنها توق الى الحضور الحق".
ان ضعف نبض الحداثة وانتهاء طليعتها ومواجهتها ردات فعل عميقة ناتجة عن تحديث اجتماعي، ما بعد صناعي يتداخل دوما مع تشكيل الحياة النامية والبنية الداخلية التواصلية لعوالم الحياة مع مخاوف واسعة الانتشار مثل تخريب البيئة الطبيعية والمدنية وكذلك تهديم اشكال التعايش والتواصل الانساني السلمي. وقد عبر ماكس فيبر عن ذلك في بداية القرن الماضي "بتحدي الحداثة"، لان عقلنة الثقافة الأوربية تظهر في الفصل بين العلم والاخلاق والفن، أي استقلالية قطاعات متخصصة وانشقاقها عن تيار تقليدي يحافظ على نفسه بشكل طبيعي في علم تأويل الحياة اليومية.
هكذا تطور تصوّر مختلف ميز المجتمع ما بعد الصناعي-الجماهيري حول أدب ما بعد الحداثة، الذي اخذ يتخطى جميع الحدود، وأصبح أكثر حرية واخذ يصدم أكثر مما يشجع، لأن ما بعد الحداثة تغلق الهوة بين النقاد وبين الجمهور، وبمعنى آخر بين المهنية وبين الهواية في ميدان الأدب والفن، مثلما تتخطى الحدود الاجتماعية والمؤسساتية، بحيث تبدو منطقيا، في حالة اختلاف في الدوافع والمضامين، وليس مجرد أدب طليعي وانتليجنسي، وانما أدب رومانسي وعاطفي وعام. ان "غلق الهوة" يعني هنا تخطي الحدود بين ما هو رائع وما هو اجتماعي، وبين ما هو واقعي وما هو ميثولوجي، وبين عالم الطبقة الوسطى وحساباتها التجارية كما عند بودلير ، وبين النظام الملكي، الذي لم يعد سوى قصصا تثير في الأخير فنطازيا جنونية. وبحسب فيدلر، ان الحلم والرؤية والنشوة أصبحت الآن الأهداف الحقيقية لأدب ما بعد الحداثة، وان الأدباء والشعراء يدركون في نهاية الأزمنة ما تعلمه أقدم أجدادنا في بداية الأزمنة، ومع ذلك فهذا لا يكفي، وعلى المرء ان يتعلم وان يتبادل الحديث. كما انهم مقتنعون بان الفنطازيا التي تحرر الروح من الجسد، والجسد من الروح، يجب ان تكون محلية في عالم آلي، وإذا تغيرت او انتقلت فلا ينبغي في كل احوال، ان تزاح او تدمر. وإذا كانت ما بعد الحداثة وسيط مزدوج فهو في" بيت العالم التكنولوجي، وهو في ذات الوقت، في عالم المعجزة".
التعددية وما بعد الحداثة.
يتميز أدب ما بعد الحداثة ببنيات متعددة، وعلى أقل تقدير، في بنية مزدوجة من الناحيتين الدلالية والسوسيولوجية، التي تنتج علاقة ما بين الواقع والخيال وبين الذوق الطليعي والذوق الشعبي.
ان توحد تيارات ما بعد الحداثة الأدبية يعني ان هناك تعددية أصلا، في اللغات وفي النماذج وفي التجربة والممارسة العملية، ليس في اعمال مختلفة او واحدة بعد الاخرى، وإنما في نفس العمل الأدبي الواحد، الذي هو الآن وفي المستقبل له مضمون تعددي بصورة حاسمة.
ويضع رواد ما بعد الحداثة أهمية فائقة على اللغة. فهي لا تعبر عن واقع فقط بل تخلقه وتمارس تأثيرا عليه وعلى الطريقة التي يرى فيها العالم ويدركه وعلى الكيفية التي تعمل بها لتشكيل عالمنا. فاللغة لا تعكس طرق تفكيرنا فحسب، وانما تؤثر على مداركنا وعلى طرق تشكيل مفاهيمنا. وهي، كما يقول فوكو، هي "خطاب" وللخطاب حياة خاصة قائمة بذاتها بحيث تشكل واقعا بنفسها، كما ترمز الى خطاب محدد يمثل العلاقة المتداخلة بين اللغة والمؤسسة الاجتماعية والقوة والسلطة.

يقول هاري ليفن " أن أدب ما بعد الحداثة يختلف عن الأدب الكبير لعصر الحداثة كما عند إليوت وعزرا باوند وجويس، فقد تراخت قواه التجديدية بعد الصفعات القوية التي وجهت اليه". ولم تكن دعاوى هوي وليفن ضد أدب الحداثة، بقدر ما كانت تريد البرهنة على ان الأمر طبيعي جدا. فحين تصل الحداثة الى مرحلة ثابتة ويأخذ مجتمع الجماهير الجديد بتشكيل صورته الجديدة، يستمد الأدب قيمه المناسبة من الوضعية الجديدة ايضا. وهكذا تطورمنذ منتصف السبعينات من القرن الماضي تقييم جديد لأدب ما بعد الحداثة، وذلك بظهور كتاب ونقاد أمثال فيدلر وسوزان سونتاغ وايهاب حسن وغيرهم، الذين وضعوا تصورات جديدة للحداثة الكلاسيكية، وبدأت بذلك أولى النغمات التشاؤمية التي اتخذت فيما بعد حريتها وخصوصيتها وتبريرات الدفاع عنها، والتي ظهرت في كتابات لوريس فيان وجون بارث وليوتارد كون ونورمان ماير، وكونوا بذلك طليعة ما يدعى "بعصر الجماهير". وبالرغم من ان أدب الحداثة أخذ بالانحسار التدريجي، ألا انه بقي ادبا للانتلجنسيا الطليعية العليا.
كتب ليزلي فيدلر عام 1969 مقالا حضي على شهرة عالمية وبخاصة عبارته : "تخطى الحدود وقصر المسافات" ولم يستطع فيدلر نشر المقال في أية مجلة أدبية مما اضطره الى نشره في مجلة Play boy الامريكية. ومم ذلك الوقت تخطى "أدب ما بعد الحداثة" الحدود، وأصبح في ذات الوقت، نقدا أدبيا. وكان صدور مجموعة من الكتب وفي مقدمتها " حضارة الحس" وكتاب "ما بعد حداثة التأمل" في الولايات المتحدة الامريكية، في الثمانينات من القرن الماضي، اعلان واضح عن ولادة أدب ما بعد الحداثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا