الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يكون القتل موهبة!

أحلام طرايرة

2013 / 10 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يقف شاب بكامل ابتسامته أمام لجنة تحكيم وجمهور كبير في برنامج مواهب عربي ليقول أن موهبته هي أكل كل شيء حيّاً، فهذا مفزع بحق ولا أقصد ذلك الفزع المفتعل الذي أبدته إحدى أعضاء اللجنة بسؤاله فيما إذا كان بإمكانه أن يأكل أعضاء اللجنة أحياء أيضا. وعندما يُشاهد كل من في مسرح البرنامج ذلك وأن يُسمح للشاب المبتسم أن يواصل عرضه مع الاكتفاء بتعبيرات الامتعاض على وجه بعض الحضور وإشاحة نظر البعض الآخر مع صرخات الاستنكار الخجول- والتي كانت في غالبها تبدو مفتعلة أيضا – فيما يواصل تمزيق ثعبان بأسنانه كان قد قتله للتو، فهذا مفزعٌ جدّاً. لكن أن تصوّت لجنة في برنامج للمواهب العربية لتأهيل شخص يأكل الحيوانات حيّة، فهذا مفزعٌ ومريعٌ وكارثيّ!

لستُ أناقش حدثا صغيرا هامشيا هنا – كما سيبدو للبعض- ولكني أناقش ما يحمله هذا الحدث من معاني سبقت حدوثه ومعانٍ تترتب عليه وعلى الآلية التي تم التعامل بها معه. أولا، لنمعن النظر في تعريفه لنفسه في البداية: قال سأقدّم عرضا عسكريا، حيث يضطر الجنود أن ياكلوا أي شيء. لكنه مع ذلك أكل زجاجا وجمرا كمقبلات (ولم أسمع عن جنود يأكلوا هذه الأشياء ليسدّوا بها جوعهم على أي حال) ومن ثم انتقل لقرمشة العقرب وتمزيق الأفعى بأسنانه كوجبة رئيسية. لدينا هنا حربٌ، جنودٌ جوعى، وفكرة تقول أنه بإمكانك أن تأكل أي شيء عندما تضطر لذلك- بما في ذلك رفاقك، ربما! هي فكرة مرعبة تشرّع القتل في أسوأ صوره، وتم المرورعنها مرور الكرام.

ثانيا، القتل هنا موهبة، هو عرّف عن نفسه كموهوب في قتل وتمزيق الكائنات وهي لا تزال حيّة واللّجنة أقرّت ذلك وتجاهلت مسؤوليتها في "غربلة" المواهب لصالح الموهوبين الحقيقيين بتأهيلها لسفّاح أو "مشروع سفّاح" فقط في سبيل الإثارة والتنويع في جنسيّات المتأهلين للمرحلة المقبلة. ولسوء الحظ أن الحكم الرابع الذي ما كان ليصوّت لصالح المتسابق كان قد تأخر عن الحلقة تاركا كل من شاهد الحلقة – أو الكثيرين منهم – في حيرة حول ما سيقدّمه الشاب السفاح صاحب الابتسامة المريبة في المرة المقبلة، ماذا سيأكل يا ترى؟؟

ثالثا، من المفترض أن يكون هذا البرنامج من برامج العائلة التي يمكن للأطفال مشاهدتها مع ذويهم، ولكننا نرى أن المحطة التي تبث البرنامج لم تنوّه ولو تنويها صغيرا بأن الحلقة تحتوي على مشاهد مقرفة لا يجب أن يشاهدها الأطفال! وأتساءل فيما إذا كانت المحطة تتعمد أن يعتاد صغارنا على مشاهد تمزيق الأفاعي (وغيرها) حيّة بالأسنان المجردة كمشهد حياتي طبيعي، فتكون مصيبة بحاجة لدراسة وتسليط الضور عليها، أو أن القائمين عليها لم يسمعوا بمسؤوليتهم الانتقائية فيما يُبث على شاشتهم وفيما يشاهده الأطفال تحديدا كما يحدث في كل بلاد العالم المحترمة، فإذا كانوا لا يعون ذلك فنحن أمام مصيبة أعظم.

رابعا، أتوقع أن يتم إقصاء السفاح قبل العرض القادم والشكر لوجود المحكّم العقلاني الرابع- فلن نلوّث أعيننا وقلوبنا وقلوب صغارنا بمشاهد قتل باسمة جديدة وسط تصفيق وتشجيع من يروق لهم هذا النوع من الإثارة. لكن هذا الشاب سيبقى موجودا وسيبقى محبي ما يفعله موجودون أيضا، لكن أضعف الإيمان هو أن لا يُعطى مساحة –أي مساحة- على شاشة تحظى بنسبة مشاهدة عالية ولبرنامج يشاهده ملايين من العائلات العربية ليعرض إجرامه الذي هالني تسميته بالموهبة!

أخيرا، من مسؤوليتنا كمشاهدين أن نتحرك تجاه ما يُعرض على الشاشات العربية التي تسكن معنا بيوتنا ونوقف كل ما من شأنه أن يلوث إنسانيتنا قبل أي شيء. لا يكفي أن نقول هذا خطأ. علينا أن نتحمل مسؤولياتنا أيضا ونغلق الأبواب التي يتسلل منها الشرّ، مهما بلغت ضآلته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه