الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم والحرية وتراكم الشعارات

واصف شنون

2013 / 10 / 2
المجتمع المدني



اتخذت الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها التعليم الحكومي العام مفصلا ً أساسيا ً في السياسات والخطط التعليمية لها ،وظلت العملية التربوية العلمية تجري في سياقات لابأس لها مقارنة بباقي الدول الأخرى حتى عقد الثمانيات من القرن الماضي ، حين تم عسكرة المجتمع العراقي وتجنيد التلاميذ وخريجي الكليات والمعاهد والمدارس كوقود للحرب آنذاك بغض النظر عن مستقبلهم وعوائلهم ومستقبل بلادهم ،فالحرب تأكل الموارد والمواهب والفنون والعلوم بلا تفريق ولا تمييز سوى الذين لهم حظوة مع سلطات الحرب الجائرة والمستفيدين منها ،واستمرت حالة التردي والإنحطاط في تواتر ملحوظ في التسعينات بسبب الحصار والحروب المتتالية ، وحتى 2003 ، حيث كان الأمل في تغيير جذري عام يشمل كل مفاصل الدولة والمجتمع ،وخاصة قطاع التعليم لأهميتة ، إلا أن الشعارات هي التي إختلفت فقط وصاحبها إنهيار تام تقريبا للعملية التربوية والعلمية برمتها ،واللوم متبادل بين الدولة والحكومة والمجتمع والناس لكن بما أن الدولة تعتمد على الإقتصاد الريعي النفطي فقط مع غياب مبدأ الضريبة مقابل الخدمات العامة ،فأن الدولة كفيلة بتوفير أدنى الخدمات وخاصة في مجال الصحة والتعليم والحاجات الأساسية لدولة في القرن الحادي والعشرين واذا كانت الحجة والعوائق هي الإنقسامات السياسية والتحاصصات والفساد والإرهاب فأن مدنا ًو وأقضية ونواح وقصبات عراقية بعيدة عن بغداد المستهدفة الأولى من الإرهاب تعيش بحال أكثر سوء من العاصمة نفسها ،المجتمع ينتظر الدولة وبلا مساعدتها لايمكن أن يخطو في الطريق الصحيح على الرغم من إفتتاح عشرات المدارس والجامعات الأهلية ،المشكلة أن السلطات المتعاقبة تعتبر عملية التعليم أهم عنصر في تثبيت وجودها وفقا ً لشعاراتها التي تنبح بها بغض النظر عن النتائج الكارثية ، بعد 2003 ، تسلم أحد الوزراء منصب وزير التربية والتعليم وكتب في صفحة الوزارة إنه حائز على شهادتي دكتوراه واحدة من الهند والثانية من إيران وحين تم التشكيك بشهادتيه من قبل مختصين وأكاديميين عراقيين قال في التلفزيون العراقي انه يحمل شهادة دكتوراه في ( حبّ الحسين ) في إشارة منه لكسب التعاطف الديني الطائفي ولكي يصمت منتقدوه تماما ً ،فهذه هي الشهادة الألمعية العظمى ، ثم حين ترك الوزارة خلف وراؤه عشرات الهياكل الكونكريتية لمدارس لم يتم إكتمال بنائها بسبب هروب المقاولين والشركات الإيرانية التي إستجلبها ووقع عقودا معها بأموال العقود الطائلة المباحة والمستباحة وكل ذلك طبعا حباً بآل البيت والعترة الشريفة المقدسة ، وما زالت شاخصة للرائي في مدن العراق وقصباته ونواحيه ولدي الصور كاملة ، مع ذلك أصبح نائبا ً لرئيس الجمهورية كمكافأة له على جهوده التعليمية فهو الذي أطلق حملة (الصحوّة الإسلامية التعليمية) في مدارس العراق الإبتدائية .
في الإسبوع الماضي بدأ العام الدراسي الجديد في العراق ، وبعد يومين وصلت لمواقع التواصل الإجتماعية أولى الصور عن صفوف المدارس وبناياتها المتهالكة وكل بناية تتقاسمها ثلاثة مدارس حكومية وبدوام مختصر الى ثلاث ساعات ، بينما المدارس الحديثة في كل العالم هي ست ساعات حصص تعليمية وترفيهية ورياضية مع دعم هائل للموارد ، لأن الموارد للمدارس تؤثر بشكل مباشر في العملية التربوية للتلاميذ الصغار ، مثل واردات المنزل ونقصها والتي تنتج عواقب وخيمة في مستقبل منظور ، في صورة محزنة يتكدس التلاميذ الصغار مثل قطع السردين في اول يوم لهم في حياتهم المدرسية ،ويكتب صاحب الصورة تعليقا ً أو نداءً مريراً تشوبه الكوميديا السوداء أنقله كما هو : -
الى مسؤول لجنه التربيه والتعليم في البرلمان العراقي، الى مدير التربية ورجال الدين والأهالي الشرفاء نداء من مدرسة أم القرى الإبتدائية

الموضوع / استيراد O2 ( اوكسجين )
يرجى التفضل بالموافقه على استيراد اوكسجين وتوزيعه على تلاميذ المدارس الابتدائيه لسد النقص الحاصل بهذا الغاز نظرا للازدحام الحاصل في الصف الواحد وذلك لقلة المدارس في مركز المحافظه . علما ان عدد تلاميذ الصف الواحد يبلغ 90 طالب فتخيل عزيزي المسؤول كميه الاوكسجين الموجوده في الصف . كما أنه من الممكن جدا حدوث حالات اختناق . والطلاب تتراوح اعمارهم ما بين 6 سنه الى 7 سنه . اي لا يعرفون الخطر المحيط بهم ... علما إن كل هؤلاء التلاميذ هم من الطبقه الفقيره ودون المتوسطه ...!!؟؟
النداء أعلاه من فرد عراقي واحد ، ربما لايسمعه أحد ، أو لايعبره مسؤول منتفخ الأوجاد ، فالمهم بالأمر ان شعارات الديكتاتورية في التعليم ذهبت بلا رجعة وحلت بدلا ً عنها شعارات أخرى ليست جديدة بل من نفس آليات التسلط مع تراجع وإنحطاط أشدين ، فوزير التعليم العالي نفسه إحتفل قبل أشهر ببناء أعلى (سارية علم) في إحدى الجامعات العراقية ، وأخرج مسدسا ً وأطلق منه عيارات نارية إحتفالا ً بالإنجاز العظيم ، بينما الجامعات العراقية الحكومية والأهلية تعاني من عدم الإحترام لمصداقيتها ومهنيتها من قبل اي جهة أكاديمية في العالم ودول الجوار بل من جهات في إقليم كوردستان الذي هو جزء من خارطة جغرافية العراق وحكومته وبرلمانه ، ثم التعليم العالي مرتبط بالتوظيف ، فما نفع الجامعات حين لاتجد وظائفا ً لخرييجيها ، وزير التعليم العالي العراقي يهمه الصحوة الإسلامية وعدم الإختلاط بين الذكور والإناث واخلاق السلف الصالح من آل البيت ، ولايهمه تجارب بعض الحكماء حول التعليم والحرية وأهميتهما للمجتمعات البشرية ، مثل " التعليم يحمى الحرية أفضل من جيشٍ مرابط " لأدوارد افرت و" لا يمكن أن تكتسب الحرية إلا عن طريق التعليم" لفريدريك شيلر .

خاتمة :
أول ما يتعلم تلاميذ الصف الأول الإبتدائي في مدارس العراق سابقاً ، تحية المعلم وهي قوموا قيام فيهتفون عاش القائد صدام ،ثم يأتي نداء المعلم :جلوس ،فيردون :يسقط الفرس المجوس ،ثم جاء التغيير المرجو ، فيدخل المعلم إلى الصف الأول الإبتدائي المكتظ بعشرات الصغار ونصفهم يفترشون الأرض مع حقائبهم ، وأول درس هو قوموا ..قيام ، فيهتف الصغار :عاش الإسلام ، جلوس ..،يجلسون صامتين ،ينظرون في جدران الصف الكالحة والسبورة الملحاء ووجوه المعلمين الكئيبة وبرك الجراثيم وسط المدرسة وصنابير المياه الجافة ..!!، الإبادة تبدأ من هنا ، من إغتيال الطفولة وتشويه البياض وفرض السلوكيات والتعنيف والتغاضي عن الرعاية والإهتمام بالمواهب والتركيز على من يحتاج العناية ، التعليم بذرة السلام والطمأنينة والتنمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ديلي ميل: تحقيق يكشف تورط خفر السواحل اليوناني بقتل عشرات ال


.. مؤسس نادي كرة قدم للمكفوفين في العراق يروي قصته بعدما فقد بص




.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي


.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف




.. كأس أمم أوروبا: لاجئون أوكرانيون يشجعون منتخب بلادهم في مبار