الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغريب: نبيٌ وملعون

محمد حسام الرشدي

2013 / 10 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن قصة حياة الإنسان على هذهِ الأرض قصةٌ واحدة تتغير فيها الأزياء والديكورات وكتابة السيناريو ولكن المحتوى يبقى واحداً، فمنذ أن تطور الإنسان من سلفه الأدنى الى الآن وتاريخه يعاد بدورةٍ منتظمة. وما هذهِ التغيرات التي نلاحظها في تاريخنا سوى محاولاتٍ فردية قام بها أفرادٌ قلائل –قلائل نسبةً الى القطيع الذي يعاصرهم- عرفوا كيف يتركون بصمتهم في سجل التطور البشري.

نحن نسمي هؤلاء الأفراد بالمجددين، فما هي سماتهم يا تُرى؟ ما هو الذي يجمع بين نيتشه وشكسبير وملتون وغوتيه ودارون وجبران وغاندي ومارك توين وستيف جوبز و و و؟ والسؤال الأهم من هو المجدد؟!

المجدد هو الخارج عن مجتمعه فهو خارجي، وهو المجدِّف بالتراث الميت فهو كافر، وهو الذي يشعر بالأغلال التي يرسف بها مجتمعه فهو اللا منتمي، وهو فوق هذا وذاك الغريب الذي يعيش وحدهُ ويموت وحده.

هو إذاً الغريب.. وكم شهد تاريخنا الإنساني أمثلة من هذا الغريب، فتارة نراه يشرب السم مبتسماً في سجنٍ في أثينا، وتارةً نراه في صحراء الربذة يموت وحيداً لا يملك من حياتهِ الطويلة سوى شاةٍ كان يقتات عليها، ورأيناه في غابات بوليفيا يصرخ صرخته التي خلدها الدهر "إنني أحس على وجهي بألم لكل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني."

رسمه جبران في "يوحنا المجنون" فقال عنه:
"كان سكوتاً كثير التأملات يصغى لأحاديث والديه ولا يجيب بكلمة، ويلتقى بأترابه الفتيان ويجالسهم صامتاً ناظراً إلى البعيد حيث يلتقى الشفق بازرقاق السماء. وإذا ما ذهب إلى الكنيسة عاد مكتئباً، لأن التعاليم التى يسمعها من على المنابر والمذابح هي غير التى يقرأها فى الإنجيل، وحياة المؤمنين مع رؤسائهم هي غير الحياة الجميلة التى تكلم عنها يسوع الناصري".

وكأن جبران عندما اسماه مجنوناً أراد أن ينبه إلى أن يوحنا هو إنسان موجود في كل زمانٍ ومكان وإن إختلف الناس حوله فقد يكون نبياً أو كافراً، حكيماً أو مجنوناً، إنه روح تتقمص أجساداً مختلفة.

في سيرة هذا الغريب محطات عدة يمكن الوقوف عليها لمعرفته، فأولاً يكون مشابهاً لأقرانهِ يعيش بنفس النسق الذي عاش بهِ أبائه وأجداده، حيث يكون منتمياً لجماعتهِ يحمل منظومتها الفكرية، ويتصرف وفق ما تمليهِ عليه بيئته. ثم تأتي الملاحظة فتشكل الصدمة الأولى –وغالباً ما تكون الأقوى- في حياة هذا الغريب، تتبعها فترة نحسبها سبات وما هي بسبات، حيث يكون أشبه بقدرٍ يغلي على نارٍ هادئة، وهنا تتشكل منظومته الفكرية وتشحذ أفكارهُ ليعلن الثورة، وفي الثورة تنتهي حياته كفرد، ليكون رمزاً. وفي هذهِ المسيرة قد يكسب الغريب أنصاراً فينجح ويكون قديساً أو يفشل في حركته فيكون كافراً.

هذهِ برأيي هي إشكالية تاريخنا كبشر، فكم من ملعونٍ في هذا التاريخ كان من الممكن أن يتحول إلى قديس لو كان الحظ قد حالفه؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى حماس لاستنساخ تجربة جزب الله في لبنان داخل غزة لبناء


.. أمريكا.. الشرطة تعتقل طلابا في احتجاجات مؤيدة لفلسطين بجامعة




.. تجمع فرق البحث والإنقاذ للعثور على طائرة نائب رئيس مالاوي


.. استهدف الاحتلال الإسرائيلي منطقة الهرمل في لبنان




.. الإعلام الإسرائيلي يسلط الضوء على المشهد السياسي المحتقن