الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المغربي : مجالات الفعل و العطب

عبد الرحيم العطري

2005 / 5 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أين تمارس نماذج المثقفين المغاربة فعلها و حضورها ؟ و أين تجسد دورها النقدي في مختلف مظاهره الملتزمة ، الانتهازية ، المزيفة و المتعالية ؟ فأي الحقول المجتمعية تستجير به النخب المثقفة المغربية و تمارس من خلاله وظائفها المحتملة ؟ و ما حدود الفعل لديها داخل هذه الحقول ؟ و إلى أي حد تساهم في صناعة القرار داخل ذات الحقول ؟
إن نماذج المثقفين هاته تلوح في مختلف حقول المجتمع ، ففي كل المؤسسات و الشروط الاجتماعية تعبر هذه النماذج عن حضورها و فعلها الذي يختلف تبعا لطبيعة الحقل ذاته ، و أيضا باختلاف منطلقاتها و فهمها الخاص لدور المثقف في المجتمع .و هكذا يمكن أن نجد داخل الحق الواحد جميع صنوف المثقفين مما يمنح للحقل إمكانية احتضان المزيد من الصراعات و التنافسات ، و هو ما يعطيه أيضا إمكانية الاستمرار حسب تفسير بيير بورديو لمنطق اشتغال الحقول ، و سنحاول في هذا المستوى تحديد أبرز واجهات الفعل و الحضور التي تعلن من خلالها النخبة المثقفة بالمغرب وجودها و امتدادها ، مع التأكيد على أن هذه الواجهات ليست نهائية أو أنها الوحيدة التي يعبر من خلالها المثقف عن حضوره و ممارسة وظيفته النقدية في اتجاه التبرير أو المساءلة أو الترف الفكري أو الاستقالة.
• الجامعة و البحث العلمي : لقد ظل هذا الحقل و لزمن طويل أبرز مجال لحضور النخبة المثقفة ، فكونه يتأسس بالضرورة على الفعل الثقافي و البحث العلمي ، فهو يشكل مشتلا رئيسيا لإنتاج و تكوين النخب ، بل إنه يعد معبرا ضروريا لكل من رغب في الانتماء إلى دائرة النخبة المثقفة ، و بطبيعته هذه سيصير الحقل الجامعي واجهة مناسبة لممارسة المثقف لدوره ، عبر تأطير الطلاب و الندوات و مختلف الفعاليات الثقافية و الاجتماعية ، وبالطبع فشكل ممارسة هذا الدور يتحدد قبلا بنوع المثقف الذي نحن بصدده ، الشيء الذي يجعلنا نصادف نماذج شتى للمثقفين في رحاب الحقل الجامعي . فبين أروقة الجامعات يستطيع المثقف – و كيفما كان نوعه – أن يعمل على تصريف دوره سواء في اتجاه بناء الوعي النقدي وتحفيز السؤال أو في اتجاه إعادة إنتاج نفس الأوضاع بتشجيع المقاربات الكسولة و النمطية ، ففي كل الحالات إذن ينتج المثقف في هذا الحقل معناه و يلعب دوره الذي اختاره قبلا لنفسه.
• الأحزاب السياسية: شكلت هي الأخرى واجهة مهمة لتصريف المثقف لدوره و سلطته المفترضة، فمن خلالها يحاول المثقف أن يمارس دوره النقدي و أن يساهم في صناعة القرار و توجيه السياسات العامة ، كما أن حضور المثقف داخل الجسم السياسي إنما تمليه حاجة مزدوجة يشترك فيها كل من المثقف و السياسي ، فالأول بحاجة قصوى إلى قناة لتصريف مواقفه و اختبار مقولاته على محك الواقع ، و بحاجة أيضا لمظلة واقية من شطط السلطة و موصلة إليها ، و الثاني بدوره بحاجة إلى من يشرعن له وجوده و يحدد له أطروحته الإيديولوجية و يدبج له بالتالي خطبه و برامجه التي لا يكتب لها التحقق واقعيا في مطلق الأحوال ، لكن مع ذلك يظل مطلب الشرعية هذا مشتركا بينهما ، فالمرء دوما في حاجة إلى شرعنة وجوده المحتمل ابتغاء تأكيد الحضور و تحصين الذات . و لكون الأحزاب السياسية من الآليات التي تؤدي إلى طريق قشدة المجتمع ، فإن اختيار المثقف لها يكون نفعيا بدرجة أولى ، و ذلك بهدف الوصول إلى دوائر صناعة القرار ، لكن هذا لا يعني بالمرة أن كل المثقفين الذين ينضمون إلى الأحزاب السياسية يقف وراء اختيارهم هذا بعد براغماتي خالص ، فثمة مثقفين آخرين – و على قلتهم – يسعون جاهدين إلى جعل العمل الحزبي واجهة للتعبير عن معنى المثقف العضوي الملتزم الذي يحملونه في أعماقهم .
• المجتمع المدني : استقطبت هذه الوجهة مع حلول سنوات التسعينات فئات مهمة من المثقفين ، و صارت من أكثر واجهات فعلهم المجتمعي ، خصوصا بعدما فقد الكثيرون منهم الثقة في الأحزاب السياسية ، أو اقتنعوا جيدا بأن بطء الحراك السياسي داخل هذه الأحزاب و تكريس الزعامات بها يتعارض ضديا مع طموحاتهم في الوصول إلى قشدة المجتمع ، فالطريق إلى القمة عبر المجتمع المدني أقصر و أسلم ، بل إنها على خلاف طريق الواجهة الحزبية لا تستوجب الدخول كثيرا في الحروب و الصراعات التي يفترضها العمل الحزبي ، و هكذا فقد وجد كثير من المثقفين ضالته في هياكل المجتمع المدني لممارسة الوظيفة التي يضطلع بها و التي تختلف حسب معناه و مبناه الأولي ، فهذا المجتمع يتيح هامشا أكبر للتحرك و المبادرة بخلاف الحقل الحزبي الذي يستحيل أورثودوكسيا بسبب التهاب قيم المحافظة و التكريس المدروس للزعامات و النخب التاريخية ، ففي هذا الحقل يتمكن المثقف بشكل أو آخر من إعلان وجوده بأقل الخسائر الممكنة و التي تكون قاتلة على دروب أخرى .
• فلك السلطة : واجهة أخرى صارت أكثر استقطابا للمثقفين بالمغرب و هي بالضبط ذلك الفلك اللانهائي للسلطة و الذي يمتد إلى مختلف الهياكل المجتمعية ، و الذي يعبر عن آلية الاختراق المخزني لتفاصيل المجتمع ، ففي هذا الفلك تسبح الجمعيات الجهوية التنموية و الهيئات و المؤسسات الرسمية ، و في هذا الفلك أيضا يدور الكثيرون من المثقفين و أشباه المثقفين ، و الواقع أن هذا الفضاء الواسع الذي لا يعرف حدودا ملموسة بحكم اتصاله بمختلف الاهتمامات المجتمعية و انفتاحه على كل الأسئلة المثارة في النسق العام ، يستقطب فئات عريضة من المثقفين الذين يصير دورهم المركزي هو التبرير و التواطؤ و الانحياز لكل ما يصدر عن الذين هم فوق .فوظيفة المثقف في فلك السلطة لا تخرج عن مفهوم " وعاظ السلاطين " الذين لا هم لهم غير إضفاء هالة من القدسية على كل قرارات " الصدر الأعظم " من دون إعمال بسيط للنقد و التحليل الموضوعي .
ففي هذه الحقول أساسا و في غيرها بشكل ثانوي تعلن النخبة المغربية المثقفة عن وجودها ،و عبر منطق كل حقل و صراعاته اللانهائية يعبر كل مثقف عن نوعه الذي ينتمي إليه ، و كذا عن دوره الذي سيؤديه في إطار شروط الفعل الاجتماعي الذي يفترضه الحقل الذي يحتضن اللعب و الصراع .فعلى طول هذه الحقول نكتشف ملامح النخبة المثقفة و نقترب أكثر من أعطابها و أدوارها المزيفة أو الحقيقية ، و نلاحظ أيضا إمكانيات صعودها أو سقوطها الاجتماعي بالنظر إلى آليات التدجين أو التهميش التي تستهدفها . فما هي هذه الأعطاب و الأوهام التي تكبل المثقف هنا و الآن ؟ و ما حقيقة هذه الأعطاب ؟ و ما حدود مسؤولية المثقف أو السلطة في إنتاجها و تغذيتها ؟ و هل من سبيل للتحرر منها ؟
- الخطاب و الممارسة : لعل العطب البارز في حالة المثقف المغربي و العربي عموما هو ذلك البون الشاسع بين الخطاب و الممارسة أو ما يمكن تسميته بحالة الفصام التي يعاني منها المثقف ، و التي تجعله مثلا يكون حداثيا على مستوى القول و أكثر تقليدانية على مستوى الفعل و الممارسة ، فلن يكون عسيرا على المتتبع لأحوال جزء مهم من النخبة المثقفة المغربية كيف تنأى بممارساتها عن خطاباتها التي تروج لها ، و كيف تصير المسافة تقاس بالسنوات الضوئية بين خطاب المثقف و ممارساته اليومية خصوصا تجاه حقل السلطة و المسكوت عنه ، و بالطبع فتاريخ المثقفين بالمغرب يعج بالحالات و الظواهر التي تفضح هذا الفصام المرضي الذي يعتل به مشهد آل الفكر و القلم .
- التغريد خارجا : من أعطاب المثقف المغربي أيضا التغريد خارج السرب ، ليس في محاولة لإعلان التميز و رفض ثقافة القطيع و معاندة تيار النسق العام ، و لكن في إطار طوباوية فارغة تهفو إلى تكريس التميز و الاختلاف عن العامة ، و هكذا نجد عددا كثيرا من المثقفين يمارسون الترف الفكري دون انغماس في شؤون القاع المجتمعي ، خوفا من آلية القمع و طمعا في رضا السلطة ، و عليه نجد قلة من المثقفين الذين يشتغلون على مشروع فكري ملتزم و بعيد المدى ، بحيث يضيق المشهد الثقافي بأصحاب المقاربات الكسولة و الأحكام الجاهزة و المشاريع الآنية التي لا تخلو من انتهازية في الطرح و التحليل .
- الفوبيا الزائدة : و هو عطب سرطاني ينتشر طولا و عرضا بين صفوف النخبة المثقفة بسبب آليات القمع و الفرملة التي يمارسها رجل السلطة في حق المثقفين الملتزمين ، فدرجة الخوف مرتفعة لدى النخبة المثقفة ، و لهذا فإن فئات واسعة منها تدمن المداهنة و النفاق السياسي ، كما أن تعمل بمبدأ التقية اتصالا بما له علاقة بصناع القرار ، فقليلة هي المناسبات التي يطل علينا فيها المثقفون بآرائهم النقدية في الجاري و القائم من الأوضاع ، إنهم يرتكنون إلى الصمت ، في دلالة قصوى على انغراس فوبيا مرضية في الأعماق تمنع من التعبير و المساءلة ، و هذا كله ما هو إلا نتيجة منطقية لاستراتيجية الإقصاء و التهميش التي يعتمدها المخزن في مواجهة المثقف العضوي الذي صار مهددا بالانقراض.
*كاتب و باحث مغربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #الكويت .. سرق أحذية المصلين من مسجد بعد قياسها ليختار الأقر


.. الأوروبيون يختارون ممثليهم في البرلمان الأوروبي




.. لماذا لجأت إسرائيل للواتساب للبحث عن متطوعين للقتال في غزة؟


.. إعلام تابع لجماعة أنصار الله: عدوان أمريكي بريطاني على الحدي




.. للمرة الأخير.. شاب يمسك يد زوجته بعد استشهادها في مجزرة النص