الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية و ثقافة التسامح

حسن كمال

2013 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عنوان هذا المقال يأتى بمناسبة عمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور والتى تقوم بعمل تعديلات على دستور 2012 الذى كتبة التيار الأصولى ممثلا فى ( الإخوان المسلمين و السلفيين ) الذى كان يعد بحق دستور " اللاتسامح " . و لكن للأسف ما زال " التسامح " غائبا عن اللجنة الحالية لتعديل الدستور بالرغم من هيمنة التيار المدنى على اللجنة !
كيف ذلك ؟
فى هذا المقال نجاوب على عدة أسئلة وهى : يعنى إية تسامح ؟ وماهى العلاقة بين العلمانية و التسامح ؟ و كيف يكون التسامح ما زال غائب فى الدستور ؟

يعنى إيه تسامح ؟

طرح الفيلسوف الإنجليزى " جون لوك " (1632 - 1704) ثمة عبارات فى كتابة " رسالة فى التسامح " كاشفا عن معنى التسامح وهى :
- " ليس من حق أحد أن يقتحم , باسم الدين , الحقوق المدنية و الأمور الدنيوية " .
- " فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته أية معرفة عن الدين الحق " .
- " خلاص النفوس من شأن الله وحده " .
- " الله لم يفوض أحدا فى أن يفرض على أى إنسان دينا معينا " .
و كما يوضح د. مراد وهبه , فى كتابه " رباعية الديمقراطية " , أن التسامح عند لوك يسلتزم ألا يكون للدولة دين حتى لو كان هذا الدين , من بين الأديان الأخرى , هو دين الأغليبية لأنه لو حدث عكس ذلك, أى لو كان للدولة دين الأغليبية فتكون هذة الأغليبية طاغية بحكم طبيعة الدين من حيث هو مطلق.
أى أن التسامح يفترض بالضرورة عدم النص فى الدستور على أى دين للدولة , حتى لو كان هذا الدين هو دين أغليبية المواطنين, بالرغم إنه يفترض عدم معرفة معتقدهم الدينى, لإنه الاعتقاد هو فى ذهنية الشخص ولا يجوز الإطلاع عليها ومعرفتها فهى علاقة تخص الشخص دون الدولة .


وهل هناك علاقة بين التسامح و العلمانية ؟
يؤكد لوك على مفهوم هام عن التسامح يجب أن يتوافر وهو " النسبية " فى التسامح , والتى هى أساس التفكير العلمانية كما وضع تعريفها د. مراد وهبه " التفكير فى النسبى بما هو نسبى و ليس بما هو مطلق " .

فماذا تعنى النسبية فى التسامح ؟
جواب لوك أن النسبية فى التسامح تعنى أن التسامح لا يمكن أن يكون بلا حدود. ففى رأية أن الحاكم ينبغى عليه ألا يتسامح مع الأراء المضادة للمجتمع الإنسانى أو مع نقيض القواعد الأخلاقية الضرورية للمحافظة على المجتمع المدنى, ومعنى ذلك أن التسامح ينطوى على نقيضه وهو " اللاتسامح ".

وفى تقديرى الشخصى أن المقصود ب " اللاتسامح " هو ملاك الحقيقة المطلقة , الذين يتوهمون بأنهم قد أمتلكوا الحقيقة المطلقة , و أن ما عدا ذلك من حقائق هو خطأ ويجب تصحيحة وتصويبة بالعنف إن لزم الأمر. ففى تلك الحالة التسامح مع " ملاك الحقيقة المطلقة " يؤدى لنهاية مفهوم التسامح بشكل أساسى و غيابة فى المجتمع , لأن من يملك المطلق سيقتل من يملك النسبى .

و بقراءة " رباعية الديمقراطية " يؤكد فيها د. مراد وهبه , بأن سلطان الحاكم يلزم أن يكون سلطانا نسبيا وليس سلطانا مطلقا. وهى بالتالى ستكون سلطة مطلقة فى حالة غلبة دين معين دون الأديان الأخرى فى الدستور, حتى لو كان دين الأغليبية, لأن سلطان الحاكم سيكون بالضرورة مستمد من حاكمية النصوص الدينية. بعكس لو كان سلطان الحاكم سلطانا نسبيا مستمد من إرادة الشعب وحدة دون إقحام النصوص الدينية , ومن هنا تكون نظرية العقد الإجتماعى – كما طرحها لوك - مؤسسة على العلمانية .
فإذا كان سلطان الحاكم – فى نظرية العقد الإجتماعى عند الفيلسوف الإنجليزى جون لوك – سلطانا نسبيا وليس سلطانا مطلقا بدعوى أن الشعب وليس الله هو الذى أتى به حاكما فإنه يكون بالضرورة علمانيا لأنه يفكر فى إطار ماهو نسبى وليس فى إطار ماهو مطلق, و إذا كان الحاكم علمانيا فهو بالضرورة متسامح, لأن التسامح يستلزم قبول الاختلاف. و عليه يمتنع فى تلك الحالة أن يطبق الحاكم نصوص دينية تحمل فى طياتها الحكم المطلق. فعندما يختار الشعب الحاكم , فعلية أن يحكم وفقا لتشريع الشعب دون تشريع إلهى لأن الحاكم مختار من قبل الشعب و ليس مختار من قبل الله .

و كيف يغيب التسامح ؟
فى تقديرى الشخصى وفقا لمفهوم التسامح كما يستعرضة لوك, أن التسامح يكون غائب تماما مع نص المادة الثانية من الدستور بأن ( الإسلام دين الدولة ) حتى فى حالة تبرير إنه دين الأغليبية, فكما وضحنا سلفا بأن التسامح يغيب ضمن هيمنة حكم المطلق النابع من الدين بتطبيقه على الشعب الذى يستحيل بالضرورة أن يكون كله معتقدا بهذا الدين !.

هل هناك علاقة بين التسامح و المادة الثانية ؟

اللاتسامح و التشريع , فعند النص على أن ( الإسلام دين الدولة ) يؤثر ذلك بالطبع على المنظومة التشريعية التى ستنحاز لهذا الدين؛ مما ينتج عنه تشريعات حامية لهذا الدين دون الأديان الأخرى, و سيكون هناك تشريعات تتوافق مع الخطاب الدينى لهذا الدين بالذات , مما ستكون الغلبة لهذا الدين و الفكر الدينى الناتج عن الدين فى التأثير على التشريعات التى ستتطبق على الشعب حتى لو كان هناك من يخالف هذا الدين سيطبق عليه جبرا لإنه دين الأغليبية . فأين التسامح إذن ؟!

اللاتسامح و التعليم , و بالطبع ستكون مناهج التعليم تحمل ذلك الدين فى مناهجها وتقدمة على إنه الدين الحق والأفضل , وستجبر الشعب أيضا على ضرورة التعليم وفقا لمرجعية ذلك الدين وحده . وهذا ما نلاحظة فى مناهج التعليم التى تحمل وحدها تاريخ الإسلام وتقديمة كأفضل مرحلة تاريخية و أفضل ثقافة و حضارة ظهرت على وجة الأرض, و الإعتماد على نصوص الدين الإسلامى فى اللغة العربية وإجبار غير المسلمين على حفظها. فأين التسامح إذن ؟!

اللاتسامح وحرية الإعتقاد, فبالتأكيد الخطاب الدينى الرسمى المؤثر فى تلك الدولة سيكون خطاب دين الدولة فقط دون باقى الأديان؛ مما يستببع أن تكون حرية الإعتقاد وممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة تكون متاحة لهذا الدين فقط بشكل رئيسى ومضيقة على الأديان الأخرى المعترف بها رسميا وفقا للإسلام , وغائبة تماما عن أى دين يخالف الإسلام ! مما يستتبع بالضرورة قيام عنف من أصحاب دين الدولة ضد الأديان الأخرى , ويغيب التسامح الدينى , وينتشر التعصب بدلا عن التسامح .
اللاتسامح و الإعلام , فيمكنك أن تشاهد الكثير من البرامج الدينية الإسلامية على الكثير من القنوات الرسمية للدولة والقنوات الفضائية , ويمكنك أن تقرأ فى الجرائد الرسمية للدولة الكثير من مقالات و أقسام مخصصة للإسلام فقط لإنه دين الدولة , فمعظم الجرائد لديها قسم دينى وهى بالتأكيد مخصصة لدين الدولة وهو الإسلام . فأين التسامح إذن ؟

ففى الختام نقول أن إصرار اللجنة الحالية لتعديل الدستور , ذات الأغليبية المدنية !! بالنص على أن ( الإسلام هو دين الدولة ) تكرس بالتالى دستور " التعصب و اللاتسامح " والمتعصب هو الذى يشتهى انتصار عقيدته على عقيدة الأخرين, وهو الذى يشتهى, عند اللزوم, الاستعانة بالعنف لتدمير عقيدة هؤلاء.

وبلاشك يمكننا إستحضار الذاكرة فيما حدث من أعمال قتل و نهب وسرقة وعنف و تدمير لأصحاب الديانات والعقائد الأخرى المخالفة لدين الدولة , سواء من مسيحين أو بهائيين بل أيضا من المذهب الشيعى فى المسلمين الذين يخالفون مذهب مؤسسة الأزهر الذى تعتقد فى المذهب السنى .

فإذا أردت دستور يؤكد على " ثقافة اللاتسامح " الذى ينتج بالضرورة حالة من العنف والقتل والإرهاب الداخلى ؛ فيكفى نص المادة الثانية بالدستور على أن " الإسلام هو دين الدولة ".

حسن كمال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا