الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العنف ظاهرة دينية؟

عبد الكريم بدرخان

2013 / 9 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل العنف ظاهرة دينية؟
أعتقد أن الجواب المرسوم في أذهاننا هو: لا !!
لأننا عندما نقول "الدين"، فإن كل شخص يذهب بتفكيره إلى دينه وطائفته، ويرى بنفس الوقت أن الأديان والطوائف الأخرى تمارس العنف أيضاً، فيقرر فوراً أن لا علاقة بين الدين والعنف.

عودة إلى البدايات:

من يسبق الآخر.. الدين أم العنف؟
إذا أخذنا بالرواية التوراتية والقرآنية لقصة الخلْق، نرى أن الدين سابقٌ للعنف، فالحياة بدأت في الجنة، وتحت رعاية الخالق سبحانه وتعالى، ثم هبطَ الإنسان إلى الأرض بعد خطيئته الأولى، وعندها شهدَ العالم أول جريمة قتل بين أول شقيقين على وجه الأرض: قابيل وهابيل، وكان سبب القتل.. أن الله قبل القربانَ المقدّم من الراعي هابيل "لحم الغنم"، ولم يقبل القربان المقدم من الفلاح قابيل "ثمار الأرض"، وهنا جاءت أول ظاهرة عنف سبباً مباشراً لموقفٍ اتخذه الله سبحانه وتعالى؛ بقبول قربان أخٍ ورفض قربان الأخ الآخر.
أما إذا أخذنا بالرواية الدارونية أو غيرها من الرواية العلمية لخلق الإنسان، والتي تشير معظمها إلى أصله الحيواني، نرى فيها أن العنف سابق للدين، فالعنف سمة من سمات الحيونات تدفعها إليها غريزةُ الجوع وغريزة حبّ البقاء وغريزة الأمومة، أي أن الجسد الإنساني اعتمد على العنف لسنواتٍ طويلة خلال مرحلته الحيوانية، قبلَ أن يكتمل نموّ العقل البشري إلى درجةٍ تسمح له بالتفكير في أصل الكون وأصل الخلق، وتحرّضه على البحث والغوص في بحار المفاهيم المجرّدة والميتافيزيقة، إلى أنْ وصلَ العقل إلى مرحلة الدين. فهنا نجد أن العنف سابق للدين، وهو ليس ظاهرة دينية.

العنف في النص المقدس:

إذا أخذنا بالموقف السلفي الذي يميّز الفكر الشرقي تاريخياً، السلفية بكلّ تجلّياتها اليهودية والمسيحية والإسلامية، والتي تضع النصّ المقدس فوق العقل دون أي استثناءات أو احتمالات للتأويل، نجد أن هذه النصوص المقدّسة تدعو إلى العنف بوصفه ظاهرة دينية مراراً وتكراراً.
لقد أعطى الربّ اليهودي "يهوه" شعبه "بني اسرائيل" وعداً بأن تكون أرض فلسطين لهم، بل إن مملكتهم سوف تمتد من الفرات إلى النيل. لكن المشكلة أن هذه الأراضي فيها شعوب أخرى من غير اليهود، وبالتالي كان لا بدّ من إبادة هذه الشعوب حتى يفي الربّ "يهوه" بوعده، وحتى ترتفع كلمة الرب فوق كلمة البشر.
فكان لا بدّ أن يبلبل الربُّ ألسنةَ أهل بابل، ويهدّم زقوراتِـها [سفر التكوين: 11]، وكان لا بدّ أن يمرّ على أرض مصر ليلة العيد، ويضرب كلَّ بكرٍ فيها من الناس والبهائم [سفر الخروج: 12]، وكان لابد للنبي اليهودي "يهوشع بن نون" من أن يبيد ثلاثين مملكةً في أرض كنعان بمساعدة ومعونةٍ إلهية، حتى يتحقق وعدُ الرب "يهوه" [سفر يشوع، من الإصحاح 6 إلى 11].
ومع أنه لا يمكننا الفصل بين العهد القديم والعهد الجديد، فقد جاءت المسيحية لتحسين صورة الإله اليهودي الباطش الجبّار المتكبّر المبيد، لكن آباء الكنيسة الأرثوذكسية ما لبثوا وأن عادوا إلى الموقف السلفي المتشدد، وأصدروا تحريماتٍ ولعناتٍ بحقّ من يخالفهم الرأي من القديسين "الهراطقة". وغالباً ما تكون عقوبة الرأي المارق عن رأي الكنيسة الحاكمة هو السحل والقتل والصلْب.
كما جاء في القرآن الكريم أن الله القوي العزيز الجبّار القهّار يبيد شعوباً كاملة حين تخالف أمره { وكم أهلكنا من القرون بعد نوح} [سورة الإسراء، الآية 17]، كما أنه سبحانه يخلق المبرّر لإبادة الأمم والشعوب { وإذا أردنا أن نُهلكَ قريةً أمرْنا مُترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمّرناها تدميرا} [سورة الإسراء، الآية 16].
ولا ضرورةَ لأن نذكر القارئ بقصة طوفان نوح، كنموذج لقصص الدمار الشامل. أو بقصة سدوم وعامورة كنموذج للإبادة الجماعية، حيث أنّ ارتكاب رجال سدوم لخطيئة اللواط، أعطى مبرراً لإبادة الشعب بإكمله، نساءً وأطفالاً وشيوخاً.
ولا تكمن مشكلة النص المقدس بتصويره الله تعالى بصورة القوي العزيز الجبار المتكبر، فهذه الصورة قد تكون ضرورية لإخضاع الناس إلى أمر الله، وهدايتهم نحو السراط المستقيم. لكن المشكلة هي أن هذه الديانات "السماوية" الثلاث قد نصّبت من البشر ممثلين عن الله سبحانه وتعالى، يحكمون بأوامره وينفذّون شريعته، ويبيدون كل من يقف في طريقهم، مستمدين سلطتهم الأرضية من النص المقدس.
والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى عن جرائم القتل والإبادة التي جرتْ وما زالت تجري باسم النص المقدس، وتكفي الإشارة هنا إلى الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها اسرائيل على أرض فسلطين منذ 65 عاماً.

الدين × السياسة = العنف :

إذا استعرنا ألاعيب هيغل الجدلية، وافترضنا أن الدين "أطروحة"، وأن السياسة "نقيض"، فهل يكون "التركيب" الناجم عن صراعهما غير العنف؟
إن ارتباط الدين بالسياسية يتضمّن قراءة جديدة للدين وقراءة جديدة للسياسة، وهاتين القراءتين الجديدتين تكونان محارَبتين من القراءة الدينية القديمة، ومن القراءة السياسية القديمة.
تتهم القراءةُ الدينية القديمة.. القراءةَ الجديدة؛ بالكُفر والردّة والهرطقة والبدعة والمروق والخروج. كما تتهم القراءةُ السياسية القديمة.. القراءةَ الجديدة؛ بالتمرّد والثورة وزعزعة الأمن وقلب نظام الحكم. وهنا يبدأ العنف من القراءة الدينية- السياسية القديمة ضدَ القراءة الدينية- السياسية الجديدة.
وغالباً ما يحصل العكس، إذ إن القراءة الجديدة للدين والسياسة تتمثّل في خروج جماعةٍ من البشر عن النسق الديني والسياسي القائم، هذا الخروج يكون في نظرِ أصحابه مشابهاً لخروج الأنبياء على أقوامهم، وهنا تتمسّكُ القراءةُ الجديدة بأحقّية وصوابية قراءتها السياسية، المدعومة بأحقية وصوابية قراءتها الدينية، وتجنح نحو العنف المنفلت، ويلقي أصحابها بأنفسهم في أتون الموت باسمين، بعد اقتناعهم التام بأنهم مُلّاك الحق والحقيقة.

خاتمة:

موضوع جدلية الدين والسياسة، وما قد يرشحُ عنهما من عنف، يحتاج إلى كتبٍ ضخمة وشروح وفيرة. ولا أعتقد أنني أملكُ جواباً وافياً عن هذه الأسئلة الكبرى، لكنني أردتُ إثارة بعض التساؤلات فقط، ورشقَ بعضَ الحجارة في المياه الراكدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النصوص العنفية في الكتب المقدسة للديانات التوحيدية
نايــــــــــــــــا ( 2013 / 9 / 24 - 22:29 )
كتبت : «ومع أنه لا يمكننا الفصل بين العهد القديم والعهد الجديد» !!! ولست أدري على ماذا اعتمدت ومن أين استخلاصت استنتاجك السابق، فأنت لم تأت خلال النص التحليلي بأية آية من كتاب العهد الجديد وردت في طيات صفحاته تؤكد على فكر التحريض والعنف فيه، واقتصرت شواهدك على العهد القديم وعلى القرآن، ... فهلا أتيتنا بآية من كتاب العهد الجديد، تؤكد ما ذكرته في بداية المقال : بأن «النصوص المقدّسة تدعو إلى العنف بوصفها ظاهرة دينية» بما فيها النص المسيحي للعهد الجديد ؟


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 9 / 25 - 15:47 )
تم التعليق بخانة الفيس بوك لسعة حجم و مساحة خانة التعليق .

أبو بدر الراوي


3 - الأنجيل.
الأشورية _من أرض أشور _ العراق ( 2013 / 9 / 25 - 19:21 )
الإنجيل المقدس يقول أن: -أبناء الله هم صانعوا السلام- (متى 5: 9 ) ...-قَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي- (يوحنا 14: 6)... أعطى الله موسى النبي قانونا قائلا: -... تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ وَعَيْناً بِعَيْنٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ وَيَداً بِيَدٍ وَرِجْلاً بِرِجْلٍ وَكَيّاً بِكَيٍّ وَجُرْحاً بِجُرْحٍ وَرَضّاً بِرَضٍّ- (خروج 21: 23-25).ثم جاء السيد المسيح بعد موسى النبي بالدعوة إلى المحبة والغفران، بدلا من الانتقام: -سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ- (متى 5: 38، 44-45). -لاَ تَنْتَقِمُو


4 - الأنجيل 2
الأشورية _من أرض أشور _ العراق ( 2013 / 9 / 25 - 19:55 )
-لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ-(رومية 12: 19-21) -وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ- (يوحنا الأولى 4: 8)؛ -وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ( المسيح).لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ- (أعمال الرسل 4: 12)...-اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ(بالمسيح) لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ- (يوحنا 3: 36، 16 ... فالذين يقتلون بأسم الله أكبر هم أتباع الشيطان قال المسيح عن الشيطان:أنه قاتل من البداية،لا يتمسك بالحق، لأنه ليس به حق، وأنه يكذب عندما يتكلم، إذ ينطق بلغته الأصلية، لأنه هو كذاب وأبو كل كذب


5 - شتان بين أله الحب السلأم,وأله الشر والأرهاب
الأشورية _من أرض أشور _ العراق ( 2013 / 9 / 25 - 20:38 )
أعطى موسى النبي وصايا الله لشعبه، قال لهم: -أُشْهِدُ عَليْكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ- (تثنية 30: 19)... مخطط أله التوراة والأنجيل هو خلأص البشرية قال المسيح :-وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ الْعَالَمَ- (يوحنا 12: 47)... ويدعونا الكتاب المقدس أن لأ نصدق نبوة أي من الدجالين المدعين النبوة الكاذبة الوهمية قائلأ:-وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا- أي(العزل الرسمي ,النّفي، الطرد (غلاطية 1: 8)...شتان بين أله يدعو لخلأص البشرية جمعاء ,وألأله الوهمي للأخر الذي يدعو للكراهية والانتقام والإغتيال والقتل والإستعباد والاغتصاب والنهب والسلب والأرهاب، إله أرهابي يدعو لأبادة البشرية السوية المتعقلة ,والأبقاء على حياة أتباعه الأرهابيين المغيبيين والقتلة والحرامية والسراق والمغتصبين الأرهابيين ووووو .

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah