الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً

نضال الربضي

2013 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً.

عند قرأتك في سفر أرميا النبي الفصل الخامس عشر، الآيات من 18 إلى 21 لا تملك إلا أن تندهش اندهاشا ً شديدا ً من عمق العلاقة بين الله و النبي و من شدة بساطتها و عفويتها و إنسانيتها و من طريقة التخاطب و التعبير بين الاثنين.

إرميا النبي المُتألم من قرية عناتوت القريبة من أوراشليم القدس ، مُضطهد في وطنه، فهو يرى لأمته الدمار و ينبه إلى خطر السبي القادم، و يُخبر الملك و الرؤساء و الوجهاء بما يعتقد أنه الصحيح للخروج من المأزق السياسي، لكنهم بدل أن يسمعوا له يضطهدونه و يؤذونه بالكلام و الإهانات ثم الحبس و الضرب.

إرميا الصابر المُتألم الذي يتحمل كل شئ من أجل نبؤته المُؤتمن عليها، يؤمن تمام الإيمان بوعد الله له بأنه معه حتى من قبل أن يكون في بطن أمه، فالله نفسه قال له "قبل أن أصورك في البطن عرفتك، و قبل أن تخرج من الرحم قدستك"، إرميا المتألم ألم الجسد و ألم النفس و المخذول من جميع الناس، يبث ُّ شكواه فيقول مخاطبا ً الله خطاب الحبيب للحبيب، و القلب للقلب:

"لماذا كان وجعي دائما ً و جرحي عديم الشفاء"

ثم يُكمل في جملة مُدهشة لا يقولها إلا عاشق ٌ واثق مُحب ذائب في الحب و الشوق يستنجد بحبيبه، يقول:

"أتكون لي مثل كاذب؟ مثل مياه ٍ غير دائمة؟"

إرميا يقول لله في عمق حميمية و خصوصية العلاقة، يا رب معقول أنك تكذب علي؟ معقول مرة تُغيثني و مرة تتركني؟ لماذا يا رب؟

إرميا يعلم أن الله صادق و أن الله ليس كالبشر يقولون شيئا ً و يفعلون آخر، و الله يعلم أن إرميا يعلم، و هنا جمال العلاقة، هنا التفاعل الإلهي مع الضعف البشري الذي يستعجل حلول الأحداث و يريد أن ينظر إلى الأمور بعين المعقول البشري الذي يظنه المنطق و الصواب و الصحيح، بينما الله الذي يدبر كل شئ يـُحـضـِّر تدبيرا ً آخر يكون فيه إرميا و الشعب اليهودي و مملكة يهوذا أجزاءً في تدبير كبير هو جزء من التاريخ سيقود لمستقبل تشترك فيه البشرية كُلـُّها.

قـِصر النظر عندالنبي المُتألم مفهوم و مُبرَّر، و الله يستجيب لأنين النبي فيقول له "إن رجعت أُرجعك و تقف أمامي، و إن أخرجت الثمين من المرذول تكون كمثل فمي"، يعني ربنا يقول لإرميا: يا إرميا أكمل رسالتك فأنت ما زلت نبي ِّ المقدس الواقف في حضرتي دوما ً و انتبه لتتبع الصواب و تبعد عن الخطأ حتى أتكلم بواسطتك و تكون أنت فمي و لساني و كلمتي إلى شعبك. ثم يستتبع الله و يخبره أنه سيجعله مثل سور النحاس قويا ً لا يقدر عليه محاربوه من الملك و الرؤساء و الشعب، و أنه سينقذه و يخلصه و يفتديه.

و يصدُق الله و يذهب الملك و الرؤساء و القواد و العُتاة و الجبابرة و تُسيى مملكة يهوذا إلى بابل و يبقى إرميا، لم يقدر عليه أحد و يرفع الله وجهه أمام الناس إذ يعلمون أن نبؤته كانت صادقة و أن ما تكلم به كان حقيقة. و هانحن الآن بعد آلاف السنين ننظر و نقول قد صدقت يا رب مع إرميا، و إنك تصدق في كل حين، و إننا نضع كل ثقتنا بك و نحبك.

من أجمل نصوص الكتاب المقدس، هذا الحوار القصير بين النبي المُتألم إرميا و بين الله. قصير لكنه اختصار للعلاقة بين الله و الناس، الله الصادق و المُتمم لوعده في الوقت و المكان المناسبين، و الناس الذين يجعلون ثقتهم فيه حتى لو الظروف عاكست.

إرميا هو درس ٌ في معنى الألم الناتج عن الظرف البشري الإنساني، الذي هو محور الحدث و موضوعه، و الذي تستجيب له الحواس استجابة الطبيعة البشرية، و في أثنائه تلتفت النفس إلى داخلها نحو الوجود الإلهي الحاضر دائما ً لتلتمس أن يكشف احتجابه من تحت ثقل الحواس و معاكستها لانسيابه الهادئ السلامي الذي يطلب إفساح المجال له للظهور، فتحضُر َ لحظة الاختيار في أوضح تجلياتها، اختيار الاستسلام لفردية الحواس أو قبول ثُنائية الفعل الإلهي في توجيه الحدث و الاستسلام لهذ الحضور بهدف الاستنارة التي تؤدي لقبول الدور الإلهي في تدبير الأرضي نحو خلاص ٍ مُتناغم و مُنسجم مع الإنسان و الحدث.

نوعا ً ما كل ُّ شخص ٍ فينا هو إرميا في مرحلة ما من الحياة، و نوعا ً ما كل ٌّ منا نبي ٌّ يتلقى الوحي و الكشف الإلهي، و نوعا ً منا كُلُّنا تضربنا عواصف المعيشة و الظروف، و نوعا ً ما كُلُّنا نُعاتب الله بدرجات مختلفة، لكن الواقع يبقى أن الحضور الإلهي موجود ٌ فينا جميعا ً ينتظر أن نسمح له بالظهور، فكم هو جميل ٌ أن نفتح الباب لله الذي يقرع الباب.

"هاءنذا واقف ٌ على الباب أقرع"

افتحوا الأبوب، الله محبة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ