الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موسم أو المغني بجبال الأطلس الكبيرالمغربية، بين تعديل الموعد وترسيخ التعود

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2013 / 9 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تمكنت قبيلة أيت ابراهيم بجبال الأطلس الكبير الشرقي من انتزاع الحق في ممارسة العادة، وإرجاع القديم إلى قدمه لما حَرُصت على الاحتفاظ بموسم سيدي أحماد المغني، المعروف بالأمازيغية «أكدود أو المغني» في موعده الذي يصادف الاعتدال الخرفي، أو بالأحرى نهاية السنة الزراعية ونهاية موسم الخصوبة (بالصاد لا بالطاء).
صحيح أن التعديل في الموعد وارد، لكنه لن يتعجل - ابتداء من الآن - أو يتأخر بمدة تفوق أربعة أيام، ليوافق عطلة نهاية الأسبوع. وإنه لارتياء دقيق بقطع النظر عن دواعي التعديل في الموعد، وما إذا كانت قائمة كلها على مطلب الحفاظ على الهوية الثقافية. فالموضوع كان أساسا لمراء ومناظرة استغرقت بعض الوقت، لما أنجر عنها انشقاق مهرجان موسيقا الأعالي بإملشيل، الذي يعود ميلاده إلى صيف 2003، عن موسم سيدي أحماد ألمغني. وهناك من رد الشأن إلى سوء التفاهم بين الجماعتين القرويتين بوزمو وإملشيل، وهناك من أرجعه إلى سوء التفاهم بين قبيلتي أيت يعزة وأيت إبراهيم، وهناك من قال إن للسلطة الإقليمية دخلا في ذلك. كل تلك التفسيرات والتأويلات غير ذات جدوى، ما دام الفعل حاصلا مستمرا.
ويعنينا أن مهرجان موسيقا الأعالي، وإن كان مدعما باقتران موعده بموعد موسم سيدي أحماد المغني من سنة 2003 إلى سنة 2012، وتعديل موعد هذا الأخير ليصادف العشرية الأخيرة من شهر غشت، قد توفق في انتزاع مكسب التعود، بعد أن أطفأ شمعته العاشرة بعد جهد جهيد، لغياب من يدعمه سنته.
إن تنظيم تظاهرتين ثقافيتين، إحداهما بمركز إملشيل، سمتها، منذ التفكير في تنظيمها، «مهرجان موسيقا الأعالي»، ومكانها مركز إملشيل، ومنزعها الانفتاح الثقافي، مع الحرص على الاحتفاظ بالهوية الثقافية الأمازيغية، والثانية بموضعها القديم، منذ أربعة قرون، الكائن بجوار ضريح سيدي أحماد المغني، مكسب قائم يجب دعمه.
ولا غرو، فكلتا التظاهرتين أديت على وجهها بكل أمانة وعزم وهَمّ.
إن العيب الذي انجر على التوتر الذي خيم على المنطقة لما عرفت عشيرة أيت عمرو من قبيلة أيت إبراهيم شعار «إرجاع القديم إلى قدمه» على مستوى موعد تنظيم الموسم، الذي سمي بالباطل موسم الخطوبة يكاد أن يلبس لباسا إثنوغرافيا، وكأننا أمام تظاهرتين قبليتين إثنوغرافيتين، إحداهما بمركز إملشيل بجماعة إملشيل والمنسوبة، بالباطل، إلى قبيلة ايت يعزة وحدها، والثانية بجوار ضريح سيدي أحماد المغني بقرية أيت عمرو، والمنسوبة إلى قبيلة أيت إبراهيم. إن الذين يبتغون إضفاء اللباس الإثنوغرافي على التظاهرتين أكثرهم لا يعقلون ولا يفهمون «أسيف ملول» كوحدة سوسيوثقافية متجانسة انتظم فيها الإثنوغرافي والثقافي بشكل لا يلتهم أحدهما الآخر. ولنفسر هذه الواضحات، ونقتحم مجال المفضحات تجاوزا للقاعدة الفقهية التي ترى «تفسير الواضحات من المفضحات»، بالاقتصار على التوزيع الجغرافي العشائري، والتقطيع الإداري، وإن كان هذا الأخير قائما على المقاربة الأمنية لا التنموية. فالناظر في مجال قبيلة أيت حديدو بأسيف ملول(أسيف ملولن) (تعني أسيف الواد، وملولن الأبيض) يلفى أن هناك نطاقين: نطاق أيت إبراهيم ويمتد من مقسمات الماء بين الأودية، غريس، وزيز إلى فج تيسيلا، ويضم التجمعات القروية التالية: أكدال، وتيماريين، وأقديم، وأيت عمرو، وتامستيرت، وألمغو، وتوربطيت، وبوزمو، وتيسلا. ونطاق أيت يعزة ويمتد من فج تيسلا إلى مدخل خوانق أسيف ملول ويضم، السونتات، وتيغرمت إحوطين، وتباشطينت، وأيت علي ويكو، وموتزلي، وإملشيل (بوتغبالوت، أيت الغازي، أيت الشيل، أيت توشنت)، وإيبوخنان، وأمردول أوراغ، وعلي لأوداود، وأددي.
ويضم رافد أسيف ملول، واد تلمي، تجمعين قرويين: تلمي (أيت عمرو، وأيت يكو، وتابانست) وتغيغاشت.
ذلك هو التوزيع العشائري لمجال أيت حديدو التي تستغرقه قبيلتين، أيت إبراهيم وأيت يعزة، وهذا التوزيع لا يزال قائما في الميدان.
ولضمان الأمن والاستقرار في النطاقين تدخل الجانب الثقافي، لذلك نلفى قرية ألمغو، الذي ينحدر سكانها من قبيلة أيت يعزة، في مجال أيت إبراهيم. وإن سمة هذه القرية رهينة، لذلك حملت على تخلي نسائها على زي أيت يعزة، وحمل زي أيت إبراهيم. ونلفى كذلك قرية أيت علي ويكو التي ينتمي سكانها إلى أيت ابراهيم في مجال قبيلة أيت يعزة، وحالها رهينة. لذلك حملت نساؤها على ارتداء زي أيت يعزة، والزي لدى المرأة الأمازيغية تعبير عن الهوية الثقافية، ولهذه الأخيرة معقلان، معقل إثنوغرافي ومعقل ثقافي، ولا مجال لتفصيل القول في التوتر بين المعقلين والتوافق بينهما. وفي مجال أسيف ملول قبيلة ملوانة، وهي قبيلة صنهاجية أمازيغية قحة خلاف لما أورده دايفيد هارت David Hart. ولقد حُسم أمرها بتوزيعها على نطاقين: فالقسم الأول يسكن بنطاق أيت إبراهيم بقرية تيسيلا حُملت نساؤه على ارتداء زي أيت إبراهيم، والقسم الثاني يقطن بقرية موتزلي قرب ضريح موتزلي (أي صاحب البحيرة) بمجال أيت يعزة، ترتدي نساؤه زي أيت يعزة مع بعض الاختلاف الذي يميز نساء الأقليات العرقية. فالأمن يضمنه في الغالب الجانب الثقافي في حال تدخله بعد سلسلة من الحروب.
شكلت أسيف ملول وحدة سوسيومجالية متجانسة، ولو بعد احتلالها من لدن فرنسا سنة 1934، وكانت مجالا ترابيا لجماعة إملشيل القروية. وفي سنة 1992 تعدل التقطيع الإداري فظهرت جماعة بوزمو لتضم القرى، أكدال إلى فج أيت علي ويكو وحافظت إملشيل على واد تيلمي وعلى أسيف ملول السفلي من فج أيت علي ويكو إلى أوددي. وأما أرض أقانوانين وإمي نتقات بجماعة إملشيل، فلم تخضع إلى التوزيع العشائري لأن الحصول عليها كان عن طريق الشراء.
ولأن الثقافي هو الذي يلجم الإثنوغرافي، في الغالب، وينشئ، هامشا للتواصل والتفكير لذلك يغشى الثقافي، فضلا، عن الأمن الزواج أيضا. ويعنينا أن الزواج شكل، بعيدا عن الأسطورة الخطوبة «إزلي» و «تيزليت» هاجسا أمنيا، لأنه يقوم عليه استقرار المجتمع في وحدة سوسيومجالية وسوسيو ثقافية متجانسة. فإذا كان الإثنوغرافي يقدم الزواج العشائري «endogamie»، لأنه الضامن للنقاء العرقي، ولسلامة العشيرة، فإن ضمان التجانس الثقافي للقبيلة يقضي استحضار المعيار الآخر، بعد فشل الأول، أي: السماح باعتماد الزواج اللاعشائري « Exogamie» تدريجيا. فإذا أخذنا عشيرة إيحوطين Ihoudiyne من قبيلة أيت يعزة، فإن الزواج الأفضل أن يتوفق الفتى والفتاة من نفس العشيرة في التفاهم واستقرار رأيهما على الزواج، لكن إذا حصل الفشل، فإنه من المباح اختيار الزوج في إحدى عشائر أيت يعزة: إيبوخنان، أيت حمو وعلي، إزناگن، أيت الصغير، أيت أوعلي.
وإذا حصل فشل أحد الطرفين ولم يستقر اختياره لشريك في إحدى عشائر أيت يعزة، فإنه مدعو لطرق باب قبيلة أخرى، أيت إبراهيم، في ظرف زماني لا يتجاوز الاعتدال الخرفي، وبعده يكون الزواج قد حصل، ويبدأ موسم خصوبة آخر، يناسب الموسم الزراعي. فالدورة الزراعية هي دورة الخصوبة بما تحمله الكلمة من معنى، حيث تستغرق الأرض الزراعية والدواب والإنسان، وهي دورة محكومة عنها باحترام الإثنوغرافي في إطار هوية ثقافية واسعة تشمل قبيلة أيت حديدو.
إن التواصل بين الفتى والفتاة، وإن كانت سمته الظاهرية التحرش، فهو ليس كالتحرش الجنسي السائد لدينا في المدن، إنه تحرش بارد يسمى بالأمازيغية «تاقرفيت» من «أقراف»، أي: البرد. فالنظام نظام ثقافي وضعي، وضعه الإنسان لتنظيم حياة الإنسان في أوساط جبلية مغلقة، وهو نظام ذو حمولة ثقافية قيمية تُحترم فيه كرامة الإنسان، بما فيها حرية الاختيار، وقوة الإرادة والعزيمة. فليس على الفتاة جناح أن تخاطب من تحب من الفتيان، وليس على الفتى حرج أن يخاطب من يحب من الفتيات، فكل يعيش في وسط متجانس يحتل فيه الإثنوغرافي حدوده، ويغشى فيه الثقافي مجاله، وسط يمتزج فيه الثقافي بالطبيعي، فالخصوبة واحدة، والأرض واحدة، والهوية الثقافية واحدة.
نخلص من هذا التفسير إلى الإقرار أن مهرجان موسيقا الأعالي وموسم سيدي أحماد المغني يخصان قبيلة أيت حديدو مجتمعة، ومكونة من أيت إبراهيم وأيت يعزة، وهما وجهان لعملةواحدة، فلا مجال للتأويل.
إن النزوع إلى الحفاظ على العادة وترسيخ العادة ممارسة سليمة لإعمال الحق الثقافي، وإن كان هذا المطلب ناقصا لتعرضه لبعض التشويه، في ما يتعلق بطقوس الزواج، الناتج عن التحولات القروية. وذلك ما سنعود إليه في مقال آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ستؤثر شهادة مايكل كوهين في مسار قضية ترامب؟| #أميركا_الي


.. العضو المنتدب في شركة ألفا أدفايسوري: طرح ألف للتعليم في سو




.. بعد مجزرة رفح.. محللون إسرائيليون يحددون ثلاث سيناريوهات محت


.. شركة تركية للطاقة تبيع حصصها في إسرائيل تحت ضغط شعبي




.. الأهم منذ 30 عاما.. بدء عملية الاقتراع في الانتخابات البرلما