الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقارب معلن ومخاوف مخفية

جمال الهنداوي

2013 / 9 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير من علامات الاستفهام يثيرها ذلك الاكتظاظ المسرف للعبارات الودية المتبادلة ما بين القيادة الايرانية الجديدة مع الولايات المتحدة والغرب والتي تزدحم بها نشرات الاخبار العالمية وامست اقرب الى اللازمة في تصريحات كبار المسؤولين من الطرفين مما قد يشي بامكانية تحقيق اختراق تاريخي في مسيرة العلاقات التي تمادت في استعصائها وتكلسها حد الحصار و الضغط السياسي والعقوبات الاقتصادية فضلاً عن تحشيد الجيوش والأساطيل الحربية.
واولها قد يكون التساؤل عن مستوى وطبيعة التفاهمات التي من الممكن ان تمرر ما بين الغرب ونظام يقبع على مسافة دقة قلب من الاشتباك مع الولايات المتحدة لما يقارب الثلاثة عقود..خصوصا وان الاعلام الغربي عادة ما يتهم ايران –وبوثوقية عالية- بالتسبب في مقتل جنود ومدنيين امريكيين في لبنان والعراق وإفريقيا وجنوب شرق آسيا، وبالتدخل السلبي المباشر في العديد من الدول الحليفة للمعسكر الغربي وبدعم القوى المناوئة لمصالحه في مناطق قوس النفط، المُـمتد من مضيق هرمز إلى ساحل بحر قزوين..
و أي "صفقة كبرى" يمكن أن تبرمها واشنطن مع نظام آيات الله ولم يتسنى لها ابرامها مع حلفاءها في المنطقة..مع الاخذ بنظر الاعتبار تأسيسية المسعى الامريكي في انجاز مهمة احتواء الشرق الأوسط الجديد.
من الواضح هنا ان الإدارة في واشنطن ومن خلفها اوباما وجدت نفسها مضطرة إلى التكيّف مع الوقائع على الارض والمعطيات التي أفرزتها عملية الانسحاب الامريكي من العراق, والتعقيدات السياسية والامنية التي تسببت بها الازمة السورية والتي ساهمت بتورم الدور الايراني وتموضعه كفعل مضاد امام الوجود الأميركي الواسع النطاق والمكثف في المنطقة. وهذا ما قد يدفع بالحوار المرتقب- والذي يعتقد انه مستمر منذ شهور – الى التحول تدريجيا ولكن بثبات الى غاية امريكية مفصلية قد تفضي الى تحقيق تقارب كان يبدو مستحيلا ,قبل فترة وجيزة, بين نظامين متناقضين ومتقاطعين حد الصراع والاحتراب الاعلامي والسياسي على حافة الاشتباك المسلح ..
أما مفهوم التكيّف المفترض من جانب الإدارة الديمقراطية للبيت الابيض، فذلك ما يمكن أن يطرح على صورة تساؤلات معقدة حول ما إذا كان التدافع السياسي الحالي بين أميركا وإيران قد يصل في المدى المنظور إلى تسوية تاريخية قاعدتها الاعتراف بشبكة المصالح الكبرى لكل منهما؟ وان كانت تلك التسوية تشكل اشارة واضحة-ولكن مقلقة- لنضج البرنامج النووي الايراني واقترابه من النقطة الحرجة الرمادية ما بين اللا عودة او التراجع المثمر المحمل بالمكاسب والحوافز والاغراءات..
ومثل هذا التساؤل سوف يسلسل بالضرورة تساؤلاً آخر قد يتحاشى الكثيرون طرحه في الوقت الراهن ، يتعلق بالدول العربية المهتمة بالشان الايراني، وما إذا كانت الصفقات الكبرى الآتية ستكون على حساب حجم حضورهم ووزنه في المنظومة الإقليمية‌ الجديدة, خصوصا ان التصعيد المتقادم للصراع ولد معطيات دينية وأيديولوجية وفلسفية ترتب عليها إضفاء صفة فوق سياسية على طبيعة العلاقات العربية-الايرانية, وهو ما قد يكون اسهم في تخليق ارضية ممانعة تاريخية تجاه الحلول التي يمكن التوصل اليها اعتمادا على المقاربات البراغماتية الحية المعتمدة على المصالح والمشتركات ما بيننا كدول اقليم ومع دول العالم, وهو ما قد يقلل من هامش تحرك الدول العربية ضمن أي منظومة علاقات اقليمية ودولية متوازنة.
وهذا ما قد يطرح التساؤل الاهم عن مدى قابلية الدول العربية منفردة او كمؤسسات وتجمعات على الوجود الحي والفاعل والمؤثر في عولمة رأسمالية لا تعير وزناً إلا للمصالح المشتركة, ومدى جدوى الاستمرار بالمقاربة الوجدانية للامور التي لا تحتمل الا التعاطي وفق المفاهيم الدولية الحديثة القائمة على الفكر المؤسسي ,والتي لا تستحضر الانتماءات الدينية أو القومية او العرقية كمحددات للشعور بالتقارب.
نرى ان تعقيدات الموقف السياسي الاني يفرض على العرب ان يتركوا لبرهة وجيزة مقعدهم الوثير ويضعوا جهاز الريموت كنترول جانبا والتفكير قليلا –ولكن بعمق- بنتائج محتملة.. ولكن واقعية.. لحوار قد يفضي الى اعتراف امريكي اوربي بدور مميز لايران في المنطقة..
وخصوصا ان مركزية الشرط الايراني في العقيدة الامنية العليا لبعض الدول العربية لا يستدعي كل هذا التساذج امام المتغيرات التي تعصف بالنظام السياسي الاقليمي برمته, والتغافل عن ان كل عنتريات الخليج, وعدائيته, بل وحتى فتاوى دعاته ,لم تكن بهذه الجرأة لولا اعتمادها على الانكاء على العداء الامريكي الايراني.
ان الموقف يستدعي من دول المنطقة الوعي بعبثية الاستمرار بادارة الحروب عن طريق البرامج الحوارية واليوتيوب, وان هذا التعاطي الموغل في السلبية مع الاحداث قد يبدد آخر الاوراق التي يمتلكها العرب الا وهي منظومة العلاقات التاريخية الممعنة بالقدم بين الشعب العربي والشعب الايراني المسلم ..والتي من الممكن في حالة ترتيبها بشكل جيد بعيدا عن الفتاوى والخطابات المنبرية تكوين قوى ضغط واعدة ومبشرة قد تكون اكثر من ضرورية للتأثير على السلوك السياسي الايراني تجاه دول المنطقة, والاهم من ذلك ان قد تسهم بتحسن حظوظ العامل العربي في الحوار المفترض لتفادي الحلول التي تقفز فوق المصالح العليا لدول المنطقة..والتي لا يبدو ان العرب في منأى من تحمل تبعاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي