الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أعطني لأشرب- – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.

نضال الربضي

2013 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"أعطني لأشرب" – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.

للمسيح سحر ٌ خاص عند المسيحين، شخصيته ُ حاضرة بسلاسة و تلقائية، قادرة على النفاذ إلى أعماق المسيحي دون جهد، نتعامل معه لا كتعامل مؤمن مع نبي أو رسول أو إله، لكن كتعامل فرد ٍ مع صديق ٍ اختاره و قبله فصار أقرب إليه من أي شخص آخر، علاقة ٌ أفضل ما يمثلها هو الاعتراف بالحضور "المشيحاني" الدائم في النفس، و الثقة المتولدة من تميز هذا الحضور ثم الانطلاق نحو احتضان الحياة و الاتحاد معها بحضوره و معه و فيه.

تسحرك الأناجيل عندما تطالعك بهذه الشخصية الفريدة و لقاءاتها مع الناس، و تفاعلاتها مع كل شخص ٍ فيهم بإنسانية غير محدودة أو مرتبطة بعادات ذلك الزمان و البقعة الحغرافية، لكن متجاوزتيهما معا ً في ملئ الإنسانية، فهو الذي كان صديق الخطأة و العشارين و الزُناة و كل من لا يجب التحدث إليه (كالسائد) لأنه كان يميز حاجتهم إلى الاستنارة الروحية و المعرفة و تغير السيرة نحو الأفضل، و هو الذي كان يخاطب النساء و يرافقهن و يجلس معهن و يكلمهن و لا يعترف بالحدود بين الجنسين لأنهن بكل بساطة بشر شأنهن شأن الرجال و تهميشهن هو جهل و نكوص ٌ عن الإنسانية و جريمة في حقهن و حق المجتمع، و هو الذي لم يكن يراعي السبت اليهودي بحدوده غير المنطقية لأنه كما يقول دائما ً أن الإنسان هو سيد السبت و أن السبت قد جُعل للإنسان و لم يُجعل الإنسان للسبت.

تسحرك الأناجيل أكثر عندما تنظر إلى الرحمة و المحبة تقطران من شفتيه و من على يديه، فهو الذي أبطل حكم الرجم اليهودي عندما أخزى حكماء اليهود و شيوخهم بمنطق ٍ بسيط "من كان منكم بلا خطئية فليرمها بحجر"، هذه الجملة بسيطة جدا ً في تركيبها كبيرة جدا ً في معناها الذي يقول أن البشر متساوون و لا فضل لأحد على آخر لأن الجميع باختصار "بشر" و هذه الانسانية تعترف بضعف الطبيعة و الكل تحت هذا الضعف، و لا أحد كامل كلي الصلاح لكي يجد في نفسه الحق لينحني و يلتقط حجرا ً و يبدأ بالرجم مُعلنا ً نفسه القدوس الصالح، لا أحد.

و تشعر بأنك طليق ٌ حر عندما تسمعه يتحدث مع المرأة الزانية بعد خروج الوجهاء و الملأ من القوم فيسألها "أين هم، ألم يحكم عليكي أحد"، فتجيبه "لا يا سيد"، فيقول "و لا أنا أحكم عليكي، إذهبي و لا تعودي للخطيئة". ما هذه الشخصية؟ كيف نفسرها؟ هذا الرجل الواثق بما يقول يُبطل الحكم التوراتي و يأتي بحكمه المشيحاني الجديد "و لا أنا أحكم عليكي"، هو مُحرِّر، فاك ٌّ للقيود، مُطلق للأسير، عون ٌ للعود المكسور ليقومه، ينفخ ُ في الفتيلة التي على وشك أن تنطفأ فتشتعل بالحياة و الديناميكية و الحرارة و تعانق الهواء، ثم بعد ذلك يرسم خطر السير "لا تعودي للخطيئة"! هذا الخط الذي من شأنه ضمان بقاء اشتعال الفتيلة و استقامة العود و النمو الروحي و الحياتي نحو الكمال المسيحي المشيحاني الخلاصي.

لماذا نحب المسيح؟

لأنه صالح ٌ بار، يعيش ما يقوله، و يقول ما يعيشه، و تُثبت التجربة الشخصية أن من يتبعه و يمشي بحسب فلسفته في الحياة يحقق التناغم و التوازن مع نفسه و عائلته و مجتمعه و محيطه و عالمه، و يستطيع أن يتذوق الحياة و يتحد مع الناس في إنسانية جامعة تجد الإنسانية حيث يكون الإنسان، و لا تسأل عن أي جامع ٍ غير الجامع الإنساني فلا شأن للمسيحية المشيحانية المرتبطة بيسوع المسيح في التصنيفات.

المسيح لا يُصنـِّف، لا يُضيع الوقت في الاحتزاب مع هذا ضد ذاك أو مع ذاك ضد هذا، فهو لا يؤمن بالأحزاب و لا يرى داعيا ً لها، هو يحب الاتحاد و الوحدة "فليكونوا بأجمعهم واحدا ً"، و هو يشجع السعي نحو الكمال "كونوا كاملين" و يحب الوضوح و الشفافية "أنا هو نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلام" و هو أكثر من كل شئ يعترف بصعوبة الحياة و تعقيداتها "تعانون الشدة في العالم" و "في العالم سيكون لكم ضيق" لكنه يقدم الرجاء و الأمل و الوعد بالمعونة للثبات "ثقوا إني قد غلبت العالم" "السلام أمنحكم السلام أعطيكم ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا".

المسيح عفوي تلقائي لا يعترف بالعداوات و الموروثات التفريقية بين البشر فهو يزور قرية للسامرين (أعداء اليهود بني قومه) يجلس على حافة بئر (و هذا عمل غير مُنتظر من شخصية مثله) ثم عندما تأتي إمرأة لتستقي من البئر يبقى في مكانه لا يغادر مراعيا ً العادات و التقاليد، فهو ثائر ثورة أبدية على كل ما من شأنه تشويه الإنسانية التامة للبشر، ثم بكل عفوية يبدأ معها الحديث و يطلب منها "أعطني لأشرب".

لم أكتب اليوم في حادثة المرأة الزانية أو السامرية لكي أعطي درسا ً في اللاهوت، لست ُ لاهوتيا ً و لا رجل دين، لكني مسيحي، و مسيحي عاشق، يحب يسوع، و يعشق المسيح في جماله، في عفويته، في طيبة قلبه، في استعداده دوما ً للمساعدة، في تعاليمه التي تعلمنا أن نمشي بدل الميل ميلين و أن نسعى لحياة أفضل.

لهذا نحب يسوع لأنه ينسجم مع الفطرة الإنسانية و الطبيعة البشرية فيعترف بكل ما فيها من ضعف و نقائص و يعالجها و يعلمها كيف ترتقي نحو اكتمال طبيعتها و إظهار جانبها الروحاني و انسجام الجانبين الإنساني و الإلهي مع بعضهما و مع كل ما يحيط بهما نحو عالم ٍ أفضل.

"روح الرب علي
لأنه مسحني و أرسلني
لأبشر المساكين
لأنادي للمأسورين بالإطلاق
للعميان بالبصر
لأخرج المسجونين من دار الحبس"

لهذا نحب يسوع و نعشق المسيح!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شخصية المسيح المحبوبة
شاكر شكور ( 2013 / 10 / 11 - 20:10 )
وكما ان الأنجيل يبرز شخصية المسيح الفريدة والمحبوبة ايضا القرآن يميز هذه الشخصية بوصف المسيح وجيها في الدنيا والآخرة وهو من المقربين وعلّام الساعة ويشفي الأكمة والبرص ويحيي الموتى ويعرف مافي بيوت الناس ، كما ان القرآن يصف المسيح بكلمة الله الذي هو عقل الله الناطق ويقول عنه ايضا قول الحق والحق هو الله وفي يوم الحساب ينزل حكما مقسطا والحَكَم المقسط من اسماء الله الحسنى ، لم يرد في القرآن ان جميع الملائكة بشّرت بمولود وبقول واحد لأي نبي غير بشارة ميلاد المسيح فمن هو هذا السيد لتصرخ جميع الملائكة يقدومه !!، هذا ويقر القرآن ان المسيح نفخ في الطين وخلق طيرا رغم ان القرآن ينفي ان يأذن الله بممارسة صلاحية الخلق لغيره لأن عملية الخلق محصورة في الله وحده ، شكرا استذ نضال لمقالتك التعليمية المبسطة


2 - الرد على الأستاذ شاكر شكور
نضال الربضي ( 2013 / 10 / 11 - 20:16 )
شكرا ً لمرورك سيدي الكريم و إنه من الجميل أن نلتقي على حب المسيح و اتباع منهجه و الإيمان بشخصه و رسالته.

في الحقيقة أردت أن أقدم وصفا ً مُبسطا ً للمكنون النفسي للمسيحي و كيفية نظرته إلى المسيح و السبب الذي يجعل المسيح متميزا ً في قلوب المسيحين و دائم َالحضور عندنا.

نقترب ُ من الفكر المشيحاني اليسوعي كلما اقتربنا كبشر من بعضنا البعض.

أشكر لك مرورك و دمت بود أخي الكريم.


3 - الطبيب الناجح و الطبيب الفاشل فى علاج الداء الروحى
Amir Baky ( 2013 / 10 / 11 - 20:25 )
تم وضع إرشادات للبشر حتى لا يصابون بالامراض ورغم ذلك نجد أن المرض يمكنة أن يتسلل للبعض. فذهب أحد المرضى لطبيب فعنفة على عدم إلتزامة بالإرشادات و قال الحل فى أن يتم قتلك حتى لا تصيب الآخرين. وذهب مريض آخر لطبيب آخر قدم للمريض الدواء فإن أخذة سيتم الشفاء و إن لم يأخذه فسيموت هذا المريض. ففى النهاية يمكن للمرضى أن يموتون بسبب المرض ولكن هناك فرق كبير فى التعامل. فالطبيب الأول هو أداة القتل و الطبيب الثانى كان هو أداة الشفاء. فالمعصية هى الداء الروحى التى يجب أن يتم علاجها بالإسلوب الثانى. وهذا ما يجعل هناك علاقة ود و حب بين الطبيب و المريض


4 - رد على الأستاذ Amir Baky
نضال الربضي ( 2013 / 10 / 11 - 20:35 )
شكرا ً لمرورك أستاذ أمير،

المسيح هو طبيب شفوق حنون، لا يرتضي موت الخاطئ لكنه يريده أن يبرأ ليحيا، لذلك ابتدأ رسالته بالقرأءة من سفر النبي أشعيا في المجمع -روح الرب علي لأنه أرسلني لأبشر المساكين، لأنادي للمأسورين بالإطلاق- و هو كما تصفه النبؤات -لا يصرخ و لا يجلب و لا يسمع صوته في الساحات- أي أنه وديع صافي نقي سلامي ملك السلام و أمير القلوب، و هو الذي --قصبة مرضوضة لا يكسر و كتانا مدخنا لا يطفئ- أنه يجبر المكسور و الضعيف و لا ينهيهما، لكن يقويهما ليأخذ مكانهما في الحياة مع إخوتهما البشر.

المسيح باختصار هو أجمل ما في الإنسانية، لهذا نحبه.

دمت بود أخي الكريم.


5 - face book
samir soliman ( 2013 / 10 / 22 - 21:57 )
اريدكم اصدقائي ان تقروا هذا المقال الرائع جدا عن الانسان الكامل و الراعي الصالح و الطبيب الخبير بالامراض الانسانيه و المحرر الاعظم و رفيق المهمشين و المزدريين و الضعفاء و المكسورين اريدكم ان تتعرفوا بحق عن الاله الحقيقي يسير بين البشر و يراه و يسمعه الناس و يشاركهم و يغيرهم للافضل و ليس الاله المختبيء خلف السحاب يستبد بالناس و يقهرهم علي عبادته و لا يهمه معاناتهم و الامهم

اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ