الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميّتة

أحمد عفيفى

2013 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالعام 2010 كانت لي صديقة صحفية؛ تبلغ من العمر 32 عام، لم تكن قد تزوجت، لأنها لم تكن جميلة، والجمال إلى حد كبير، محفز للرجل الشرقي بوجه خاص، حتى تتحرك غرائزه، ويدفع مقابل عروسه التي سوف ينكحها، حيث أن الزواج بالمجتمع العربي المسلم – بيعة و شروة – عرض و طلب، إن كان بإمكانك أن تتحمل ثمن البضاعة، فحلال عليك، يمكنك شراؤها، مجرد دعارة دينية مقننة، أو تجارة بنهاية الأمر، ولم تكن صديقتي المقاتلة من عائلة ثرية أو قوية، حتى يتزوجها أحدهم لحسبها ونسبها، ولم تكن من مؤيدي الحجاب، ربما كانت تجد جمال ما أو عزاء أخير بشعرها، تلك الإشارة الوحيدة على أنها تزاحم النساء بعالم الأنوثة، وكانت تسكن بمنطقة من أحقر المناطق الشعبية، تلك المناطق المكتظة بالسكان، والتي ربما تشارك الحيوانات في الألم والبؤس، وتتقاضي 400 جنية راتب شهري، عن عدد ساعات يفوق الـ 300 ساعة بالشهر، تلك الصديقة ذكرت لي في معرض حديثها بإحدى المرات، أنها تشعر أنها ميتة، وأنها لن تنجح أو تتزوج أو تنجب، ولن تشعر على الإطلاق بما يجب أن تشعر به أي أنثى أو أي إنسان.

الآن؛ صديقتي تلك، تعيش بكندا، ومتزوجة من كندي، رآها فلم يهتم كالرجل العربي بالشكل، وراقته روحها المقاتلة، فتزوجها وانتقلت للحياة معه ببلده وحصلت على الجنسية وتعلمت الفرنسية ودرست الصحافة الإليكترونية، وتغيرت حياتها بنسبة 360 درجة وليست 180، وزارتني قريبا بزيارة خاطفة، فلم أكد أتعرف عليها للوهلة الأولى، حيث أن الفتاة المقاتلة القديمة، المدموغة بتراب الفقر والكدح والشارع قد ماتت بالفعل، ومن أمامي الآن امرأة كندية، شكلا وموضوعا وحتى صوتا، فصوتها المتعب المرهق الأجش، أكتسب ليونة ورونق اللغة الفرنسية المدللة، فأصبحت بصوتها رقة أقرب لرقة الإناث الطبيعية، وراقت ضحكتها وشابتها نعمة وصحة تنتمي إلى عالم يحترم الكائنات الآدمية، ناهيك عن المظهر والملبس وتناسق القوام، والأهم، الثقة بالنفس التي تضاعفت عشر مرات على الأقل، والمكالمات الهاتفية الدولية التي كانت ترد عليها بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية.

حتى الآن؛ وكل شىء رائع وكامل وجيد، ونحن نتشارك الطعام بأحد أرقي المطاعم، حين أطلقت هي علّي فجأة صاعقتها التي ربما لا زالت تعربد في كياني، ودفعتني دفعا لكتابة تلك المقال، قالت لي صديقتي الجديدة الكندية، بالحرف الواحد " أنا أشعر أن الله حقق لي أحلامي، وسدد لي خطاي، وأنه حولي دائما ولم يتخلى عني، وأنني على ثقة من وجوده بالعالم وبنفسي " للوهلة الأولى ظننت أنها تمزح أو تسخر، ثم عندما لم تضحك أو تنتبه لصمتي ودهشتي، راحت تنقسم أمامي وكأننا بمشهد بطيء في فيلم، ورحت أنا أتطلع إلى الفتاة القديمة البائسة وتلك المرأة الكندية الفرنسية، وأتساءل: أين كان الله طوال 32 عاما من حياتها؟ أين كان يختبئ وهي تعيش عزباء بحي هو الأحقر للحياة؟ أين كان الله من خطاها عندما تركها تعمل عشر ساعات باليوم مقابل دولارين باليوم؟ ولماذا لم يحقق لها أحلامها ببلدها؟ وكيف لا تنسب هي الفضل لزوجها وجنسيته وبلده؟ ولأن اليوم كان جيدا، وكانت هي سعيدة، وكنت قطعا سعيدا لها وبها وبالتغيير الشاسع الذي طرأ عليها وعلى حياتها، فلم أرغب بطرح تلك الأسئلة عليها، حتى لا نخوض فيما يعكر صفو اليوم، وربما صفو علاقتنا، وأنا الحريص على صداقاتي، والحريص أكثر على سعادة الناس، حتى لو كانوا يستمدونها من بطيخة تسكن بالسماء، وتسدد خطاهم عندما ينتقلوا للحياة بالعالم الأول، برعاية زوج كندي.

صديقتي؛ رغم حياتها بكندا أربع سنوات فقط، وتغير حياتها بالكامل، لا زلت تؤمن، كما يؤمن الأعم الأغلب من المؤمنين، أن الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره، هو السر بتبدل الحال، هو السر في الخير أو الشر، هو السر في طاغوت الحكام العرب والصبر عليهم والامتثال لحكمهم الجائر، وحياتهم المزرية، وفقرهم المدقع، وبؤسهم الأزلي، وأن كل ما هو خير يليق بالله، وجدير بالله، وبسبب الله، في حين أن نفس ذلك الله، لا يفعل شيئا لتغيير حياتهم، بل ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؟ ولا أدرى كيف يغير ما بقوم بعدما غيروه هم بالفعل بأنفسهم، إلا لو كانت تلك إحدى العبارات الغبية التي يكتظ بها كتاب محمد الأجوف.

صديقتي المتعلمة المثقفة المقاتلة، ظاهرة منتشرة محيرة، على عشق الجلاد والتعاطف معه وتلمس الأعذار له، فنفس ذلك الله الذي يحيط بها ويسدد خطاها ويسكن بها ولا يتخلي عنها، لم يكن ليقترب منها لو لم يظهر زوجها الكندي المخلص من العدم، وينتبه لما هو أفضل من الجمال والجسد، وينتشلها من هوة سحيقة مظلمة كادت تودي بحياتها حتى الموت، وهو من وقف بجانبها وسدد خطاها ولم يتخلى عنها وأعطاها من حياته ومن جنسيته ومن وقته ومن حبه، وبالنهاية لا يسعني سوى أن أشعر مثلها كما كانت قبل أن تولد من جديد بكندا، أنها ميتة، وأنها كانت ولا زالت – رغم زوجها الفاضل المخلص، وبلدها الثاني الأصلي، وجنسيتها المتحضرة الكندية - تنتمي لأمة كاملة ميتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اى الله تقصد
على سالم ( 2013 / 10 / 3 - 05:26 )
صديقتك اكيد غريبه الاطوار ,ولكن يبدو الامر غريبا ,ربما بعد زواجها من مسيحى كندى ,اقنعها بالمسيحيه وبيسوع الرب ,ربما دخلت المسيحيه وظهر لها يسوع وقال لها شبيكى لبيكى انا خدامك وبين ايديك ,اسمع هذه الحكايات كثيرا فى غرف البالتوك عن مسلمين تركوا الاسلام واعتنقوا المسيحيه ويقولوا احسوا بتغيير كبير ثلاثمائه وستين درجه والبعض منهم يقسم ان يسوع بشحمه ولحمه ظهر لهم وتعشى معهم


2 - يسوع لم يتعشى معها
أحمد عفيفى ( 2013 / 10 / 3 - 06:14 )
لازالت مسلمة
ولا زالت ترى الله هو من أنقذها من البؤس المحقق
بعد 32 عام من الموت المحقق


3 - يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا
عبد الله اغونان ( 2013 / 10 / 3 - 08:27 )
يستغرب الكاتب بقاء هذه الأخت على الايمان. وينسب كل ماوقع لها من تطور مادي الى انسان كندي. وينسى أن كل مايقع هو بمشيئة الله وقدره وارادته
يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون
مانتمناه أن يهتدي هذا الزوج الكندي الى نور الاسلام كما يقع في الغرب حيث هناك رخاء مادي وفراغ روحي وكلما ازداد الانسان ترفا ماديا كلما افتقر روحيا
راجعوا نسب الانتحار في دول الرفاه المادي


4 - اين هذا المسمى الله
نور الحرية ( 2013 / 10 / 3 - 18:31 )
بل اين الله الان وما هي حكمته والملايين من البشر تموت يوميا بسبب الجوع والامراض والحروب التي يؤججها رجال الدين والسياسة .اين هي الحكمة في شقاء وبؤس ملايين الرضع والاطفال في الصومال المسلمة وبلاد اخرى غير اسلامية .اين الله في ما يحدث في الغابات والفيافي من نهش وقتل للحيوانات لبعضها البعض اين هذا المسمى الله


5 - 180 درجة
JOVE ( 2013 / 10 / 3 - 19:07 )

تحية وتقدير
الصحيح 180درجة وليس360 درجة
لان 360 درجة ستكون على شكل دائرة وستعودة صاحبتنا الى نفس النقطة الأولى
بينما 180 درجة ستكون على شكل خط مستقيم ولكن بأتجاه معاكس(معلومة هندسية بسيطة)
لا يفوتني مقال من مقالاتك ... رائع دعادتك


6 - نور
أحمد عفيفى ( 2013 / 10 / 3 - 19:33 )
الله يختبىء عند اغونان


7 - JOVE
أحمد عفيفى ( 2013 / 10 / 3 - 19:36 )
اعلم
وربما قصدت بذلك المبالغة
حتى يدرك من يقرأ حجم التغير الهائل الذي طرأ
تحياتي


8 - ما نوع الاكل فى الفندق؟
ابراهيم الجندي ( 2013 / 10 / 4 - 15:11 )
اتركنا من كل هذا ؟
هل اكلت ما تريد معها فى الفندق خصوصا اللحوم التى ترغبها ؟
اذا كانت الاجابة بنعم ، فربك كريم واطعمك من حيث لا تحتسب
احمد ربنا على الاكله واسكت وادعي ربك انها ترجع تاني وتعزمك
ارجوك لا تنساني فى المرة القادمة
يا كريم يا رب يا حنّان يا منّان


9 - سبحانك يارب أنت الظاهر الباطن
عبد الله اغونان ( 2013 / 10 / 4 - 22:26 )
الكاتب أحمد عفيفي بدل أن يناقش يسخر وتلك وسيلة من لاحجة له
أتقن فن السخرية لكن بحق
غريب أن اسمك أحمد عفيفي من الحمد والشكر ومن العفة وأنت ناكر للجميل جميل .الخالق الذي أنعم عليك بنعم لاتحصى
العفة هي البعد عن الفواحش والكبائر ويعد انكار الخالق أكبر الكبائر أكبر من الشرك في حديث قدسي معناه
ماوسعتني السماوات والأرض ووسعني قلب عبدي المؤمن
الميت الحقيقي من لايعرف ربه ولا يعترف به

اخر الافلام

.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب


.. البابا تواضروس الثاني : نشكر الرئيس السيسي على تهنئته لكل أق




.. البابا تواضروس الثاني : في عيد القيامة المجيد نتلامس مع قوة


.. وصول البابا تواضروس الثاني للكاتدرائية المرقسية بالعباسية ل




.. قوات الاحتلال تمنع مقدسيين مسيحيين من الوصول ا?لى كنيسة القي