الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن أن تكون ليبراليا من غير أن تكون علمانيا ؟

حسن كمال

2013 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يتناول هذا المقال العلاقة بين العلمانية و الليبرالية كعنصران أساسيان فى الديمقراطية, و ذلك كما طرحها د. مراد وهبه فى كتابة " رباعية الديمقراطية ". و على ذلك سوف نطرح ثلاثة أسئلة فرعية للوصول للإجابة للسؤال الرئيسى فى المقال وهو " هل يمكن أن تكون ليبراليا من غير أن تكون علمانيا ؟ ".


فى البداية , ماهى رباعية الديمقراطية ؟

هذة الرباعية كما طرحها د. مراد وهبه , مكونها الأساسى هو العلمانية و مكونها النهائى هو الليبرالية , وبينهما العقد الإجتماعى والتنوير, وبما أننا سنوضح مفهومى العلمانية والليبرالية بشكل أساسى , سوف نوضح هنا مفهومى نظرية العقد الإجتماعى و التنوير.

فنظرية العقد الإجتماعى كما طرحها الفيلسوف الإنجليزى " جون لوك " تنص على موافقة البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل أن يحقق لهم الأمن و الأمان , ولكن ليس من حق الحاكم الزعم بأن سلطانة مستمد من الله , إذ هو مستمد من سلطان الشعب. و على ذلك فسلطان الحاكم سلطانا نسبيا وليس سلطانا مطلقا بدعوى أن الشعب وليس الله هو الذى اتى به حاكما فإنه يكون بالضرورة علمانيا لأنه يفكر فى إطار ما هو نسبى وليس فى إطار ما هو مطلق. ومن هنا تكون نظرية العقد الإجتماعى مؤسسة على العلمانية بحسب تعريف د. مراد وهبه " التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق ".

أما التنوير قد جاوب عليه كانط , وهو إعمال العقل من غير معونة الآخرين, الأمر الذى يمكن معه القول بأنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه. وما زال التنوير بهذا المفهوم غائب بشكل كبير فى المجتمع المصرى, فعندما نتطرق للسؤال حول الدين, يكون الرد بإنه علينا الرجوع للمؤسسة الدينية لإعطائنا الإجابة الرسمية ! دون بذل أى مجهود عقلى من جانبا للحصول على الإجابة وفقا لعقلنا وليس لعقل المؤسسة الدينية .

و ما هى الليبرالية ؟

هى مرادفة لمعنى " الإنسان الحر " و هناك ثلاث تعريفات حول معنى الليبرالية , الأول يحصرها فى حماية الملكية الخاصة , و الثانى يوجزها فى قدرة الفرد على تحديد غاياته بنفسه, و الثالث تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع .
و فى تقديرى الشخصى, يجب أن نبرز التعريف الثالث لنقول أن الليبرالية تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع , ثم نضع التعريف الثانى لنقول أن تلك السلطة هى قدرة الفرد فى تحديد غاياته بنفسة دون إجبارة على إختيار معين من قبل المجتمع, فسلطة الفرد يجب أن تكون فوق سلطة المجتمع .


وما العلمانية ؟

العلمانية كما وضحها د. مراد وهبه فى كتابة ( رباعية الديمقراطية ) هى التفكير فى النسبى فيما هو نسبى و ليس بما هو مطلق. فالعلمانية تعنى العالم المتزمن بالزمان, أى عالم له تاريخ, ومن هذة الزاوية تقال العلمانية على العالم الزمانى والنسبى, أى المتحرر من الصيغ المطلقة. أى إن التفكير العلمانى يعتقد فى نسبية المكان و الحركة و الزمان , فالإنسان ليس فى إمكانه الوصول إلى يقين مطلق كما يعتنقها الفيلسوف الإيطالى جيوردانو برونو.

و بشكل أكثر توضيحا للمعنى , فالعلمانية تهتم بالدنيا و كل ماهو دنيوى و جوهرها هو الإنسان الذى يعيش فى تلك الدنيا, و كل ماهو موجود فى الدنيا هو نسبى أى متغير, فما كنا نستخدمة بالأمس ظهر ما هو أحدث و أكثر نفعا فنستخدمة فى الوقت الحاضر , وما كان يطبق فى الماضى طبقا لظروف المجتمع وقتها و البيئة التى كانت تطبق فيها تلك القواعد, لا يمكنا أن نطبقة الأن مادام تغيرت تلك البيئة المجتمعية وتغير الزمان و المكان. فالعلمانية تؤمن دائما بالتغيير وفقا للزمان و المكان .

فالعلمانية هى أسلوب تفكير قبل أن تكون أسلوبا فى السياسة؛ ولذا ففصل الدين عن السياسة هو نتيجة التفكير العلماني على المستوى السياسى ولكنه ليس تعريف العلمانية. فالدين من معتقدات وشعائر وعبادات هى ثابته وغير متغيرة , فهى عقيدة مطلقة تؤمن بوجود الله و اليوم الأخر و تقيم الشعائر والعبادات , أما السياسة فهى متغيرة وفقا لظروف الزمان والمكان , وبالتالى لا يمكن تطبيق الثابت المطلق ( الدين ) على المتغير النسبى وهو ( السياسة ).


إذن , هل يمكن أن تكون ليبراليا من غير أن تكون علمانيا ؟

جواب د. مراد وهبه , و هو بالسلب لانه إذا كانت العلمانية هى التفكير بالنسبى وليس بالمطلق فاستبعادها من الليبرالية يعنى أن تكون الليبرالية هى التفكير بالمطلق, وعندئذ تكون مغموسة فى الأصولية.

و فى تقديرى الشخصى أتفق مع ما طرحة د. مراد وهبه, فالليبرالية كما وضحنا سلفا هى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع التى من خلالها يمكن تحديد غاياته بنفسه, و الفرد بشكل عام يفكر بشكل نسبى , ولا يمكن فى تلك الحالة إجبار الفرد بحكم المطلق وهو الدين بشكل عام حيث يمثل مطلق وليس نسبى ؛ لنقول بعد ذلك نحن ليبراليين و لكن لسنا علمانيين ! أى ليبرالية بمرجعية دينية وبشكل خاص كما هو مطروح فى مصر , ليبرالية بمرجعية إسلامية !

و كما شاهدنا مؤخرا فى إجتماعات لجنة الخمسين لتعديل الدستور , أن الممثلين لليبرالية " مجازا " يؤكدون هذا المعنى وهو ليبرالية بمرجعية إسلامية أى ليبرالية مزيفة وليست حقيقية , وذلك عند تمسكهم بمواد الشريعة الإسلامية فى الدستور. و للأسف هذا المفهوم الزائف لليبرالية يتم التوكيد عليه فى الأحزاب الليبرالية بتحاشيهم دائما التحدث عن العلمانية خوفا من الإتهام بالإلحاد والكفر , بينما ينادون بتطبيق الليبرالية و لكن دون العلمانية ! فكيف ذلك ؟!

و يمكنا أن نسترجع الذاكرة للإطلالة على الحقبة الليبرالية " مجازا " قبل 1952 , لنتعرف سويا بالفعل كيف كانت الليبرالية زيفا وغير حقيقة وغائبة.

فقد أيد حزب الوفد, وهو حزب الأغليبية , مصادرة كتاب " الإسلام و أصول الحكم " للشيخ على عبد الرازق ( 1925 ) لأنه ضد الخلافة, وضد الحق الإلهى للحاكم ومع نظرية العقد الإجتماعى للفيلسوف الإنجليزى جون لوك ( 1632 – 1704 ) و التى تقرر أن المجتمع من صنع البشر وليس من صنع الله. كما أيد حزب الوفد أيضا مصادرة كتاب " فى الشعر الجاهلى " لطه حسين ( 1926 ) لأنه يتخذ من الفيلسوف الفرنسى رينيه ديكارت منهجة فى نقد التراث.

و فى عام 1928 تأسس التيار الأصولى الإسلامى تحت عنوان " الإخوان المسلمون " , وهذا التيار ينادى بحكم المطلق ويلغى حكم الفرد, فهو يمتنع معه أن تكون سلطة الفرد فوف المجتمع و أن يكون الفرد حر فى تحديد غاياته بنفسه , بل عليه الخضوع لحكم الدين وهو المطلق.

و أخيرا , ندعو كل التيارات الليبرالية فى مصر من أحزاب و حركات شبابية و نشطاء مستقلين, تضمين مفهوم " العلمانية " فى تعريفهم لليبرالية حتى يمكن تحقيقها بالفعل دون مراوغة أو تضليل.

حسن كمال










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطأ في الفهم أم في الترجمة أو معا ؟
ماجد جمال الدين ( 2013 / 9 / 26 - 15:33 )
السيد حسن كمال
كتبتَ :: (((.. الثالث تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع . ))) وكررت مرتين مثل هذه العبارة المثيرة للضحك لا أقل وربما أكثر .. . إذا كان معلميك من حزب الوفد يعلمونك مثل هذا الهراء فقل لهم أن الليبراليين ليسوا أغبياء لكي يكتبوا أو ينادوا بهذا . فسلطة المجتمع بالضرورة اعلى وفوق سلطة أفراده ..
المبادئ الليبرالية لا تتحدث عن السلطة بل عن الإستقلالية ، أو أحيانا تترجم بالعربي إلى كلمة السيادة . فيقال أن إستقلالية أي وكل إنسان فرد ( وسيادته على نفسه ) هي أساس لإستقلالية وسيادة المجتمع . في المجتمع المثالي الليبرالي ( الحر) كل فرد يتنازل ( طوعا ) عن جزء من حريته وإستقلاليته وسيادته لصالح المجتمع ككل ممثلا بمؤسساته .
حين تستبدل كلمة الإستقلالية أو السيادة بكلمة السلطة فإنك تقع في تناقضات محرجة ، أولا سلطة الفرد على من ؟؟؟ وثانيا ، بهذا تبيح لأي فرد من جماعة ألإخوان وهيئة الأمر بالعروف والنهي عن المنكر وأي شخص تعن له فكرة ما ، أن يفرضوا سلطتهم على الجميع ..
تحياتي


2 - ردا على تعليق الأستاذ / ماجد جمال الدين
حسن كمال ( 2013 / 9 / 26 - 15:46 )
أشكرك فى البداية على الإهتمام والمتابعة والتعليق .

بخصوص معلمى من حزب الوفد , فأوضح لحضرتك بإنى لست عضوا بحزب الوفد أو أى حزب سياسى
بخصوص مصطلح الاستقلال والسيادة وأن هذا مفهوم الليبرالية برجاء مراجعة كتاب - عن الحرية - لجون ستيورات مل -فترجمة الليبرالية غير ترجمة السيادة
بخصوص تناقضات التى ذكرتها بمن تقع سلطة الفرد ؟ برجاء التدقيق فى المقال جيدا , واما ان هذا يبيح لأى فرد من جماعة الإخوان وهيئة الأمر بالمعروف ان تعلن عن فكرها ! برجاء مراجعة مفهوم نظرية العقد الاجتماعى التى هى موجود أصلا فى المقال !

نرجو من حضرتك قراءة المقال كاملا وعدم إجتزاء منه عبارات بعيدا عن مضمون المقال ككل لانها فكرة متكاملة

وشكرا لحضرتك

حسن كمال-


3 - إدرس تعليقي جيدا !
ماجد جمال الدين ( 2013 / 9 / 26 - 16:44 )
عزيزي حسن
إدرس تعليقي جيدا كلمة كلمة ، قبل أن تتصدى متسرعا للذب عن مقالك ..
فانا بالطبع لن اقرا جون ستيوارت أو مراد وهبة ألخ ولن أعتمد عليهم كأمثولة نصوص مقدسة مادام عندي دماغ يشتغل .. ولن أعيد مراجعة نظرية العقد الاجتماعي التي عمرها ثلاثة قرون .. وبالطبع لأن اقرا أي من الكتب التي تقرأءها أنت بترجمات رديئة ..فحاول أن تدرس لغاتها الأصلية ولكي تفهمها جيدا .
أنا كتبت عن التفريق بين كلمتي الإستقلالية أو السيادة وكلمة السلطة ، أما أنت فتجيبني وكأن في عينك غشاوة :: (((فترجمة الليبرالية غير ترجمة السيادة ))) ..
لقد قرأت مقالك كاملا .. ولم أحاول الإجتزاء لمجرد المناكفة أو الإنتقاص ، فهذا ما لا أفعله أبدا .. ولكن تغيير وإستبدال كلمة أو فكرة ما قد يسقط المقال كله أحيانا في الضحالة الفكرية .. وخصوصا قد أوضحت لك أن كلمة السلطة تعني بالضبط أن تبرير الأخوان بأن مثلا قتل فرج فودة صحيح ، لأن سلطة الدولة لم تقم بذلك !
فكر بالأمر جيدا وبعمق أكثر ..
تحياتي




4 - ردا اخر على الأستاذ / ماجد جمال الدين
حسن كمال ( 2013 / 9 / 26 - 17:25 )
شكرا أستاذ ماجد على الإهتمام بالرد والتعليق مرة اخرى

- بخصوص انى بدافع عن المقال , حضرتك انا مش دافع ابدا عن مقالات أو افكار انا فقط بتناقش مع حضرتك

- و بخصوص نقطة الاخوان وقتل فرج فودة , برجاء مراجعة أخر جزء من المقال وهو انى ذكرت تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى عام 1928 كان مقتل الليبرالية لانهم يعظمون سلطة الهيه متمثلة فى الحاكم على سلطة الفرد , وهذا ضد الليبرالية لانها بترت سلطة الفرد

خالص شكرى وتقديرى لحضرتك

حسن كمال


5 - العلمانيه ليست ان امك تقلع الحجاب
حكيم العارف ( 2013 / 9 / 27 - 04:54 )
الله - يعنى العلمانيه ليست ان امك تقلع الحجاب كما افهموهم الشيوخ ..


انا نفسى تدرس هذه المصطلحات فى جميع المدارس كى تنقشع بعض التعريفات المخجله التى تصدر من شيوخ الجهل والسلفيين

مصر تستاهل افضل من كده


6 - شكرا- حكيم العارف
حسن كمال ( 2013 / 9 / 27 - 09:11 )

للأسف يتم إغتيال العلمانية دائما من قبل التيار الأصولى بوصفها مرادفة للإلحاد و الزندقة تارة , و وصفها بالإنحلال الأخلاقى تارة أخرى ..
نسعى إلى توضيح الحقيقة و بيان ماهية العلمانية لكى نقدر تحسين حياتنا للأفضل ونخطو نحو التقدم كالغرب ..

شكرا للمتابعة

اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية