الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية ليست صناديق !

حسن كمال

2013 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى إطار الدعوة إلى تحقيق الديمقراطية التى تشغل مساحة كبيرة من الإهتمام من قبل منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية فى مصر, خصوصا فى مرحلة التحول الديمقراطى فى مصر بعد 25 يناير 2011 .

وبعد أن أصبحت تحقيق الديمقراطية هو الهدف المعلن لكثير من الدول فى العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا, من خلال بلايين الدولارات من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية فى العالم التى تنفقها لتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الانسان – ولكنى أشك فى ذلك – فمعظم تلك تتركز كلها حول ديمقراطية (الصندوق).

فكل ما يشغل المنظمات الغير حكومية بمصر وخارج مصر والأحزاب السياسية والإعلام هو أن الديمقراطية هى ذهاب الجماهير للصناديق ! سواء كانت هذة الصناديق للإنتخابات أم للإستفتاء على تعديلات دستورية, فكلها ديمقراطية صندوق , تدعو الشعب لممارسة الديمقراطية عبر التعبير عن رأية من خلال ( الصندوق ).


إذن, فما هى الديمقراطية ؟

الديمقراطية هى حكم الشعب بالشعب , والشعب يحكم من خلال إعمال العقل فى أموره الدنيوية التى يعيشهافى هذا العالم, وليس من خلال الذهاب لـ ( الصناديق ) ! فهى مجرد وسيلة لتداول السلطة ولكنها ليست الديمقراطية. فالانتخابات بحد ذاتها لا تشكل جوهر الديمقراطية , فهى ليست غاية, وإنما مجرد خطوة لإضفاء الطابع الديمقراطى على المجتمعات. ومع غياب مفهوم الديمقراطية وهو حكم الشعب بالشعب, تغيب معه كل حقوق الإنسان من حرية الرآى والتعبير, وسيادة القانون, وحرية البحث العلمى وغيرها من الحقوق والحريات.
( راجع فى هذا الأمر , ورقة بحثية بعنوان الحق فى الديمقراطية - دراسة فى الأبعاد القانونية والمؤسسية – مجلة رواق عربى عدد 64 , مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان).

فالديمقراطية إذن يجب تقوم على التنوير و إعمال العقل , والنخبة بما فيها الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان و الكتاب والمثقفين يجب أن يكون دورهم هو تنوير الجماهير وتشجيعهم على إعمال العقل حتى يحكم الإنسان بعقلة فى الدنيا, بعكس ماهو موجود فى مصر من " حاكمية النصوص الدينية " التى موجودة فى الدستور – مبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع - والقوانين ومناهج التعليم والثقافة والخطاب الدينى فى مصر الذى أصبح عائق للتنوير ويحذر الشعب من إعمال عقله !

فالديمقراطية هى حكم الشعب بالشعب , و ليس حكم الشعب بدين الشعب !


محنة النخبة مع الديمقراطية

تعانى معظم النخبة المصرية لحالة إستسلام تامة لفكر الجماهير, فالجماهير هى التى تقود النخب وليس العكس. وهذا ما كان أشار له غوستاف لوبون فى كتابة " سيكولوجية الجماهير " , فالنخب دائما تفكر بفكر الجماهير لإرضائهم وليس بفكر مستقل بقصد إحداث تنوير حقيقى قائم على إعمال العقل كما قال كانط فى جوابه عن سؤال ما التنوير.

ومن شأن هذا الاستسلام الجماهيرى هو القضاء على العقل العام مما يفضى إلى استحالة وصول المجتمع إلى مرحلة التنوير التى تشترط وجود عقل عام متنور, وهذا ما أشارت له, د. منى أبو سنه , فى مقال عن " العلمانية و الجماهير " .

فالنخبة ما زالت قريبة من فكر الجماهير, والدليل على ذلك ما تمارسه الأحزاب السياسية والمنظمات الغير حكومية فى علاقتها مع الجماهير . فهذة العلاقات محكومة بفكر الجماهير الأسطورى بدعوى تلبية احتياجات الناس. ومن شأن هذة العلاقات تجاهل الحاجة الأساسية وهى توليد العقل العام المتنور من خلال حث الجماهير على ممارسة التفكير العقلانى وتجاوز التفكير الأسطورى .

فمازالت الأحزاب السياسية – للأسف – تحصر مفهوم الديمقراطية فى صناديق الإنتخابات التى تشتغل عليه كل فترة إنتخابية بدعوتها للشعب للتصويت لها فى الإنتخابات, وتسعى جاهدة وصول الشعب لـ " الصناديق " لإختيار مرشحيها فى الإنتخابات من أجل تحقيق الديمقراطية ليكون حكم الشعب هو حكم صناديق !

أما المنظمات الغير حكومية وعلى الأخص منظمات حقوق الإنسان, تهتم بشكل أساسى فى دعوتها للديمقراطية على مراقبة الإنتخابات والإستفتاءات حتى تتضمن سلامة " الصناديق " وأخرى تعقد البرامج التدريبية من ورش عمل ومؤتمرات فى كافة المحافظات لتدريب الشعب على كيفية الوصول لــ " الصناديق " ! وتشجعهم للمشاركة فى الإنتخابات والإستفتاءات حتى تتضمن وصول أكبر عدد من الشعب لــ " الصناديق " ويكون معدل نجاح الديمقراطية فى مصر يقاس عبر " الصندوق " !!

ولا شك أن هناك منظمات تقوم بعمل دراسات و ومراقبة الأداء التشريعى للسلطة التشريعية وهذا جيد, ولكنها تقف عند حدود لا تتعداها, وهو هل حقا الشعب يحكم ويشرع بناءا على إعمال العقل ؟ أم يشرع وفقا لنصوص دينية ووفقا لأراء فقهاء المسلمين منذ قرون !


الديمقراطية الغائبة

الديمقراطية هى حكم الشعب بالشعب, وحكم الشعب هو حكم متطور دائما لأن الشعب فى حالة تطور, فالتطور لا يستقيم إلا مع المعرفة النسبية, وبالتالى فإنه لايستقيم إلا مع العلمانية, وهى كما صكها د. مراد وهبه ( التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق ). فالمكون الأساسى للديمقراطية هو " العلمانية " .

ثم يأتى بعد ذلك " نظرية العقد الإجتماعى " عند جون لوك , وهو أن يوافق البشر على التنازل عن بعض حقوقهم لحاكم يأتى بإرادتهم فى مقابل أن يحقق لهم الأمن والأمان. ولكن سلطان الحاكم سلطانا نسبيا وليس سلطانا مطلقا.

وبعد ذلك يأتى " التنوير " وهو كما قال كانط, إعمال العقل من غير معونة الآخرين, الأمر الذى يمكن معه القول بأنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه. فالديمقراطية يجب أن تكون قائمة على التنوير الذى يشترط قدرة الجماهير على ممارسة التفكير الناقد بمنهج علمانى . فإذا غاب التنوير غابت الديمقراطية وغاب حكم الشعب ومن ثم غاب حقوق الشعب.

وأخيرا تأتى الليبرالية, كما دعى إليها جون ستيورات مل فى كتابة المعنون " عن الحرية " وهى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع, وهذا يعنى إنه لا يمكن وأد حرية الفكر والتعبير لدى الأفراد بدعوى الإنصياع للرأى العام بدعوى إنه مقبول سياسيا و إجتماعيا, حتى لا يكون هناك " طغيان للرأى العام " أو طغيان الأغليبية " فى قهرها لحقوق الأقليات.

و بذلك تكون أكتملت " رباعية الديمقراطية " كما دعى إليها د. مراد وهبه, فى كتابة المعنون " رباعية الديمقراطية " القائمة على العلمانية, العقد الإجتماعى, التنوير, والليبرالية . ليأتى بعد ذلك فى مرحلة لاحقة ذهاب الجماهير لــ " الصناديق " ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا