الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول علاقة الأكراد بالدراسات الاستشراقية

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 5 / 28
القضية الكردية


لأن الأكراد لم ينتجوا معرفة خاصة بهم كان لا بد من أن ييمموا شطر الدراسات الاستشراقية عنهم . ليقرأوا في مراياها صورتهم .فمعظم الدراسات المدونة والمكتوبة عن الأكراد منطلقة من أقلام المستشرقين , وإلى اليوم ورغم أن الزمان تغير وأصبحت المعرفة بلا حدود نجدنا متكلين على كتابات الآخر عنا . لعل ذلك مرضاً متأصلاً فينا . خلال ذلك نندمج في مشروع صياغة أسئلة . أسئلة القلق , وهي تبدأ في علاقاتها بالاستشراق من البديهيات إلى سؤال الهوية .
لماذا ارتمى الأكراد هكذا ببساطة في أحضان العملية الاستشراقية وإلى الآن لا يريدون الفطام ؟.. هل لأن تلكم العملية عزفت على أوتارنا الحساسة فتملكتنا نحن البسطاء ؟.. وهل خلق هذا الكم الهائل من الدراسات والبحوث تاريخاً غير موجود لشعب حي وموجود ؟...
أ كانت المقاربة الاستشراقية ولوجاً في العوالم الداخلية بمعنى أنها قراءة متعمقة وفاعلة أم أنها أمسكت نفسها خارجاً . بمعنى أنها جاءت قراءات تسطيحية لموضوع لا يحتمل التسطيح . هدفها الأول إرواء فضول الغربيين ومحاولة الاضطلاع بعبء تعريفهم بشعوب الهامش العالمي .
يحار المرء حيال ذلك , ففي قمم الأعمال الكردولوجية حتى نعثر على مجرد مسبقات وأخبار صحافية وثقافة التعريف . إلى جانب ذلك قد تجد بعض التمعن في الموضوع المطروق ومحاولة لملمة عدة معرفية ورؤية معرفية بغية معالجة تكون محايثة للموضوع وتكون بالتالي مستوفية بقدر كبير لمنهجية البحث , أي تتوفر على التعامل المنهجي العلمي .
على أن الملفت الآخر الذي يستوقفنا ونحن نسلم عقولنا وعواطفنا القومية المتوهجة لتلكم الكتابات . أمور على قدر من الأهمية يبدو من الضرورة بمكان التوقف عندها :
1- الحساسية القومية كنوع من التمركز على الذات رداً على شوفينية وعنصرية العرب والترك والفرس قد تلعب دوراً لا بأس به في تربية الإنسان الكردي على قبول المشرق والايجابي , وما يتوافق مع مزاجه دائماً , وقد يشكل ذلك إساءة إلى ترجمات تلكم الكتابات , فالمتداول بيننا هو الايجابي فقط ولا نجد في كل تلك الكتابات غير المديح اللانهائي للذات الكردية والثناء عليها وذكر مزاياها . في حين يندر إيراد الهفوات والمثالب والعناصر السلبية . ودائماً الكردي شجاع وجريء كأبطال هوليوود , وكمثال على ظاهرة اللاأمانة التي تتكرر كثيراً في تلك الترجمات نجري مقارنة عابرة وسريعة لترجمتين مختلفتين كلياً لكتاب واحد هو المعنون بـ ( الكرد .. دراسة سوسيولوجية وتاريخية ) لمؤلفه باسيل نيكتين .
أما الترجمة الأولى إلى العربية فقد صدرت في 1967 عن دار الروائع البيروتية للفيف من المترجمين , وأما الترجمة الثانية فقد صدرت في 1998 عن دار أخيل للطباعة والنشر وقام بالترجمة والتعليق الدكتور نوري الطالباني .
يمكن القول أن الترجمة الأولى بالنسبة إلى الثانية تبدو مشروع دراسة ليس إلا , فالأولى تقع في 242 صفحة من القطع الوسط . في حين أن الثانية تقع في 512 صفحة من القطع الكبير , وفي الترجمة الأولى أسقط المترجمون فقرات كثيرة من المتن نلفيها في الترجمة الثانية ( كمثال الفقرات التالية : الكرد في العراق , الكرد في سوريا , سلوك الكرد إزاء اليهود , جافيتية الكرد , عبادة الحمير , أهل الحق , الملاحق ....إلخ ) .
لا نعلم الدافع وراء عملية القفز فوق فقرات لا تحصى أيأتي بدافع الخوف من الأنظمة الحاكمة للأكراد , فتكون الأسباب سياسية في هذه الحالة , أم أنه الحرص على إظهار الكرد في صورة هيابة تحوطهم العصمة وهالات التقديس .
2- نبدو نحن الأكراد نهمين جدا لابتلاع كتابات الآخرين الموجبة عنا دونما محاولة لقراءتها قراءة نقدية . فلم أجد إلى اليوم إلا الشكر والثناء على المستشرقين أصحاب تلك الكتابات . وكل متابعات الكتب وعروض الكتب المكتوبة من أقلام كردية تكتفي بذكر العناوين والفقرات وتلخيص الكتاب في ضوء جملة أو جملتين دونما مقاربتها في تشريح نقدي ونسوق على ذلك مثالاً تعامل بعض الأقلام الكردية مع كتاب جوناثان راندل " أمة في شقاق " عقب صدوره , فكل الجرائد والمجلات الحزبية الكردية الصادرة في سوريا قدمت الكتاب للأكراد بعبارتي ريتشارد هولبروك و دايفيد فرومكين المدرجة على الغلاف الأخير للكتاب . ما نخشاه أن يتحول التاريخ الكردي تاريخاً سكونياً لا تاريخياً منقطع الصلة بتاريخه الحقيقي الموضوعي .
3- لم نحاول نحن الأكراد استغلال أو استثمار الكتابات الاستشراقية عنا في التسويق للحالة الكردية المعقدة وطرح الاسم الكردي الجريح في الخارج وكسب الأنصار والأصدقاء لقضيتنا ( مهما كانت مضامين تلك الكتب ) كان يمكن مثلاً لأكراد الشمال أن يستغلوا كتاب السفير الأمريكي في تركيا في العقد الثاني من القرن العشرين هنري مورغنطاو " قتل أمة " والذي يبحث في المجازر بحق الأرمن ويحلل أيضاً الشخصية التركية . كان يمكن استغلاله في تعرية السلطات الحاكمة التركية وممارساتها خارجاً عبر تسليط المزيد من الأضواء عليها .
4- تنامي الشعور القومي في العصر الحديث حفّز الأكراد للبحث عن ماضيهم . هذا الماضي وجدوه في دراسات المستشرقين مزدهراً ومشرقاً ومجيداً ما أدى بالتالي إلى تعصبهم له . هذا التعصب كان نتيجة طبيعية لمشاعر الاعتزاز القومي بالماضي . هذا الماضي الرابض في دراسات المستشرقين يشكل اليوم صعوبة كبرى في وجه أيّما إعادة نظر في هذا التاريخ الماضي لأنه محفور بعمق في كافة الأعمال الأدبية الكردية وفي اللاشعور الجمعي الكردي ويشكل زوادة لبرامج الأحزاب الكردية العديدة .
إن كون الأكراد كانوا من الشعوب الثاوية في سرير الرجل المريض – الدولة العثمانية , والمخطط الغربي لاقتسام تركته , وتواجد الأكراد قرب الخاصرة الجنوبية للإمبراطورية الروسية ثم الدولة الشيوعية الفتية ومناخات الحرب الباردة ووجود منابع النفط في أراضيهم وفي الجوار كلها أسباب ستشكل أسهما في إضفاء الروح السياسية على العملية الاستشراقية وحركة الاستشراق وسيجردها بالتالي من كونها عملية معرفة الآخر منزهة عن الغرض لا سيما السياسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين:




.. تغطية خاصة | إعلام إسرائيلي: الحكومة وافقت على مقترح لوقف إط


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري




.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان