الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما

نضال الربضي

2013 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فلسفة الوعي – الإدراك و التركيب العضوي و ما بينهما

الإيمان بالكائن الواعي الأول أو الله كما نُشير إليه يبدو لي ضرورة حتمية تقتضيها طبيعة الوعي نفسه، و غير ناتجة بالضرورة من السعي وراء الكتب المقدسة و التي هي مادة دسمه للنقاش و النقد المُتعلق بطبيعة النص الأدبي و كـُتــَّـابـِه ضمن ظروفهم التاريخية و خلفياتهم العلمية و الأدبية و الثقافية و الحضارية أو المتعلق بتطور النص في شكلة النهائي الحالي عن نص سابق، كـلُّه ضمن منظمة تبغي الوصول إلى الشكل الأول للنص و قصد الكاتب الأصلي دون إسقاط للمفاهيم الحديثة و مقاصد الباحث أو المؤمن أو المُتعبد أو الناقد أو الملحد على ذلك النص.

أختار ُ أن أتكلم َ اليوم في الوعي و ما يستتبعُه هذا الوعي من نتائج منطقية قادرة على فرض نفسها و الوقوف كحقيقة ذاتية بمعزل عن معارك النصوص و المقاصد، و في هذا تأكيد على أهمية السعي فيما يرتقي بالكائن الإنساني إلى المستوى التالي من الوعي و الذي يفتح له أيضا ً أبوابا ً و آفاقا ً نحو مستويات أُخرى أكثر غِنى ٍ و أفيض َ امتلاء ً تنعكس ُ على وجوده ِ الفردي من جهة و تُساهم في بناء و استكمال الوجود الحضاري للجنس البشري من جهة أخرى في عملية تكامل للإنسان مع الكون كاملا ً و الأرض و البيئة جُزءً و اجتزاء ً بدون انفصال ٍ بين وجهي المقصد التكاملي.

يتكون الإنسان تبسيطا ً من الكاربون و الهيدروجين و عناصر آُخرى تتفاعل ما بينها كيميائيا ً داخل الجسد أو بالأحرى لِـيتكون َ منها الجسد بكل ما فيه، و تتحكم أو تُنظِّم السيالات العصبية و النبضات الكهربائية هذه العمليات المادية فيما بينها فينتج عن هذه العمليات كافة ً الوعي البشري الذي هو إدراكي للمحيط و تفاعلي ٌ معه في آن ٍ معا ً، وفق مبدأ المُثير و الاستجابة، حيث أن المُثير هنا قد يكون خارجيا ً أو داخليا ً.

إن هذه التفاعلات المحكومة بقوانين البيولوجيا و الكيمياء و الفيزياء لعناصر غير حية بمفهوم الحياة البيولوجي العلمي تُنتج وعيا ً إدراكيا ً حيَّا ً يستطيع العلم أن يصنفه و يقيس نتائجه ُ و تجلياته و تأثيراته على الفرد نفسه و المجتمع و باقي مكونات الحياة الأخرى، و يجب علينا أن نسأل السؤال الذي يُنتج بالضرورة عن النظر و الفحص و التأمل في كل ما سبق، هذا السؤال الذي تقود إليه حقيقة ٌ مفادُها أن الحياة هي أعظم بلا قياس من مجرد اجتماع مكوناتها غير الحية، فيكون َ السؤال عندئذ ٍ هو:

"بالقياس إلى ما سبق، إن كانت مجموعة عناصر غير حية ترتبط مع بعضها بتفاعلات ٍ كيميائية بمساعدة نبضات كهربائية، ينتج عنها كلِّها وعي ٌ مُدرك في كائن ٍ يعيش على كوكب ٍ على أطراف مجرة ٍ صغيرة من ضمن مليارات مليارات مجرات ٍ أُخر، كم بالأحرى إذن سيكون لا بد من وجود أشكال وعي و حياة ٍ أُخرى تنتج عن عمليات ِ تفاعلات عناصر و مكونات أخرى لا ندري عنها بعد؟"

هذا السؤال يقودنا بدوره إلى السؤال الآخر الأعلى:

"و إذا كان لا بد َّ من وجود أشكال وعي ٍ و حياة ٍ أُخرى أعظم من شكل الوعي الخاص فينا كبشر، أليس حتميا ً أن يتميز أحد أشكال الوعي بوعي ٍ و ذكاء ٍ لا نهائيين بالقياس إلى لا نهائية هذا الكون؟"

لأن انعدام وجود هذا الوعي العاقل اللانهائي هو حكم ٌ مسبق على موت ِ الحياة و قدرتها على أن تكون موجودة، و هذا بحد ذاته يناقض قوانين الكون التي تُرينا أن الحياة فيها مُستمرة و كائنة و مُعبـٍّرة عن ديناميكيتها و استدامتها بحضور موجود في كل لحظة زمنية نستطيع التفكير فيها أو قياسها أو الاستدلال عليها بعلومنا البسيطة.

و بعيدا ً عن النصوص الدينية التي تصور الله كساحر أرى أن عظمته اللامتناهية هي في طبيعة وجوده الواعي الذكي الذي لا يمكن التعبير عنه سوى بكلمة "الوجود" التي تحتوي في داخلها طبيعة هذا الوجود و كيفية كينونته و استمراريته، و ارى أيضا ً أن الاستدلال على بعض خصائصه ممكن من خلال دراسة الوجود الإنساني نفسه من حيث ديناميكية التطور الدارويني و الطفرات الجينية و قوانين انتخاب الصفات الفُضلى التي تسمح بالاستمرار و المضي الفعلي نحو الحياة في انسجام ٍ معها، لأني أرى أن الله هو كائن واعي عاقل نستمد ُّ من قُدرته قدراتنا نحن ُ.

الفكرة السابقة تُترجم ُ إلا أنني أرى كل أشكال الوعي في اتحاد مع هذا الوعي الأكبر أو الأول و في اتصال ٍ دائم ٍ معه، بحيث أن الكائنات التي تتفاعل ُ مع بعضها البعض هي ليست في حقيقتها إلا أجزاء الوعي الواحد في ظهور ِ طبيعته ِ و تعبيره ِ عن وجوده ِ و انعكاسا ً لكيانه ِ الفاعل، دون نفي ٍ لفردية ِ كل شكل آخر َ من أشكال الوعي التي هي في الحقيقة جميعُها انعكاس ُ الوعي الأول أو الوعي الأول نفسه.

المقارنة ُ البسيطة الواضحة لأشكال الحياة الإنسانية في كل المجتمعات ببعضها ثم الانفتاح ُ على مقارنتها مع أشكال الحياة الحيوانية و استتباع ُ ذلك َ بالمقارنة مع ما نعرفه ُ عن النجوم ِ و الكواكب و المجرات يقودنا إلى حقيقة واحدة و هي أن الحياة أعقد بكثير من أن نستطيع أن ندعي أننا نملك كل مفاتيح تفسيرها و توضيح ِ غموضها و إعادة إنتاجها و الإحاطة بها لتغيرها، لأن الوعي ما زال يتحدانا حين نجد أن العضوي يُنتج غير العضوي و أن الطاقة الناتجة عن التفاعلات لا تفنى و أن كل ذلك هو في جوهر الحياة، دون أن نفهم كيف و لماذا.

أحيانا ً يكون المحسوس دربا ً للنظر ِ إلى غير المحسوس للمسه و التحليق على جناحيه، و كأن المحسوس هو فقط الدرجة التي تضع عليها قدمك لتقفز إلى أحضان ِ غير المحسوس.

هكذا أفهم الله و أؤمن به، و أستطيع أن أثق فيه و أرجوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هو غرور الانسان , استاذ نضال
بشارة ( 2013 / 10 / 4 - 23:45 )
هو الغرور الذي ادى بالبعض الى الالحاد وانكار حتى امكانية وجود الله او اي شيء خارج المادة
لو تأملنا فقط بمحدودية وعينا كبشر لما صعب اتاحة الفرصة لامكانية وجود ما لا نعيه ولا نشعر به الا استثناءيا ولنسمي هذا المستوى من الوجود بعالم الروح او اي تعبير اخر

لكن قليل من العلم وبعض المنجزات التكنولوجية اصابت بعضنا بالثمالة فوضع نفسه مكان الله

مع خالص تحياتي


2 - رد على الأستاذ بشارة
نضال الربضي ( 2013 / 10 / 5 - 07:29 )
شكرا ً لمشاركتك أستاذ بشارة.
هناك أكثر من سبب للإلحاد، و أود هنا أن أعلق على السبب الذي تناولته في تعليقك و هو غرور الإنسان. أتفق معك أن الغرور أو الكبرياء يأتي كعامل مهم من عوامل الإلحاد العصري، و مرد ُّ هذا في رأيي هو غريزة البقاء في الدرجة الأولى والتي تُحس بالخطر إذا وجدت نفسها في موقف ضعف و تبعية، فتسعى للعودة إلى موقع السيادة و التفوق و الاستقلال، و هذا طبعا ً لا غبار عليه، لكن المشكلة تنتج من إسقاط موقف الخطر على موقف تميز الوجود الإلهي و اعتباره خطرا ً بحد ذاته يهدد الوجود الإنساني، فيأتي الإسقاط هنا على شكل اعتزاز ٍ مُفرط بالذات رافض لما هو فوقها.

لا شك أيضا ً أن المادية الاستهلاكية في القرن الحادي و العشرين و سهولة الحصول على مُلبـِّيات الحاجات مثل أنواع الطعام المختلفة و الملبس و أجهزة الاتصال الحديثة و النت و وسائل المرئي و المسموع قد أعطت للإنسان شعورا ً زائفا ً بالتفوق و الاكتفاء الذاتي،

يطول الحديث سيدي الكريم لكن مساحة التعليق محدودة.


3 - قد تكون
هلال ( 2013 / 10 / 5 - 10:42 )
انا معك قد يكون هنالك قوة كبيرة مسيطرة لا نعرف مداها ولكن حتما لن تكون هذه الالهة الخرقاء التي بشرتنا بها الاديان السماوية


4 - رد على الأستاذ هلال
نضال الربضي ( 2013 / 10 / 5 - 14:06 )
سيدي الكريم هلال، من خلال سنوات من البحث و الانفتاح على الكثير من ديانات و حضارات العالم و من خلال علم الأنثروبولجيا خصوصا ً في شقه الديني و الذي يمثله أفضل تمثيل الدكتور فراس السواح، أستطيع أن أقول أن البحث عن الله و الالتقاء به ممكن عندما نميز جميعنا الحضور المشترك له فينا جميعا ً دون الالتزام الحرفي بقصص النصوص، لأن قصص النصوص هي انعكاس فكر الكاتب و ترجمته الشخصية و ليست بالضرورة الحقيقة.

النصوص الدينية لا تقدم حقائق لكن تقدم تأسيس لمعرفة الكائن الأعلى و لقبول الدخول في شراكة استكشاف له و معه بغية التحرر الروحي من ماديات العالم و الارتقاء إلى مستوى أعلى من الوعي، و هذا بالضرورة لا يتحقق إلا إذا أدركنا البعد الإنساني الجامع لكل البشر و انفتحنا على الروح الإلهية لنشاهد عملها فينا و في الكون دون التمركز و التترس خلف النصوص بحرفيتها.

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ