الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل المقال فيما بين العمل السياسي والثقافي والحمار من اتصال

الهيموت عبدالسلام

2013 / 10 / 2
المجتمع المدني


ليس غريبا في زمننا المغربي الرديء أن يتصدر المشهد السياسي كل هدا الجدل الكبير حول الحمار
،جدل كبير بين التوظيف المغرض والسياسوي كما حصل في المسيرة الأخيرة بالرباط التي نظمه
حزب الاستقلال وشارك فيها الاتحاد الاشتراكي وملحقاتهما وبين من تجند ملوحا باستعمال كل ما
يملك للدفاع عن الحمار وعدم استغلاله في المسيرات والتظاهرات والحملات الانتخابية.
المسيرة الأخيرة التي تقدمتها الحمير تعييرا و نكاية في رئيس الحكومة شكلت درجة الصفر في
النضال السياسي والخواء الفكري والانحطاط الأخلاقي.
ففي زمن تشتغل فيه الماكينة السلطوية لطمس الفكر والثقافة والفن والإبداع وحشر قامات
كبيرة في زاوية ضيقة أمثال عبدالله العروي والراحلين محمد عابد الجابري وعبدالكبير
الخطيبي والمهدي المنجرة ...وفسح المجال مشرعا لقيادات سياسية كارتونية لاتجيد سوى قاموس
السباب ومفردات قنوات الصرف الصحي وفنون التجييش وشراء الدمم وتنظيم الولائم والتمسح
بتلابيب السلطة.
نعم الحمار كائن صبور وخدوم ،قدم ولايزال خدمات جليلة للبشرية جمعاء طيلة العصر الوسيط
وخاصة في المجتمعات الزراعية ،كان وسيلة نقل وحارث للأرض وحامل للأثقال إنه بلغة أحد علماء
الاجتماع إنه بروليتاري الحيوانات ،لدلك نجد الحضارات الفرعونية والإغريقية تعلي من شأن هدا
الحيوان في رسوماتها ،وحظى برضى وعطف الآلهة أبولون وخوفو... على خلاف ثقافتنا العربية
الإسلامية التي كرست قيم تحقيرية لهدا الحيوان المكافح "إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" و"مثل
الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله
والله لا يهدي القوم الظالمين".

ليست سابقة إدن أن يستعمل المغاربة كلمة حمار للتنابز والتحقير والتعيير والحط من مستوى الدكاء
الإنساني إلى غير دلك ودلك راجع أساسا لرواسب ثقافية واجتماعية متكلسة لا تقيم الاعتبار للإنسان
فبالأحرى للحيوان في شخص الحمار.
،لكن السابقة والغريب أن ندافع عن الحمار وأن نقيم له مهرجانا،وأن نخصص الجوائز للحمار أكثر
جمالا والأحسن رشاقة وقدا واعتدالا والأكثر سرعة في حين أن سباق الحمير تقتضي الركوب والوخز
وغيرها من أشكال التعنيف ،فإما الدفاع عن الحمار بمرجعية حقوقية كونية وشمولية وإما فلندع
الحمار وشأنه لأن هده العملية تجعلنا نستغله نحن كدلك بطريقتنا في الركوب والوخز فيما يسمى
سباق الحمير وبالتالي ندور في حلقة مفرغة كيف دلك لنر المسألة من زاوية أخرى ؟
كيف نطلب ممن يستعمل الحمار ألا يعنفه وألا يحتقره وألا يوخزه وهو نفسه أي الإنسان محتقر
ومهمش ومقصي؟
كيف ندافع عن الحمار ونطالب المجتمع بتصحيح تصوراته النمطية حول هدا الكائن الصبور والخدوم
والإنسان نفسه يعيش كل أشكال القهر والفقر والحكرة؟
ففي كتاب "سيكولوجية الإنسان المقهور ل"مصطفى حجازي" أن الحيوان والجماد هم آخر من يتم
تفريغ فيهم شحنات الغضب والقهر الدي يعانيه الإنسان في سلسلة هرمية نازلة تبتدىء من رجل
السلطة أو رب المعمل أو "السيد" إلى الأدنى منه عبر الأب الدي يقهر الأم التي بدورها تنفس عن
قهرها في أطفالها ثم الأطفال على الحيوانات والجماد، الحمار إدن الحلقة الأضعف في مسلسل القهر
هدا بحكم عيشه إلى جانب الإنسان فكيف إدن نفسر هده الحماسة الزائدة في الدفاع عن الحمار
ونسيان صاحب الحمار؟
أما فرانز فانون في كتابه "معذبو الأرض" الدي سبق له أن عمل مستشارا نفسيا لفرنسا
في الجزائر مرحلة استعمارها وانتهى إلى خلاصة عكس ما أرادته فرنسا وهي أن سبب جميع المعاناة
والاضطرابات النفسية التي يعيشها المواطن الجزائري هي الاستعمارالفرنسي وأن أحسن علاج نفسي
يمكن أن تقدمه فرنسا للشعب الجزائري هي خروجها من الجزائر .
القصد من ضرب هدين المثالين أنه يجب تغيير الأسباب وليس النتائج وإبراز أن الدفاع عن الحيوان
في مجتمع لازال الإنسان فيه مجرد رقم يستخدم في الحملات الانتخابية والاستفتاءات والإحصاءات
،مجتمع لم يعد خافيا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها الإنسان المغربي فكيف
يطلب من حرم حق الولوج إلى المستشفى ومن لم يجد مقعدا في المدرسة ومن يعاني من بطالة
مزمنة وإجمالا من يعاني امتهان لكرامته بشكل يومي وخاصة في القرى النائية التي تعاني من العزلة
وانعدام المرافق الاجتماعية وتسلط السلطة والإقصاء والانغماس في الظواهر الاجتماعية الخطيرة
كيف يطلب من هؤلاء التعامل السوي واللبق والوديع وغير العنيف مع الحمار؟؟

صحيح أن الحزب الديمقراطي الأمريكي يتخد الحمار شعارا له ربما ليس تقديرا لخدماته ولكن تحديا
للرئيس الأمريكي "أندرو جاكسون" سنة 1828 الدي كان يخوض حملة انتخابية تحت شعار "لتكن
السيادة للشعب" فنعته خصومه بالحمار والشعبوية والسطحية فراقت "أندرسون" فكرة الحمار
واتخذه شعارا لحملته الانتخابية وهزم خصمه الجمهوري الدي يتخذ الفيل شعارا له، لكن اتخاد
الحزبين الديمقراطي والجمهوري للحمار والفيل شعارين لايعني أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد على
هادين الحيوانين بل هو اقتصاد يعتمد على الإنسان والتكنولوجيا الحديثة والمعرفة والبحث العلمي في
مناخ تسوده الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
الدفاع عن الحمار وباقي الحيوانات يليق بالمجتمعات الغربية والمتقدمة عموما أي المجتمعات التي
تضمن الكرامة البشرية والحدود الدنيا للحياة الكريمة من عمل لائق وتعليم وصحة وشغل قار وتقاعد
مريح ،وليس في مجتمعاتنا المتخلفة مجتمعات الفقر والتهميش والبطالة والتسلط ،يبدو لي أن
الأولوية يجب أن تعطى للإنسان وأنه أوتوماتيكيا كلما ارتفع وعي المواطن وتمتع بحقوقه كاملة فإنه
يتصالح مع نفسه ومع بني جلدته ومع محيطه العام بما فيها باقي الحيوانات.
لايستقيم الفهم أن القرية العريقة بني عمار والتي نشطت بها أعرق جمعية قروية والتي نظمت العديد
من الأنشطة الثقافية والفنية والتربوية الهادفة إلى التوعية والمعرفة والترفيه ،الجمعية التي
استقطبت إيقونات ورموز الفن والفكر والإبداع ،الجمعية التي طال إشعاعها إلى القرى والمدن
المجاورة وتشكلت بها جمعيات ثقافية استرشادا بهده الجمعية ،الجمعية التي شكلت لوحدها مدرسة
في التطوع والحوار ونكران الذات والعمل الجماعي والتماهي مع مشاكلها حد الانصهار ، الجمعية
التي شكلت طرازا خاصا يمكن اعتماده كمرجع في تاريخ العمل الجمعوي بالمغرب، إنها إدن
إنجازات معنوية كبيرة تلك التي راكمتها هده الجمعية لفائدة الساكنة ،فلا يستقيم أن جمعية بهده
العطاءات والتضحيات الجسام تتحول من مدافع عن الإنسان ومجاله إلى مدافع عن الحمار في هدة
القرية التي تتراكم فيها الأزبال وطريقها الرابطة بزرهون كلها محفرة وتتوقف عن ربط الساكنة
بمدينة زرهون ومكناس كلما سقط رداد خفيف من المطر،المركز الصحي شبه فارغ يضطر فيه
السكان للتنقل للحصول على خدمات بسيطة كالحقن وقياس الضغط وغيرها،عدم جودة الماء الصالح
للشرب وانقطاعه المستمر،حرمان الفتيات من متابعة الدراسة خارج القرية،ابتزاز أعضاء التعاونيات
وغيرها من المشاكل التي تعيشها القرية.
على سبيل الختم
* قد يقال أن مشاكل القرية من طرق وصحة وخدمات اجتماعية وهدر مدرسي تدخل في صلاحية
السلطات المحلية والمنتخبة ،هدا صحيح المسؤولية المباشرة تتحملها الدولة ولكن الجمعية تتحمل
مسؤوليتها أيضا في التعريف بهده المشاكل لدى الجهات المعنية والتحسيس بخطورتها خاصة مع
دستور 2011 الدي يعطي صلاحيات كبيرة للمجتمع المدني في تقديم العرائض والملتمسات والتشكي
والانتصاب كأطراف مدنية دفاعا وتحسيسا بمشاكل الأوساط التي تشتغل فيها هده الجمعيات .
**الحماسة التي ندافع بها عن الحمار ونرفض استغلاله لم لا نوظفها في الدفاع عن صاحب الحمار
ونكون بدلك قد ضربنا عصفورين بحجرة واحدة .
***مادا كسبنا لهده القرية إن ماديا ومعنويا مند اختزلت الجمعية في مهرجان الحمير وهده لعبة
إعلامية خطيرة ،أي أن ليس كل ما يتناوله الإعلام فهو بالضروري مفيد خاصة الإعلام الرسمي الدي
يتسابق على الظواهر الهامشية والغرائبية التي تزيد في صرف انتباه المجتمع عن المشاكل الحقيقية
****الحمار ليس هما للساكنة وليس أولوية لهده القرية التي ترزح تحت مشاكل عويصة يفترض في
أبنائها وبنائها العمل بروح التطوع ونكران الذات وطبعا ليس حلها نهائيا ولكن التخفيف من حدتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية